تفاعلت في الأسبوع الماضي قضية عدم تصويت لبنان على مشروع قانون في الأمم المتحدة حول المعتقلين والمخفيين في سوريا ، وكانت محل ادانة من أحزاب وقوى وجمعيات لبنانية ، إذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس ما قبل الماضي، عن إنشاء مؤسسة مستقلة لجلاء مصير آلاف المفقودين سوريا على مدى 12 عاماً، وهو طلب متكرر لأهاليهم والمدافعين عن حقوق الإنسان،في وقت يقدّر عدد المفقودين بنحو 100 ألف شخص في سوريا منذ عام 2011.
وقد قدّمت بعثة اللوكسمبورغ ومعها البعثات الدائمة لألبانيا وبلجيكا وكابو فيردي وكوستاريكا والجمهورية الدومينيكية ومقدونيا الشمالية، مسودة القرار، جاء فيه: "انه لا يصوب أصابع الاتهام بوجه اي جهة، ويدعو جميع اطراف النزاع في سوريا للتعاون مع الآلية. ويؤكد على الالتزام القوي بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي الجمھورية العربية السورية".
وتبنت الجمعية العامة القرار بأغلبية 83 صوتاً مؤيداً، مقابل 11 معارضاً و62 ممتنعاً عن التصويت، وهو ينص على انه بعد 12 عاماً من النزاع والعنف في سوريا لم يحرز تقدم يذكر لتخفيف معاناة عائلات المفقودين . وقررت الدول الأعضاء أن تنشئ مؤسسة مستقلة معنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، لبيان مصيرهم وأماكنهم. ولا يحدد النص آليات عمل هذه المؤسسة، التي سيتعيّن على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير إطارها المرجعي في غضون 80 يوماً بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان. ويشير إلى أنّه سيتعين عليها أن تضمن المشاركة والتمثيل الكاملين للضحايا والناجين وأسر المفقودين ، وأن تسترشد بنهج يركز على الضحايا، كما تدعو الجمعية العامة الدول وكل أطراف النزاع في سوريا إلى التعاون الكامل مع المؤسسة الجديدة.
والملفت ان لبنان امتنع ولم يصوت لصالح القرار ما جعل بعض القوى والأحزاب والجمعيات والشخصيات تندد بما جرى ، حيث حمّلت" جمعية المعتقلين والمخفيين قسراً في السجون السورية "رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والمجلس مجتمعاً بمن فيهم هذا اللاوطني وزير الخارجية عبد الله بو حبيب كامل المسؤولية جراء اعلانه امتناع لبنان الرسمي عن التصويت لصالح المعتقلين والمخفيين قسراً من اللبنانيين والسوريين في السجون السورية"، وقالت في بيان : " ندين هذا الموقف الشنيع بحق رفاقنا الـ622 المعتقلين قسراً في سجون سوريا وسنبقى مع من يساعدنا ويساندنا الدرع المنيع في وجه هذه الحكومة الفاسدة حتى تحرير رفاقنا الأحياء واستلام رفات من توفوا منهم، وإنّنا في المناسبة وتبعاً للموقف الأرعن واللامسؤول لوزير تبرّأ من مسؤولياته ودوره وصلاحياته وحسه الوطني، فإنّنا ندعوه للاستقالة فوراً من منصبه والاعتذار أولاً من ذوي المعتقلين والمخفيين قسراً في سجون الأسد وثانياً من كافة اللبنانيين لما يعانون من تنصيب أزلام بعض السياسيين الذين تبوأوا مناصبهم على غفلة من هذا الزمن الرديء".
ورحبت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان بالقرار ،وحيت الدول الـ 83 التي صوتت معه وشجبت الدول الممتنعة والرافضة، وقالت في بيان"اننا نسجل تهنئتنا للإخوة السوريين/ات، أفرادا وجمعيات، الناشطين/ات منذ سنوات، من أجل كشف مصير جميع ضحايا الاعتقال والإخفاء القسري، بهذا الإنجاز الكبير الذي استطاعوا تحقيقه في أقسى الظروف وأخطرها. بالمقابل، نسجل استنكارنا الشديد للموقف الرسمي اللبناني بالامتناع عن التصويت. إنه موقف معيب بحق عشرات الآلاف من الضحايا السوريين ومن بينهم لبنانيون وغيرهم".
واستنكرت اللجنة توظيف هذا الملف الإنساني، المفترض أن يكون فوق كل اعتبار، في البازارات السياسية المفتوحة في الداخل والخارج. وليت وزير الخارجية لم يبادر إلى تبرير فعلته معتدا بأنه فعلها بالتنسيق مع رئيس الحكومة مضيفا أن قضية المفقودين مطروحة منذ زمن ولم تحل، واعدا بإعادة السعي لاحقا لحلها".
واضافت: "لا يسعنا هنا إلا التأكيد أن قضية المفقودين في سوريا هي قضية إنسانية يجب حلها دون تلكؤ.. الأمر الذي لا يبرر امتناع لبنان عن التصويت مع القرار. أما إذا قصد وزير الخارجية قضية المفقودين في لبنان فلا بد من تذكيره بأن القانون 105/2018 أوشك على ختم سنواته الخمس وما يزال حبرا على ورق بسبب تنصل الحكومة من واجباتها البديهية لجهة حرمان الهيئة الوطنية، المعنية بموجب هذا القانون الكشف عن مصير أحبتنا المفقودين والمخفيين قسرا، من مقومات الحد الأدنى كي تستطيع القيام بمهمتها الإنسانية، ومجرد تأمين هذه المقومات يبدأ الحل الذي ننتظره منذ عقود طويلة".
