يخطىء من يعتقد ان " السجادة الرئاسية" سحبت من تحت الادارة الفرنسية عموما، والفريق اللصيق للرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون "برئاسة السفير" باتريك دوريل"، ذلك انه على رغم " النكسات" التي اصابت الحراك الفرنسي في ما خص الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وعلى رغم انشغالات الرئيس "ماكرون "الداخلية بسبب قانون رفع سن التقاعد، فان الملف اللبناني لا يزال له مكانته العالية في قصر الاليزيه، وزيارات القيادات اللبنانية تتوالى الى مكتب" دوريل "الذي يوصف بــ" المستمع الجيد" و" الصبر الطويل"، وكان آخر هذه القيادات يوم الثلاثاء الماضي، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي حرص على القول بعد لقائه المستشار الرئاسي الفرنسي، انه لم يتحدث معه بالاسماء، لكنه اوضح له انه لا يمكن " الخضوع" لشروط حزب الله " لانه اذا خضعنا له فهذا يعني ان اي رئيس رح ينطر عند ابواب الضاحية لنيل البركة". واكد الجميل انه لمس خلال لقائه ان الفرنسيين " ليسوا مستعدين لفعل شيء ضد مصلحة لبنان وعلينا التفكير بافكار اخرى والقصة ليست قصة اسماء بل ماذا نريد من الرئاسة". وشدد الجميل على عدم امكانية انتخاب مرشح طرف ويطرح في الوقت نفسه توحيد اللبنانيين. وردا على سؤال عما اذا كان قائد الجيش العماد جوزف عون او الوزير السابق جهاد ازعور تنطبق عليهما المواصفات التي يتكلم عنها، قــــال : " هناك عدد من الاسماء المطروحة لديها جميع المؤهلات وعليها ان تطل علنا عبر الاعلام وتطرح مشروعها وتلتزم به امام اللبنانيين". وكشف رئيس الكتائب انه يعود الى بيروت بذهنية توحيد الجهود والمواجهة والمعارضة حفاظا على سيادة لبنان واستقلاله. وعندما سئل عما اذا كانت القيادات المسيحية ستبقى على رأي واحد في قضية رفض دعم رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية، قال ان موقف حزب الكتائب معروف وهو باق عليه، " واي مرشح يتبنى سياسة حزب الله نحن نرفضه وهذه قضية خيارات كبرى نختلف مع فرنجية عليها".
لم يتوسع النائب جميل كثيرا في سرد ما حصل بينه وبين" دوريل"، الا ان المعلومات التي توافرت من العاصمة الفرنسية اشارت الى ان الجانب الفرنسي استمع بــ " اصغاء" الى رئيس الكتائب يعرض وجهة نظره ورؤيته ومقاربته للملف الرئاسي، واسهب في الحديث عن " سلبية" دور حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية واستحالة دعم اي مرشح يدعمه " الحزب"، لافتا في هذا السياق الى الصعوبات التي تجعل من غير الوارد لدى احزاب المعارضة السير بزعيم " المردة" مع علمه بان الفرنسيين لا زالوا يسعون لتذليل العقبات من امام فرنجية وان كانت هذه الصعوبات من النوع الذي لا يذلل بسهولة. ووفق المعلومات فان التوجه الفرنسي لا يزال حول ضرورة الاتفاق على الرئيس العتيد، ورئيس الوزراء الذي سيتولى رئاسة اول حكومة في العهد الرئاسي الجديد، وثمة من تحدث عن ان اسم الرئيس تمام سلام حلّ مكان اسم السفير نواف سلام، بعدما وجد الفرنسيون ان خيار السفير سلام تراجع نسبيا وان كان لم يسقط كليا بعد. وتضيف المعلومات ان الجميل تناول ايضا " الدور الايراني" في لبنان، لكن الفرنسيين اشاروا الى انهم لم يشعروا خلال اتصالاتهم بالايرانيين بوجود تدخلات ايرانية في الملف الرئاسي، لان طهران سلمت هذا الاستحقاق الى حزب الله وهي تقول لكل من يفاتحها بالموضوع: راجعوا السيد حسن نصر الله. لكن ما لمسه الجميل ايضا ان الجانب الفرنسي يريد الوصول الى نتيجة قبل الاجتماع المقبل للدول الخمس التي تبحث في الملف الرئاسي وهي الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية وقطر، وان كل تسويق عن احتمال انضمام ايران الى اللقاء الخماسي لا يأتلف مع الواقع، وموعد الاجتماع الخماسي المقبل لم يحدد بعد ولن ينعقد قبل ان تتبلور المعطيات المتعلقة بالملف الرئاسي.
