كان لافتا النفي الذي صدر عن وزير الاعلام زياد المكاري وفيه انه لا يعمل على تقريب المسافات بين تيار " المردة" و" القوات اللبنانية" توصلا لاقناع رئيس " القوات" سمير جعجع بالسير برئيس " المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. صحيح ان الوزير المكاري المقرب من فرنجية، نفى اي دور له في التواصل على خط " القوات" – " المردة"، الا انه قال : " ربما سواي من يضطلع بهذه المهمة وباعتقادي ثمة تواصل لانه لم تكن الخطوط يوما بين " القواتيين" و" المردة" مقطوعة وهذا هو لبنان، حيث تبقى الخطوط السياسية والحوارية مفتوحة لما فيه خير الفريقين والبلد". فالى اي مدى تصح المعلومات عن تواصل بين " المردة " و" القوات" وهل من نتائج عملية لمثل هكذا تواصل تنعكس على الاستحقاق الرئاسي؟
تقول مصادر متابعة ان فرنجية الذي قلّل من ظهوره الاعلامي منذ آخر مقابلة له قبل شهر ونصف الشهر تقريبا، يبقي الاتصالات التي يقوم بها بعيدا عن الاضواء لعلمه بان نجاح هذه الاتصالات مرهون بمدى المحافظة على سريتها حتى لا تكون عرضة لاطلاق النار من الخصوم حينا ومن الحلفاء الاستراتيجيين احيانا. لذلك لا تفصح مصادر " المردة" عن المدى الذي وصل اليه التواصل بين " القوات" و" المردة" وان كانت لا تنفي حصوله وتعتبره حقا من حقوق " المرشح الطبيعي" سليمان فرنجية، مثل غيره من المرشحين سواء المعلنين منهم او المتحركين في الخفاء. لذلك يفضل فرنجية ان تبقى اللقاءات التي يعقدها " مكتومة" الى حين تثمر فيتم الاعلان عنها. لقد تعلم فرنجية من انتخابات 2016 بان ... الامور الانتخابية الرئاسية بالكتمان مفيد اكثر بكثير من الاضاءة على كل شاردة وواردة وعليه يتصرف في ما خص " القوات اللبنانية" بحذر لانه لا يريد ان يقوم باي " دعسة ناقصة" يمكن ان تزعج حليفه الاساسي حزب الله الذي على خلاف مع " القوات"، مع علمه اليقين بان " الجنرال ميشال عون تحالف مع " القوات" وانتج " تفاهم معراب" الشهير وهو على علاقة وثيقة مع حزب الله الذي لم يعترض عن التقارب بين عون وجعجع من خلال المعادلة التي عمل على تحقيقها النائب المخضرم ابراهيم كنعان والنائب الجديد ملحم رياشي. وفي هذا السياق تقول مصادر " المردة" ان العلاقة الاستراتيجية التي تجمع فرنجية بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لم تكن حائلا دون اتمام المصالحة بينه وبين جعجع برعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والتي كانت مفيدة لقاعدتي الطرفين، فاذا كانت المصالحة التاريخية التي طوت صفحات سود من العلاقة في مقدمها مجزرة اهدن، لم تزعج " الحزب"، فلماذا يمكن ان ينزعج من تواصل سياسي مع " القوات" بهدف تسهيل مسار فرنجية الانتخابي لاسيما بعد المواقف القاسية التي اتخذها رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ضد فرنجية والتي استبعد فيها اي امكانية للتلاقي والدعم رئاسيا. ذلك ان الحزب يدرك – تضيف المصادر- ان فرنجية بحاجة الى غطاء مسيحي في معركته الانتخابية وهو لا يمكن ان يتأمن الا من خلال تعاون مع " القوات" خصوصا اذا ما باءت المساعي التي يقوم بها حزب الله لجمع فرنجية وباسيل تحت سقف انتخابي واحد بالفشل كما هو ظاهر من خلال المعطيات المتوافرة راهنا.