كما أعلنت الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا، في بيان ، أنها" ترحب بالقرار كما ترحب بكل قرار مشابه يتعلق بكشف مصير المفقودين والمخفيين قسرا في أي بلد في العالم، انطلاقا من التزامها بهذه القضية، وبالعمل على تحقيق العدالة لضحايا الاخفاء القسري في لبنان وفي أي مكان آخر"، لافتة إلى أنّ "حق أهالي المفقودين في معرفة مصير أبنائهم هو حق طبيعي كرسه القانون 105/2018، الذي كرس أيضا واجب ومسؤولية الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا في لبنان في التعاون والتنسيق مع كافة الجهات الوطنية والاممية في مسيرة كشف الحقيقة والبحث عن المفقودين والمخفيين قسرا، تأكيدا على استقلاليتها عن أي سلطة أخرى، وعن موقف الحكومة من التصويت على القرار الاممي"، داعية الحكومة الى "اتخاذ موقف عملي يعبر عن ارادتها في إيصال ملف المفقودين والمخفيين قسرا في لبنان الى خواتيمه المنطقية. ويكون ذلك من خلال إشراك الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا، ولو من خلال التشاور على الأقل، في أي موقف يتعلق بهذه القضية".
وذكرت أنّ "الموقف الرسمي اللبناني يشكل تراجعا مؤسفا وغير مبرر في المقاربة الرسمية لهذه القضية الانسانية التي هي بغاية السمو والرفعة، ونقصد قضية المفقودين والمخفيين قسرا في لبنان، والتي يجب عدم زجها في أية حسابات سياسية سواء على المستوى الوطني او الدولي، وعليه ندعو الحكومة اللبنانية الى ان تتخذ إزاء هذه المبادرة الاممية موقفا أكثر انسجاما مع حقوق الشعب اللبناني، وخاصة أهالي المفقودين والمخفيين في السجون السورية. كما ندعوها الى القيام بواجابتها كاملة لجهة تمكين الهيئة من القيام بدورها على النحو الذي يرضي أهالي المفقودين والمخفيين قسرا، والشعب اللبناني، ويرضي الهيئة نفسها في تحقيق تقدم ملموس في حل هذه القضية".
واعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أنه "أمر مخزي جداً أن تمتنع الحكومة اللبنانية عن التصويت" ،وقال انه "من غير المفهوم، الدافع الذي منع السلطة اللبنانية من تأييد هكذا قرار، وهو الذي يشمل العمل على كشف مصير سيادة المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي والصحافي اللبناني سمير كسّاب".
ولفت جعجع الى أن "قرار الأمم المتحدة، ليس موجّهاً ضد أيّ جهة ولا يُحمّل مسؤوليّة الخطف أو الإخفاء لأيّ جهّة بعينها، بل ينطلق بسياق مستقلّ بحثاً عن مصير كلّ المفقودين، وبالتالي ومن الناحية السياسية يُعدّ توجّه الحكومة غير مقبول البتّة"، مشيراً الى أن "الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب غير متّزن وغير مقبول بأيّ شكل من الأشكال"، سائلاً "هل يوافقه عليه الفريق السياسي الذي يُمثّله أيّ التيار الوطني الحر؟".
في المقابل قال الوزير بو حبيب: "أشعر مع كل أهالي المفقودين، ولبنان دائما يتقيد بقرارات الامم المتحدة، لافتاً الى أننا "مستعدون للتعاون مع الآلية التي سيقرها بيان الامم المتحدة، والامور بحاجة الى هدوء والمصلحة اللبنانية شاملة".
ورأى بو حبيب أن "وجود 2 مليون لاجئ سوري يهدد لبنان وقضية المفقودين سيتم بحثها في المستقبل مع سوريا"، مضيفاً "لا نريد لأن نكسر الجرة مع أحد، ولو صوتنا أو لم نصوت لن تتغير النتيجة".
واصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً قالت فيه : "بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أوعزت وزارة الخارجية والمغتربين لمندوبية لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك بالامتناع عن التصويت على مشروع القرار حول المفقودين في سوريا الذي طرح على الجمعية العامة للامم المتحدة، تماشيا" مع شبه الاجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبة منه بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بإمتياز، وإنسجاما" مع سياسة عدم الإنجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل ولا يحل قضية المفقودين اللبنانيين التي تشكل جرحا" نازفا" وألما" مستداما" لأهاليهم".
وأضافت:" يتمسك لبنان بحل هذه القضية وقضية النازحين السوريين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسوريا، والأطراف العربية والدولية المعنية، علما" أن تصويت لبنان مع القرار، في حال كان قد حصل، سيُقَوض عمل اللجنة الوزارية العربية المشارك فيها لبنان والساعية لحل المشاكل مع سوريا" ، مجددة " احترام لبنان وتمسكه بتطبيق كافة القرارات الشرعية الدولية المُطبق منها والقرارات العديدة التي لم تُطبق أيضا"، لأنها جميعها تُشكل مظلة حماية للسلم والأمن الاقليميين والدوليين".