في وقت يتأرجح فيه الحديث عن الاستحقاق الرئاسي صعودا حينا ونزولا احيانا، سوف تنشغل الاوساط السياسية اللبنانية، لاسيما في صفوف المعارضة، بالطعن في دستورية قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية سنة اضافية الذي اقره مجلس النواب في جلسته التشريعية الاخيرة التي حضرها 73 نائبا، فيما غاب 55 نائبا لاسباب مختلفة، لكن ابرزها ان المجلس لا يمكن ان ينعقد في جلسة تشريعية لانه في جلسات لانتخاب رئيس جديد للبلاد وهو جدل مستمر من دون طائل منذ بدء الشغور الرئاسي في 31 تشرين الاول( ا كتوبر) الماضي و لا يزال. وفيما تختلف الاراء حول امكانية قبول المجلس الدستوري بالطعن بقانون التمديد للبلديات، تعتقد مصادر متابعة ان نظرة المجلس الدستوري قد تتجاوز البعد القانوني الى البعد السياسي الذي كان سببا في الماضي في تعطيل قدرة المجلس على اصدار قراره في الطعن الذي كان قدم في قانون الانتخابات في شقي انتخاب المغتربين لستة اعضاء في المجلس النيابي يمثلون القارات الست، والميغاسنتر والبطاقة الانتخابية اذ تعذر على المجلس الدستوري يومها اصدار قرار حاسم في هذا الشأن، الامر الذي طرح يومها صدقية اعضاء المجلس الدستوري وقدرتهم على تجاوز المراجع السياسية التي عينتهم. والخشية من تكرار هذا الواقع تجعل من الصعب التكهن بما سيكون عليه القرار بالطعن، علما ان لدى المجلس مهلة زمنية محددة للبت بالطعن يمكن ان تمتد اشهرا قبل البت فيه.
نظريات قانونية متناقضة.....
المنادون بشرعية قانون التمديد ينطلقون من ان المجلس يمكنه ان يعقد جلسات تشريعية تحت عنوان " تشريع الضرورة" وهو ما حصل في فترات الشغور السابقة لان الجلسات تصبح انتخابية عندما يدعو رئيس مجلس النواب الى جلسات مخصصة لانتخاب الرئيس، ويمكنه خارج مثل هذه الدعوات ان يعقد جلسات تشريعية في غياب رئيس الجمهورية وفي ظل حكومة تصريف الاعمال. ويعطي هؤلاء ادلة مختلفة على صحة نظريتهم متكلين على السوابق التي سجلت خلال الاعوام الماضية. في المقابل يرى المعترضون ان موقفهم ينطلق من ان المجلس هو هيئة ناخبة وليس هيئة تشريعية من مرحلة الفراغ الرئاسي، وعليه فان الطعن لا بد ان يصل الى خواتيم سعيدة كما حصل في العام 1997 حين عمد المجلس الدستوري الى الطعن بقانون تأجيل الانتخابات في حينه. ويرى الوزير السابق ونقيب المحامين السابق رشيد درباس ان النقطة الاولى التي تصب في مصلحة الطعن، ترتكز على نظرية الهيئة الناخبة التي يتسلح بها المعترضون، في حين تشير النقطة الثانية الى ان تأجيل الاستحقاقات يمكن ان يحصل لدواع داهمة وغير متوقعة ولا يمكن تلافيها، وبالتالي في حالة إرجاء الانتخابات إذا حصلت، يكون السؤال: أين الحالة الحرجة التي أدت إلى التأجيل؟ خصوصاً أن التمويل متوفر والمجلس النيابي الذي بإمكانه أن يجتمع ليؤجل يمكن أن يجتمع ليقر الاعتمادات، كما أنه بمقدور الحكومة أن تلجأ إلى اعتمادات السحب الخاص . من هنا يلفت درباس إلى أنه بغض النظر عما يمكن أن يكون عليه حكم المجلس الدستوري، فإن هاتين النقطتين تشكلان سببين قويين قد يعرضان القانون للطعن. ويلتقي الخبير الدستوري والقانوني سعيد مالك مع الوزير السابق درباس بالقول بوجود علتين الأولى صدوره عن هيئة ناخبة وليست تشريعية، كون البرلمان الحالي هيئة ناخبة، وليس هيئة تشريعية، عملاً بالمادتين 74 و75 من الدستور، وبالتالي صدور قانون التمديد يكون قد حصل في جلسة غير قانونية، وكل جلسة يعقدها البرلمان في غير المواعيد المحددة لها، وعملاً بأحكام المادة 31 من الدستور هي باطلة، أي أن كل قانون يصدر نتيجة هذه الجلسة يُعتبر باطلاً.أما العلة الثانية، بحسب مالك، فهي أنه "بحال صدور هكذا قانون يكون قد ضرب مبدأ تداول السلطة الذي له قيمة دستورية، إضافة إلى مبدأ محدودية وكالة المواطن للمجالس البلدية، وتحديدها بمدة معينة، وبالتالي تمديد هذه المدة يُعتبر مخالفة دستورية قد تؤدي إلى الطعن بالتمديد".
