في الوقت الذي لا يشهد فيه الداخل اللبناني اي اشارات مشجعة توحي بامكانية حصول الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، تكثر المواقف العربية والاقليمية التي تدفع في اتجاه انجاز الاستحقاق وان كانت هذه المواقف لا ترسم اطرا واضحة او تفصيلية، بل تبقى في العموميات والشعارات التي تتردد بشكل روتيني في كل مناسبة. لكن يبقى، مع ذلك، لهذه المواقف الوقع في الداخل اللبناني الذي لا يمكن تجاهله، كما هو الحال بالنسبة الى ما صدر عن القمم الثلاث التي احتضنتها الرياض مؤخرا، ولاسيما ما صدر عن قمة دول مجلس التعاون الخليجي في البند المتعلق بلبنان ما دل، وفق مصادر سياسية لبنانية، الى توافق دول الخليج على موقف واحد يتناغم بشكل او بآخر مع الموقف السعودي تجاه لبنان والذي يدعو الى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن، وان يكون " وطنيا وعربيا ولا يطعن دول الخليج بالظهر، ويكون قادرا على اطلاق مسيرة الاصلاحات المطلوبة للمرحلة المقبلة، من دون اغفال الاشارة السلبية لدول مجلس التعاون الى دور الجمهورية الاسلامية الايرانية وحزب الله. وترى المصادر نفسها ان " الثوابت" التي حددها بيان مجلس التعاون هي " دفتر الشروط" الذي وضعته هذه الدول لاي رئيس مقبل للبنان للتعاون معه والشروع بتقديم المساعدات للنهوض اقتصاديا بالبلاد لاسيما وان دول الخليج التي انكفأت منذ مدة عن تقديم الدعم للبنان راغبة- كما يقول المسؤولون فيها- في اعطاء لبنان فرصا ومجالات كثيرة لتكون الى جانبه في حال انتخب رئيس للجمهورية لا يشكل تحديا او استفزازا لها، وفي حال شكلت حكومة برئيس " يطمئن" دول الخليج ويتعهد بالقيام بالاصلاحات المطلوبة لقيادة البلاد على طريق الاستقرار السياسي والاقتصادي في كل الميادين.
وتتوقف المصادر نفسها عند تزامن ما صدر من مواقف عن اجتماع مجلس التعاون الخليجي مع وجود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الرياض حيث ترأس وفد لبنان الى القمة العربية- الصينية وكانت له لقاءات عدة مع قياديين عرب واجانب شاركوا في هذه القمة ابرزهم ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في لقاء يقول البعض انه ليس الاول، لكنه ارتدى هذه المرة طابعا رسميا بين رئيس وزراء لبنان وولي العهد السعودي الذي يشغل ايضا منصب رئيس مجلس الوزراء في المملكة، تم خلاله التداول في شؤون كثيرة مرتبطة بالعلاقات اللبنانية- السعودية وسبل تطويرها وان كان الجاب السعودي بقي " متحفظا" خلال البحث، لكنه " ارتاح" الى الصراحة التي اتسم بها حديث الرئيس ميقاتي الذي حرصت مصادره على القول ردا على ما تردد عن " ابعاد وانعكاسات ايجابية للقاء ومساعدات مالية مرتقبة الخ... "، بانه من المبكر الحديث عن هذه المسائل، لكن المصادر تقول ان الاجابة المختصرة جدا لمصادر ميقاتي لا تعني ان اللقاء لم يكن جيدا بين ولي العهد السعودي والرئيس ميقاتي، بل هو من اكثر التطورات اهمية ونوعية خلال الايام الماضية لاسيما وان ميقاتي استطاع، بعد طول انتظار، ان يعيد المياه الى مجاري علاقته مع المملكة من جهة، وتحريك الاهتمام السعودي بلبنان الرسمي بعد جمود امتد الى سنوات. واذا كان البعض ذهب الى حد اعتبار اللقاء بداية رفع لــ " الفيتو" غير المعلن الذي تضعه الرياض على التعامل مع لبنان الرسمي، الا ان الثابت في هذا المجال أن ارتياح ميقاتي للقاء كان كبيراً جداً، إذ إن ثمة من وجد في اللقاء إيذاناً بعودة السعودية عن اعتكافها عن دور الفعل في الساحة السياسية اللبنانية وإشارة الى أنها عادت لتعقد في أضعف التقديرات عملية "ربط نزاع" مع هذه الساحة التي تشهد تطوّرات وتحوّلات واستطراداً تعقيدات. وإذا صحّ ذلك فمعناه أن الرياض قد ردّت بالإيجاب على مطالب شريحة لبنانية وسنّية واسعة شكلت من هجرة السعودية للساحة السنّية وتركتها عرضة لكثير من الاحتمالات فضلاً عن كونها في حال انعدام وزن وضياع خصوصاً بعد انكفاء القوة السياسية الأقوى في هذه الساحة أي الحريرية السياسية، عن الفعل.ومن البديهي في موازاة ذلك أن هناك من يجد للانفتاح السعودي الأعلى منسوباً على هذه الساحة من خلال هذا اللقاء استفادة سعودية مزدوجة، إذ إنها تردّ بالإيجاب مع مساعي باريس التي طالما ناشدتها السير معها في رحلة لمعالجة الوضع اللبناني الذي يكابد وأن تكون الخطوة الأولى في هذه الرحلة لقاءً مع ميقاتي الذي له كما صار معلوماً مكانة كبرى عند العاصمة الفرنسية.و يبدو أن الرياض أخذت في الاعتبار تحذيرات وصلتها من أن سياسة إغماض العين عن الوضع اللبناني والتعامل السلبي معه سيفضي يوماً ما الى خروجها من هذه الساحة، ومن ثم انطلقت في رحلة إعادة نظر والانطلاق في مقاربة مختلفة للشأن اللبناني خصوصاً أن لها في هذه الساحة رؤوس جسور تاريخية قوية.
اما على صعيد الشخصي، فان للرئيس ميقاتي اكثر من سبب ليبدي ارتياحه للقاء مع ولي العهد السعودي لاسيما وان صورة اللقاء بالذات كانت كفيلة بتبديد الكثير من الشكوك حول علاقة ميقاتي بالمملكة خصوصا بعد قبوله تشكيل الحكومة في عهد الرئيس ميشال عون ثم تكليفه من جديد من دون ان ينجز عملية التشكيل. وثمة من يرى بان ميقاتي القادر على قراءة الاحداث ومجرياتها تمكن من خلال لقائه في الرياض من ان يعطي لنفسه حضورا في العلاقات اللبنانية- السعودية مختلفا عن حضور غيره من الساعين الى الحلول مكانه في السرايا الكبير، علما ان بعض هؤلاء الاشخاص لم يتمكنوا من تجاوز اختبارات معينة اخضعوا لها بعلمهم او من دون علمهم ما يبقي ميقاتي قادرا على تحمل مسؤوليات رئاسة الحكومة في الاتي من الايام بعدما اثبت انه ليس " تابعا" لاحد بل له اداء متميز يجعله في موقع يمكنه من التعاطي مع الافرقاء على الساحة اللبنانية من منطلق رجل الدولة الذي في استطاعته ان يكون " الشريك الكامل" لاي رئيس جمهورية سينتخب ذات يوم في مجلس النواب، فضلا عن علاقاته الدولية الواسعة التي نسجها بتأن خلال السنوات الماضية وعززها بسلسلة مبادرات كانت لها الصدى الايجابي في المحافل الدولية والاقليمية.