" التسوية" الفرنسية" بعبدا، السراي ، مصرف لبنان
في اي حال، لم يكن النائب الجميل القيادي اللبناني الوحيد الذي كان صلة مع الجانب الفرنسي، ذلك ان السفيرة الفرنسية في بيروت" آن غرييو" تنتقل من لقاء الى آخر حاملة معها اسئلة تبحث عن اجوبة عليها، وتشرح بدورها وجهة نظر بلادها، وهي اكثرت في الآونة الاخيرة من لقاءاتها مع الرئيس نبيه بري ومع رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي قد يدعى هو ايضا في مرحلة لاحقة الى باريس للتشاور وان كان الموعد لم يحدد رسميا بعد. وفي الوقت الذي تكثف المعارضة الايحاء بانها لا تزال على موقفها من فرنجية، تبدي مصادر ديبلوماسية معنية في بيروت "ارتياحها" لحصيلة التحرك الفرنسي الذي تعتبر انه حقق " بعض الليونة" في المواقف تجاه فرنجية، في وقت تقول المعارضة العكس، لكن تؤكد المصادر الديبلوماسية ان باريس تراهن على تحقيق المزيد من المرونة الخارجية على امل ان يتحقق اي خرق في المشهد الداخلي المعارض لفرنجية في الوسط المسيحي والذي يتظهر بسلبياته يوما بعد يوم، وهذا الشعور بــ " الارتياح" لدى الفرنسيين يعود احد اسبابه الى " المناخ الايجابي" الذي ساد زيارة" دوريل" الى السعودية والتي تلاها " تزخيم" التحرك الفرنسي في اتجاه الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وفي هذا السياق، تذكر مصادر متابعة ان باريس من خلال دعمها لفرنجية تعتقد انه افضل الممكن في الوقت الراهن وانه قادر على التواصل مع حزب الله لدفعه الى تقديم " تنازلات" سياسية وعسكرية واصلاحية، ذلك ان باريس لا تسقط من بنود " التسوية" التي تسعى اليها، اضافة الى اختيار اسم رئيس الحكومة، الاتفاق على اسم الحاكم الجديد لمصرف لبنان الذي سوف يخلف الحاكم رياض سلامة في 3 تموز ( يوليو) المقبل، اضافة الى السير بالإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان، فضلا عن الحصول على " ضمانات" من انه لن يصار الى الاطاحة بالحكومة من قبل فريق المؤيد راهنا لفرنجية الذي يبدو انه الوحيد القادر على المحافظة على دور رئيس الحكومة وصلاحياته من دون ان تتكرر المسائل التي كانت تحصل مع الرئيس سعد الحريري، ومن بعده مع الرئيس نجيب ميقاتي. اما مع سوريا، فان فرنجية، حسب المصادر المطلعة، قادر من دون غيره على الحصول من صديقه الرئيس بشار الاسد ما لن يكون من السهل لاحد غير فرنجية الحصول عليه خصوصا ان الملف الابرز الذي يواجه لبنان حاليا، ملف النازحين السوريين وعودتهم الى بلادهم.
يروي سفير اوروبي متابع ان الفرنسيين سألوا من ابلغهم معارضته لفرنجية، هل لديكم اسماء اخرى تجد قبولا عند جميع القيادات اللبنانية، وفي حال وجودها اعطونا اياها، لكن الاجابات على هذا السؤال لم تقنع الفرنسيين بعد، لذلك لا يزال فرنجية متصدرا في الاستحقاق الرئاسي من دون ان يكون واثقا من وصوله الى بعبدا!.