بقلم علي الحسيني
تصاعدت التهديدات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية ضد "حزب الله" ، وتركّزت التصريحات غير الحكوميّة حول إحتمال نشوب حرب عند الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية والتي كان زكّاها المسؤول الأميركي الأسبق" ديفيد شينكر" بكلام من عيّار "بأن فرص نشوب حرب بين "حزب الله" وإسرائيل ما تزال قائمة، رغم التقدم الجاري في اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل."، من هنا تكشف مصادر سياسية بارزة أن "التهويل" الحاصل لجهة التلويح بالحرب والإستعداد لها من أي طرف كان، ما هو سوى فرصة أخيرة لتحسين الشروط في الربع الساعة الأخير، قبل التوقيع على إتفاقية الترسيم.
ترسيم ورسائل حامية
المؤكد أن ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يسير على نار متوسّطة الحرارة، علماً بأن جميع الإشارات تدل على أن الملف يسلك الطريق المرسوم له أميركياً ولبنانياً، لكن مع بعض التناقضات الإسرائيلية التي تتسبّب بها المُعارضة والتي يُمثل رئيس الوزراء السابق "بنيامين نتنياهو"، رأس حربتها مما يوحي بأن "حزب الله" هو الأكثر ارتياحاً حتّى الساعة باعتباره طرفاً أساسياً، في أي تسوية قد تحصل في هذا الملف.
والأبرز أن "الحزب" يعتبر نفسه مُنتصراً باعتباره هو من يُدير هذه العملية في الخفاء، إذ أن الجميع يعلم بأن لا رئيس الجمهورية ميشال عون ولا الحكومة نجيب ميقاتي قادران على اتخاذ أي قرار بهذا الشأن، ما لم تكن هناك موافقة مُسبقة من "الحزب" الذي يبني إنتصاره هذا على قدرته بنقل الخلافات إلى الداخل الإسرائيلي وهو ما نراه اليوم على خطّ المناوشات الحاصلة بين الحكومة الإسرائيلية واليمين المُتطرّف بقيادة"نتنياهو"، وهذا ما أكدته "القناة 12" الإسرائيلية، بأن إحتمالية التصعيد في الشمال الإسرائيلي زادت بسبب الخلافات في المفاوضات، موضحةً أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والعسكرية "الكابينت" قد أوعز لوزير الدفاع "بيني غانتس" بإدارة الصراع مع لبنان أو "حزب الله" على خلفية الخلافات الأخيرة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي بشأن ترسيم الحدود.
البحث عن الهيبة الإسرائيلية
تُشير مصادر عسكرية إلى أن إسرائيل تحرص دائماً على أن تكون الجهة التي تُحدد توقيت المواجهات العسكرية المُترتبة عليها، أبرزها تلك المُتعلقة بمواجهة "حزب الله" ومن دون السماح لأي جهة باستدراجها إلى "حلبة" الصراع العسكري خصوصاً في توقيت لا تُريده أو ترتاح له، وذلك بهدف أن تضمن نتائج المواجهة وقطف ثمارها على النحو الذي تُخطّط له. لذلك فإن الوضع الإسرائيلي الداخلي، لا يسمح في هذه المرحلة بحدوث مواجهات عسكرية هم في غنى عنه خصوصاً مع ما يُمثله "حزب الله" من تهديد بالنسبة إلى أمنها، وربما أيضاً بالنسبة إلى وجودها ذاته، وهي تتصرف دائماً على أساس أن المواجهة مع هذا الحزب حتمية ولا يمكن تجنّبها، فهي قادمة لا محالة آجلاً أو عاجلاً.
وتُضيف المصادر: من المعروف أن إسرائيل كانت قد أعلنت منذ شهور عزمها على الشروع في استخراج الغاز من حقل كاريش، وحدّدت الأول من الجاري موعداً لهذا الاستخراج، غير أن الولايات المتحدة، ولقطع الطريق أمام احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مسلحة بين إسرائيل و"حزب الله"، سارعت إلى إرسال موفدها" آموس هوكشتاين" لبدء جولة جديدة من الوساطة بين الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية، أملاً في التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. ويتردد في بعض الأوساط الرسمية والإعلامية أن جولة "هوكشتاين" الأخيرة أحرزت تقدماً ملموساً يوحي بأن الاتفاق بات في متناول اليد وأصبح وشيكاً.
وتُتابع: ولأن الحديث عن هذا التقدم تزامن مع إعلان الحكومة الإسرائيلية تأجيل عملية استخراج الغاز من حقل كاريش إلى الشهر الجاري يرى كثيرون في هذا التصرف مؤشراً على ما أصاب الحكومة الإسرائيلية من تخبط عقب تهديدات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد نصر الله، وتعبيراً عن التراجع أمام تلك التهديدات.
إحتمالات الحرب في الداخل الإسرائيلي
منذ أيّام قليلة، كشفت صحيفة "هآرتس"، عن وجود تقديرات داخل إسرائيل تفيد بأن إحتمالات الحرب أمام "حزب الله" منخفضة، خاصة مع عدم التوصل لإتفاق مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، حتى الآن، موضحةً أنه رغم وجود هذه التقديرات داخل البلاد، فإن الجيش الإسرائيلي يجري إستعدادته لأي سيناريو محتمل، خاصة سيناريو تأجيل توقيع إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
ولفتت إلى أن هذه التقديرات قد خرجت من إجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون الأمنية والعسكرية "الكابينيت" يوم الخميس الماضي، حيث ناقش آخر تطورات ملف الاتفاق مع لبنان، عبر " هوكشتاين"، مؤكدةً أن التقديرات الإسرائيلية تعني أن نصرالله، لا يُريد الحرب أمام إسرائيل، أو لا يهدف إلى الحرب أمام الجيش الإسرائيلي، خاصة وأنه ما تزال هناك فرصة لإتمام الإتفاق بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الخلاف الذي يعطل التوقيع على مسودة اتفاق ترسيم الحدود المائية بين لبنان وإسرائيل يتمثل في نقطتين، الأولى تتلخص في رفض إسرائيل التحفظ اللبناني على ما يعرف بخط العوامات، وهي الحدود المائية التي حددتها إسرائيل من طرف واحد عند انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، أما نقطة الخلاف الثانية تتلخص في طلب لبنان استبدال مصطلح حسب (الوضع القائم) بمصطلح (بحكم الواقع) وذلك كي يتاح للبنان فتح الموضوع كقضية خلافية في المستقبل وليس أمرا منتهياً منه قانونيا.