" مبررات" امكانية التلاقي بين معراب وبنشعي
وفي هذا السياق، ترى مراجع سياسية متابعة بان امكانــــــات التلاقي بين " المردة " و" القوات" لها ما يبررها في الوقت الراهن واولها " الخصومة" المتجذرة بين " المردة" و" القوات" من جهة، و" التيار الوطني الحر" من جهة ثانية، مع احتمال تمدد الحالة العونية- الباسيلية اكثر فاكثر على حساب الحضور " القواتي" في المناطق المسيحية، ونفوذ " المردة" في الشمال خصوصا، علما ان كل من الحزبين لم يرتاحا طوال عهد الرئيس عون نتيجة مواقف باسيل منهما، ويمكن ان يشكل الاستحقاق الرئاسي مناسبة لــ " رد الاجر" لــ " التيار " ومناصريه من خلال تحالف يحمل الى بعبدا سليمان فرنجية مدعوما من جعجع الذي لن يسلم بسهولة بهذه المعادلة، لانه تعلم مما حصل من تداعيات " تفاهم معراب" وبالتالي سيكون اي اتفاق محتمل بين الفريقين، واضح المعالم والبنود خصوصا في ما يتعلق بتوزيع الحصص سلفا في الحكومات والوظائف، الامر الذي لم يحصل كما كان يفترض بموجب " تفاهم معراب". وتضيف هذه المراجع ان ما يمكن ان يساعد على تقارب بين معراب وبنشعي، هو ان فرنجية الذي انجز معالجة تاريخية مع جعجع في بكركي التزم بها ادبيا من دون توقيع تفاهمات او اتفاقات، ولم يلجأ يوما الى نكء الجراح او التذكير بالمأساة العائلية الكبيرة التي نتجت عن مجزرة اهدن، كما لم يشن حرب الغاء سياسية وعسكرية وامنية ضد " القوات" كما حصل في العام 1989. اضافة الى ذلك لدى جعجع ما يجعله لا " يخاف" من اي تقارب مع " المردة" ذلك ان المراجع نفسها تقول ان " حالة " فرنجية النيابية المحدودة ( خمسة نواب) لا تشكل " خطرا" على حضور " القوات" وتمددهم في المناطق وحصتهم النيابية الكبيرة، في حين ان كتلة " لبنان القوي" برئاسة باسيل تشكل خطرا " على القوات" ما يدفع بــ " الحكيم" الى استسهال التحالف مع فرنجية بعدما بلغت الخصومة- لا بل العداوة – مع باسيل نقطة اللارجوع. وبالتالي فاذا ما وصل فرنجية الى سدة الرئاسية سيأخذ من حصة باسيل وليس من حصة " القوات" شعبيا وسياسي، لان القاعدة " العونية" لا يمكن ان تصبح " قواتية" ذات يوم، اضافة الى الاستراتيجية المشتركة التي تؤمن بها القاعدة الزغرتاوية مع القاعدة العونية لاسيما في مقاربة العلاقة مع كل من حزب الله وسوريا.
وتضيء المراجع نفسها على نقطة تلاقي اخرى بين فرنجية وجعجع، تتمثل بدعم وحماية اتفاق الطائف وقد ظهر ذلك جليا في " التظاهرة" التي حصلت في قصر الاونيسكو في ذكرى التوصل الى الاتفاق المذكور والتي نظمها السفير السعودي في بيروت وليد البخاري. وفي مفهوم كل من جعجع وفرنجية ان اتفاق الطائف لا يزال الصيغة الافضل للحياة السياسية اللبنانية وان كان لا بد من تعديلات طفيفة فيه فهذا امر يتم بالتفاهم والتشاور والتوافق بين مكونات المجتمع اللبناني، وليس بالاكراه او الضغط كما حصل خلال عهد الرئيس عون ما احدث ردة فعل سلبية لدى القيادات السنية ترجمت تباعدا وعدم تعاون مع الصهر. وفي رأي المراجع نفسها ان الاتفاق بين " القوات" و" المردة" يؤدي الى وقف استنزاف الطائف، فالطرفان مؤيدان للدستور وللاتفاق ووصول رئيس جمهورية مؤيد للطائف مثل فرنجية، سيمنع الانزلاق نحو مؤتمر تأسيسي او استكمال الانهيار لفرض تعديل الدستور. كذلك تبرز نقطة التقاء اخرى بين جعجع وفرنجية هي مقاربة الملف الاقتصادي على نحو يوقف الانهيار الاقتصادي المتمادي ويحمي النظام الاقتصادي القائم على الاقتصاد الحر والمتمسك بالبنية الاساسية للمجتمع الاقتصادي ورفض ما هو حاصل حاليا على صعيد الممارسات ضد القطاع المصرفي ومصرف لبنان.
لكن هذا التلاقي في مجالات عدة لا يلغي تباعدا في مجالات اخرى، لاسيما في ما يتعلق بالموقف من سوريا ومن حزب الله وسلاح المقاومة بالاجمال علما انه لا يجوز تجاهل اهمية التباعد في هذه المسائل الاستراتيجية التي يمكن تنظيم الخلاف في شأنها لكن ذلك يتطلب ليونة ما من " القوات" التي ذهبت بعيدا في تحدي حزب الله ونادت بمرشح يقف بوضوح ضده، وهذا امر غير متوافر اطلاقا بسليمان فرنجية صاحب المواقف المبدئية التي لا يتنازل عنها مهما كانت الاسباب والضغوط.. الا ان ثمة من يقيم وجه شبه بين ما كان عليه " التيار الوطني الحر" في العلاقة مع حزب الله بعد " تفاهم مار مخايل" وهو اعمق بكثير من العلاقة بين فرنجية و" الحزب"، الا ان ذلك لم يمنع دعم " القوات" لــ " الجنرال" وترشيحه لرئاسة الجهورية بعد اعلان " تفاهم معراب" بكل بنوده المعلنة والسرية.
في اي حال، في السياسة لا ثوابت بل متغيرات ومصالح متحركة، لكن امكانية التلاقي بين " المردة" و" القوات" تستلزم وقتا وجهدا وجهات فاعلة تتولى ادارة هذا التقارب والتمهيد له وصيانته وهذا الامر لن يكون سهلا او سريعا ما يعزز القناعة بان بقاء فرنجية المرشح الابرز لدخول قصر بعبدا، يعني ان الشغور الرئاسي سيطول الى حين تذلل العقبات ويتحقق التلاقي....