ولان المواقف السياسية الرافضة تكرر الاعتبارات نفسها، ترد مصادر نيابية في حركة أمل على معارضي التمديد بالقول: "الطعن حق يمنحه القانون والدستور لأي طرف يعارض أو يرى التباساً ما في أي موضوع"، متحدثة عن مزايدات لدى بعض الأفرقاء، وكلنا نعلم أن الجميع لا يريد الانتخابات، وكل الأفرقاء يبعثون برسائل في هذا الإطار. وتشدد مصادر " امل" على ان التمديد "تقني" لاستحالة إجراء الانتخابات لأسباب مادية ولوجيستية، وتقول: "المجلس سيرمي الكرة في ملعب الحكومة التي لن تكون مقيدة بمدة السنة، بل إنه يحق لها أو لأي حكومة مقبلة إجراؤها في أي وقت تراه مناسباً خلال هذا العام، ولو بعد أسبوع من قرار التأجيل".
"العبارة- الفخ": مهلة اقصاها
وثمة من يرى من القانونيين والدستوريين ان ثمة ثغرة قانونية اضافية تكمن في عدم امكانية التشريع في ظل حكومة تصريف الاعمال استنادا لفقه المراجع الدستورية والتجارب الفرنسية، وهذه النقطة كانت تثار قبل 2015، الا ان الرئيس بري يصر على عكسها. ويعارض هؤلاء ان نظرية ان مجلس النواب في ظل الشغور يتحول هيئة ناخبة لا يحق لها التشريع اذ سبق للمجلس ان اقر بين العام 2014 و 2018 في ظل الشغور الرئاسي عددا من القوانين التي طعن بها امام المجلس الدستوري الذي لم يشر الى ان مجلس النواب هيئة ناخبة وليست تشريعية، ويقول الخبير القانوني المحامي بول مرقص ان "التمديد للبلديات والمخاتير باطل دستوريا لان لا ظروف قاهرة تحتمه ولا يعتبر عدم توفير التمويل مبررا لتأجيل استحقاق انتخابي ذي اجل معروف ومحدد، كما لا يعود للمجلس النيابي تسويق التقاعس عن اجراء الانتخابات وتبنيه باقتراح قانون- ويعتبر قانونيون آخرون ان الحكومة اكدت في بيانها الوزاري التزامها اجراء الانتخابات النيابية والبلدية واجرت فعلا الانتخابات النيابية، وبالتالي ليس هناك ظرف استثنائي يمنع اجراء الانتخابات البلدية بالمعنى الدستوري اذ ان الظروف الاستثنائية في الدستور تعني وقوع حالة غير متوقعة ولا يمكن للارادة البشرية ان تتحكم بها كالزلزال مثلا، في حين ان ما يمنع اجراء الانتخابات كاضراب الموظفين مثلا هو من الامور المتوقعة ولا يمكن للسلطة التذرع بامر انتجته بنفسها لتعتبر انه استثنائي وغير متوقع، فضلا عن ذلك فان تأجيل الانتخابات يعد خرقا متماديا للدستور لانه التمديد الثاني وتحديدا لمبدأ دورية الانتخابات وممارسة اللبنانيين لحقهم في الانتخاب والترشح وادارة شؤونهم الذاتية فيما لا يحق لمجلس النواب خرق مبدأ دورية الانتخابات الذي يتمتع بالقوة الدستورية وفقا لاجتهادات المجلس الدستوري، الا ان الملفت ما لاحظته مصادر نيابية معارضة للتمديد والتي ذكرت ان تضمين القانون الذي اقره مجلس النواب عبارة " مهلة اقصاها"، فيه مخالفة دستورية سبق للمجلس الدستوري ان اشار اليها في قراره رقم 2/97 في طلب ابطال القانون الرقم 655 للعام 1997 الذي كان قضى بالتمديد لولاية المجالس الاختيارية، وبالتالي فان هذا التشابه لجهة استعمال عبارة " مهلة اقصاها" قد يجعل المجلس الدستوري الحالي يتخذ قرارات بالابطال، كما فعل مجلس العام 1997 لانه لا يملك المشترع ان يترك للسلطة الادارية حق تحديد التاريخ في الوقت الذي تراه هي من دون الاستناد الى معيار معين لاسيما وان تحديد تاريخ اجراء الانتخابات مسالة تدخل في دائرة القانون. كما اشار القرار الذي استند الى الفقرة "ج" من مقدمة الدستور والمواد 7 و 17 من الدستور.، الى ان " هذا التمديد لم يبرر بأية ظروف استثنائية، ولا توجد ظروف استثنائية تبرره بدليل قيام الدولة باجراء انتخابات نيابية سنة 1992 وسنة 1996 وانتخابات فرعية عامي 1994 و 1997 فيكون هذا التمديد قد عطل مبدأ دستوريا هو مبدأ دورية الانتخاب وحرم الناخب من ممارسة حق الاقتراع خلافا للمادة 7 من الدستور وحال دون حق الجماعات المحلية في ادارة شؤونها الثانية بحرية تطبيقا للمفهوم الديمقراطي الذي نصت عليه مقدمة الدستور، وعليه قد تكون عبارة " مهلة اقصاها" فخا قد يسقط القانون في المجلس الدستوري الا اذا قاطع بعض الاعضاء الجلسات او لم يتوصلوا الى قرار نهائي كما حصل سابقا!.