تجمع " مراصد" الاستحقاق الرئاسي على متابعة موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من الانتخابات الرئاسية في ضوء تصويت نواب " اللقاء الديموقراطي" للمرشح النائب ميشال معوض في كل جلسة انتخابية يلتئم فيها شمل النواب في ما اصبح يشبه المسرحيات الاسبوعية التي تتوالى على المسارح اللبنانية. وعلى عكس ما كان يوصف جنبلاط انه ونوابه " بيضة القبان" في اي استحقاق انتخابي، يبدو ان ثمة من اوحى بتراجع في قدرة ترميم زعيم المختارة على ان يكون بيضة القيان التي انتقلت الى النواب " التغييريين" الذين اوحوا خلال الاشهر الاولى من ممارستهم النيابية، بانهم قادرين على لعب دور " المؤثر" في التوازنات بين الكتل النيابية وذلك قبل ان تعمم الخلافات في ما بينهم وتظهر مدى هشاشة قدرتهم على ان يكونوا فعلا هم " بيضة القبان". وتبعا لذلك اكتسب جنبلاط من جديد القدرة على لعب الدور المؤثر في الحركة السياسية لاسيما في مرحلة الاستحقاقات وهو من خلال ثبات نوابه على التصويت للنائب معوض، يريد ان يقول لمن يهمه الامر بانه اصوات نواب " اللقاء الديموقراطي" قادرة على احداث تغيير اساسي، سواء كان هذا التغيير لمصلحة هذا الطرف او ذاك، لكن الاوساط المتابعة تتوقف عند العلاقة التي تجمع جنبلاط بــ " القوات اللبنانية" والتي صمدت حتى الان في ما خص خيار معوض لرئاسة الجمهورية وان كان جنبلاط يختلف مع " القوات" على بعض المسارات السياسية الداخلية. ولا تخفي هذه الاوساط من وجوب حذر لدى بعض قوى المعارضة من قيام جنبلاط بحركة ارتدادية، لكن لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حسابات كثيرة تتعلق بمستقبل التسوية التي سيتم التوصل اليها في نهاية المطاف، اي عندما ياخذ الفراغ حده الاقصى بحيث يصبح في الامكان القيام بما يسمى " التسوية" والتي يرجح الكثيرون ان يكون عنوانها الاتفاق على قائد الجيش العماد جوزف عون رئيسا، وعلى رئيس حكومة يطمئن السعوديين ولا يزعج الاخرين. وهنا يبقى اسم الرئيس نجيب ميقاتي في مقدمة الاسماء التي تحظى ايضا باهتمام ودعم دوليين وامكانية تواصل معه اكثر من غيره من الاسماء المطروحة لرئاسة الحكومة.
وترى مصادر تتابع حركة جنبلاط الرئاسية، ان " ابو تيمور" ليس في وارد، في الوقت الحاضر، اعتماد المواجهة مع اي طرف وهو سيواصل " العزف" على وتر خلاصته ضرورة الوصول الى تفاهم من خلال الحوار مع حزب الله، وقد غاب على رئيس " القوات اللبنانية" سمير جعجع رفضه لمثل هذا الحوار مع مكون اساسي من المكونات اللبنانية وله الكلمة الوازنة في كل الاستحقاقات الوطنية، بصرف النظر عن مواقف قيادات المعارضة الذين يعلنون صراحة مواجهتهم لحزب الله، ويطرحون النائب معوض كمرشح " مواجهة" لمحور الممانعة بكل رموزه،، الا ان ما يرسم اطار تحرك جنبلاط في النهاية هو سعيه للمحافظة على خصوصية الجبل الذي لا اولوية عنده غيره ما بات يشكل هاجسا لدى الزعيم الاشتراكي في كل حواراته مع حزب الله والقيادة السنية والقوى المسيحية التي انضمت الى مصالحة الجبل او بقيت خارجة عنها في حينه. والكلام عن خصوصية الجبل لا يرتبط بوقت او بمناسبة يلجأ اليها جنبلاط في الاوقات الحرجة، بل هو نابع عن معرفة بالارض خصوصا في ضوء التجاذبات السياسية وانعكاس الكلام السياسي الحاد وقائع غير مقبولة على الارض. لذلك يرى جنبلاط ان يقطع " شعرة معاوية" مع اي طرف فاعل في الجبل منعا لحصول اي توترات في زمن صعب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يمكن استغلاله. وبالتزامن يستمر الحوار بينه وبين حزب الله للاعتبارات نفسها اي المحافظة على الاستقرار في الجبل، خصوصا انه يتكل اذا ما تعثر هذا الحوار على " صديقه" الرئيس نبيه بري الذي يشكل الاتفاق معه مقدسا خصوصا في فترة الاستحقاقات الدستورية الاساسية ومنها الاستحقاق الرئاسي. وفي هذا الاطار يقول مطلعون على العلاقة بين بري وجنبلاط انه في النهاية لن يكون الزعيم الدرزي في موقع مناقض لموقع بري وخياراته اذ انهما في النتيجة من اركان " المنظومة" التي قادت البلاد منذ فترة ما بعد اتفاق الطائف ومرت عليهما احداث عدة جعلتهما لصيقين اكثر فاكثر وهما يدركان اكثر من غيرهما، كل تفاصيل الداخل وتعقيداته. ومما لا شك فيه، في ما خص الاستحقاق الرئاسي، ان بري وجنبلاط توافقا حاليا على العمل للحؤول دون تكرار تجربة الرئيس ميشال عون والسعي بالتالي الى تعبيد الطريق امام وصول مرشح لا يحب الصدامات والمفاجآت او افتعال ازمات، بل يحمي معادلة التوافق او " التسوية" التي تشكل الضمانة الاساسية للاستقرار وهي حققت لكل من بري وجنبلاط في الماضي مواقع اساسية خلال السنوات الماضية بحيث انهما لعبا دورا توعيا في الحياة السياسية اللبنانية.
" ثنائي التسوية الرئاسية"
وتشير المصادر الى ان هناك ما يتجاوز بين الرجلين حدود العلاقة السياسية، من خلال الصداقة الشخصية التي جمعتهما على مدى عقود من الزمن، وثمة الكثير مما يحكى في هذا المجال عن تطور هذه الصداقة وثباتها رغم كل ما شهدته البلاد من خلافات في السياسة وتبدل التحالفات والمراحل. وكثيرا ما كان بري وجنبلاط يختلفان وبما ينفي كل ما قيل ويقال عن ثنائية تشكلت من قبلهما، الا ان عامل الثقة بينهما كان على الدوام البوصلة التي تدير علاقتهما مرارا وتكرارا وتعكس قناعة كل منهما بان الاخر متمسك بالثوابت والاسس التي لا يمكن للبنان البقاء والاستمرار الا على اساسها وفي مقدمتها التوافق والتسوية والابتعاد عن كل شكل من اشكال الالغائية.
من هنا فان امكانية التحالف بين الرجلين في الاستحقاق الرئاسي تبقى هي الاقوى والاكثر واقعية،، وبالتالي فانهما سوف يشكلان معا جسر عبور لاي " تسوية" او تفاهمات للخروج من مرحلة الشغور الرئاسي الى مرحلة جديدة برئيس متفق عليه يفتح نافذة امل للخروج من الظروف الاستثنائية والمرة التي تعيشها البلاد، وبذلك يكون بري وجنبلاط ليسا " ثنائي المنظومة" بل " ثنائي التسوية"!.