بقلم علي الحسيني
بين حماوة الحِراك الخارجي المُتعلّق بالإنتخابات الرئاسية في لبنان والذي تقوده دولة قطر بموافقة أميركية ـ فرنسية ـ سعودية، وبين الإستهتار والإستلشاء السياسي الداخلي، تبدو أن التوافق حول شخصيّة مُحددة أصبح في غاية التعقيد ، وهذا ما تكشفه الجلسات الحكومية التي تُعقد في ظل خلاف سياسي باطنه طائفي معقود على الصلاحيّات وحقوق الطوائف. واللافت أنه جتّى بين الحلفاء أنفسهم، فهناك من يُبرّر إنعقاد هكذا جلسات لأسباب تتعلّق باحتياجات الشعب لا سيّما المرضى، وهناك من يعتبرها تآمر وربّما "طعنات" في الظهر، كونها تُعقد من خارج الإتفاقات "الثنائية" المُتفق عليها داخل الغُرف المُغلقة.
بين إيران وقطر.. اختلاف لا خلاف حول لبنان!
يبدو أن دولة قطر تتحرّك في الملف الرئاسي اللبناني، وفقاً للهامش المسموح لها والمُكلّفة به من الأميركيين والفرنسيين والسعوديين، لكن في الوقت نفسه، تحرص قطر على عدم اهتزاز علاقاتها بإيران رغم صعوبة هذا الأمر باعتبار أن توجّه الأخيرة بالنسبة إلى الملف وتحديداً لجهة دعمها خيارات "حزب الله"، تختلف بنسبة كبيرة مع توجهات الدول الثلاث التي تدعم وصول قائد الجيش جوزف عون، بينما يواصل "الحزب" مع حلفائه، معركة إيصال رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية خلفاً للرئيس السابق ميشال عون.
في هذا السياق، تعتبر مصادر سياسية بارزة، أن دولة قطر تبحث عن نقاط مُشتركة تنطلق على أساسها في عملية التفاوض بين اللبنانيين من أجل الوصول إلى نهاية سعيدة، تنال رضى الجميع على الصعيدين الخارجي والداخلي، علماً أن هذا الأمر لن يكون من السهل تطبيقه خصوصاً مع امتلاك عدداً من السياسيين اللبنانيين، حنكة كبيرة في ملفات التفاوض حول الملف الرئاسي.
وتقول المصادر نفسها: المؤكد أن هناك مشاورات مُستمرّة تجري بين وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والقطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تتعلّق بملف الإنتخابات الرئاسية في لبنان، وقد أبلغت إيران دولة قطر بعدم ممانعتها لوصول قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية في حال لم تكن الظروف مؤاتية لانتخاب الوزير سليمان فرنجية أو أي شخصيّة أخرى توافقية ، لكن الأمر في نهاية المطاف معقود على اللبنانيين أنفسه. وهذا الكلام يعني بأن إيران طلبت من قطر التواصل مع "حزب الله" الذي يمتلك وحده الحق في تحديد خياراته بشأن الملف الرئاسي.
الأمن في لبنان.. إهتمام متعدد الأوجه
وبحسب المصادر فقد أوصل "حزب الله" مجموعة رسائل للقطريين مفادها أن مسألة تشكيل الحكومة وتعيين وظائف الدرجة الأولى تُعتبر بالنسبة إليه حُزمة واحدة وأن أي خرق لأي إتفاق سيُعقد الأمور كثيراً وسيؤدي إلى إعادة النظر من قبله بكل الملف السياسي اللبناني. وعلمت المصادر أنه بعد أن تاخذ قطر مُباركة الدول الخارجية المعنية بملف الرئاسة في لبنان على النتائج شبه النهائية، ستكون هناك خطوات أخرى تتعلّق بلقاءات بين مسؤولين قطريين وسياسيين لبنانيين ورؤساء أحزاب ونوّاب لوضع الآلية النهائية لملف الإنتخابات.
وفي ظلّ الصعوبات التي يواجهها الملف الرئاسي، ظلّ الوضع الأمني الهاجس الأكبر للدول الخارجية المعنيّة بالملف اللبناني بحيث تقوم كل من أميركا وفرنسا والسعودية، بالتركيز على الوضع الإجتماعي لمعرفتها بمدى خطورته إلى جانب العمل السياسي والأمني لهذه الدول في لبنان، وأشارت المصادر إلى أن الدول المذكورة تلقّت مجموعة تقارير خلال الأيّام السابقة مع مسؤولين أمنيين لبنانيين حاليين وسابقين تؤكد ارتفاع منسوب التخوّف الأمني جرّاء تراجع الوضع الإجتماعي وغياب بوادر الحل السياسية وتزايد الخلافات بين السياسيين.
وفي السياق نفسه، تكشف مصادر أمنية أن "حزب الله" يقوم منذ فترة بحملة أمنيّة شاملة في كافّة مناطقه الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية مُخصّصة للكشف عن شبكات وأفراد متعاملة مع "الموساد" الإسرائيلي ، وقد أسفرت الحملة عن توقيف عشرات الأشخاص في الجنوب والبقاع بينهم لبنانيين وسوريين يخضعون للتحقيقات، وتُشير المصادر إلى أن "حزب الله "لمس وجود تطوّر في العمل الإستخباراتي الإسرائيلي لجهة متابعة عمل الشبكات التي لا يتعدّى أفرادها الشخصين كحدّ أقصى مع إبقاء هويّة المُشغّل الأساس لكل شبكة في خانة المجهول.
خيارات "حزب الله" و"الوطني الحر"
وبالعودة إلى خيارات "حزب الله" وحليفه "التيّار الوطني الحر"، تلفت صمادر مُتابعة لملف العلاقة بين الطرفين، إلى أن وزراء ونوّاب "حزب الله" يردون على دعوات السياسيين في "التيّار الوطني الحر" لإعادة النظر في إتفاق "مار مخايل" الموقّع بين الطرفين، بأن الوقت الحالي لا يسمح بهكذا لقاءات وأن التركيز مُنصّب في هذه المرحلة على المعركة السياسية، وبحسب المصادر فإن قيادة "الحزب" دعت جميع السياسيين والمسؤولين في "حزب الله" عدم التطرّق إلى أي نقاشات تتعلق بؤتمر "مخار مخايل" أو بالعلاقة مع "الوطني الحر" وأن المطلوب إبقاء العلاقة مع النائب باسيل في موضعها الإيجابي لكن عدم منحها الإهتمام الزائد وحصر التنسيق بالوضع السياسي العام في لبنان.
من جهة أخرى، توضح المصادر أن النائب باسيل يواصل مُعارضته لأي مُرشّح لرئاسة الجمهورية لا يتوافق مع خيارات تيّاره مهما زاد حجم الضغوطات عليه لا سيّما من "الحزب"، وقد تم التشديد خلال أحد الإجتماعات مع أركان تيّاره على إستحالة نجاح أي مرشح رئاسي لـ"حزب الله" من دون أصوات "التيار الوطني الحر". وبحسب المصادر نفسها، إلى أنه في حال إصرار "الحزب" على ترشيح الوزير فرنجية أو القبول بتسوية لترشيح قائد الجيش جوزف عون أو دخول "الحزب" في تسوية في ملف الحكومة، فإن "التيّار الوطني الحر" سيخوض مواجهات سياسية من أجل إحراج "الحزب" وهي: المطالبة باستعادة حقوق المسيحيين ومُكافحة الفساد بأنواعه بما فيه ملف الحدود وأيضاً المطالبة بتنظيم مسألة السلاح خارج الدولة ضمن إستراتيجية دفاعية.