في الظاهر، لا يقوم رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية باي تحركات سياسية تواكب الاستحقاق الرئاسي على رغم انه المرشح الابرز غير المعلن، الى جانب قائد الجيش العماد جوزف عون الذي لم يعلن هو ايضا ترشيحه وان كان اسمه دائما في مقدمة الاسماء المطروحة للموقع الاول في الدولة، لكن بعيدا عن الاعلام، فان المرشح غير المعلن بعد فرنجية، يتحرك في اكثر من اتجاه، اما مباشرة او من خلال اصدقاء مشتركين يتولون عنه في الخارج خصوصا، مهمة التواصل مع مسؤولين في دول القرار يسوقون للزعيم الزغرتاوي شارحين مواقفه من الاحداث الداخلية والخارجية مركزين خصوصا على انه ليس مرشح " الثنائي الشيعي" انما يحظى بتأييد الرئيس نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وان كان سيد المقاومة لم يعلن ذلك علنا في حين يتحرك المسؤولون في قيادة الحزب في هذا الاتجاه وبتكليف منه. ويعتمد فرنجية سياسة حكيمة في عدم الرد على الحملات التي يتعرض لها لاسيما من حليفه السابق رئيس " تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل الذي لا يترك مناسبة الا ويجاهر عن معارضته لفرنجية ورفضه ان يدعمه في الاستحقاق الرئاسي الى حد انه المح اليه في كلمته الاخيرة امام شباب " التيار" واصفا اياه بــ " الفاسد" . ولعل صمت فرنجية له اكثر من مدلول لاسيما وانه يعرف ان دخوله في مواجهة اعلامية مع باسيل وتياره لن يقدم ولن يؤخر في مساره الانتخابي لانه يتكل على حليفه الرئيس بري وعلى السيد نصر الله في خوض معركته وفق المعايير التي سبق ان اعتمدها " الحزب" عندما خاض معركة الرئيس ميشال عون على مدى عامين وبضعة اشهر الى ان تمكن " الجنرال" من دخول قصر بعبدا مدعوما خصوصا من مفاعيل " تفاهم معراب" مع رئيس " القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع وزعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري نتيجة تسوية سياسية لم تستمر تأثيراتها العملية الا ثلاث سنوات فقط وانهارت بعد ما سمي " ثورة 17 تشرين" العام 2019 عند استقالة الرئيس الحريري ثم ابتعاده عن الحياة السياسية اللبنانية وصولا الى حد تعليق العمل السياسي ورفضه الخوض في الانتخابات النيابية لدورة ايار( مايو) 2022 . صحيح ان فرنجية يحتاج الى غطاء مسيحي لوصوله الى بعبدا في الانتخابات الرئاسية الراهنة، لــــكن الصحيح ايضا ان " القوات اللبنانية" لا تزال تدعم، ولو بالشكل، الزعيم الزغرتاوي الاخر النائب ميشال معوض من دون ان يصدر عن معراب اي موقف ضد فرنجية وسط معلومات تشير الى ان ثمة اتصالات لم تنضج بعد من اجل حصول تواصل بين " المردة" و" القوات" للبحث في الاستحقاق الرئاسي، علما ان مثل هذا البحث قد لا يصل الى نتيجة ايجابية لكنه يبقى واردا طالما ان باسيل قطع الطريق نهائيا عن احتمال التفاهم مع فرنجية الى درجة انه خيّر حليفه حزب الله بين استمرار "تفاهم مار مخايل" وبين الاستمرار في دعم الحزب لفرنجية.
فرنجية المنزعج من باسيل... يعرض برنامجه الانتخابي
لا يخفي فرنجية امام زواره انزعاجه الشديد من موقف باسيل وهو يعرف ان رئيس " التيار" لن يرضخ ابدا لرغبة السيد نصر الله، ويعتبر ان موقف كهذا عرقل كثيرا مسيرته نحو بعبدا، لكنه مع ذلك يرى ان احتمال فوزه بكرسي الرئاسة لا يزال واردا وان عامل الوقت كفيل بتذليل العقبات التي تحول حتى الان دون اعلان ترشحه رسميا، وهو كان قال للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي انه ليس في وارد الانسحاب من الساحة الرئاسية لانه لا يريد ان يخسر فرصة ضاعت منه العام 2016 على رغم ان اسمه حظي في حينه بتأييد الحريري والمجتمع الدولي لكنه آثر الانسحاب لان حليفه حزب الله طلب منه ذلك لمصلحة الرئيس عون واعدا اياه بان انتخابات 2023 ستحمله الى سدة الرئاسة، ويومها اطلق "السيد" معادلته الشهيرة:" هيدي عيني... وهيدي عيني"، في اشارة الى الرئيس عون وفرنجية. ولعل ما اعلنه فرنجية خلال العشاء التقليدي الذي اقامه في قصر جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية لمناسبة " خميس السكارى" حمل اكثر من اشارة خصوصا قوله ان " الامور ذاهبة في الاتجاه الصحيح والدستور قد وضع بطريقة حكيمة، فالميثاقية هي ان تكون كل طائفة ممثلة وبالتالي فان الرئيس المنتخب بـــ 65 صوتا وبحضور 86 نائبا هو رئيس شرعي وميثاقي"، وهو الامر الذي كان اشار اليه الرئيس بري خلال احد لقاءاته قبل اسابيع. وفي الاطار نفسه حرص على الرد على الذين يقولون انهم لا يعرفون برنامجه الرئاسي حين قال أنه "لم يترشح بعد لرئاسة الجمهورية بل ان اسمه مطروح و"الخير الله يقربه" ونيتنا تجاه وطننا سليمة ولدينا تصوّر اقتصادي وسياسي واجتماعي مبني على الواقعية وقول الحقيقة مهما كانت موجعة".واوضح: "أننا موجودون في السياسة ولدينا كامل الشرعية والكفاءة لخوض الاستحقاقات كافة، علماً أننا مررنا بظروف أصعب وتخطيناها وصمدنا بفضلكم وبفضل تضحياتكم ومحبتكم والأيام ستبرهن ان كل من يستغل وجع الناس وقهرهم لا مستقبل له". واشار الى أنه "بعكس ما يسوّق البعض، إن وجودنا كإسم مطروح للرئاسة لا يعرقل الاستحقاق الرئاسي وأيّ تسوية تحصل لمصلحة لبنان نحن معها ولكن كل تسوية تحتاج الى طرفين يتحاوران من أجل ايجاد قواسم مشتركة". وأشار رئيس "تيار المردة" الى ان الرئاسة "ليست مجرد مسابقة للفوز بالكرسي بل هي مهمة وطنية ومن هذا المنطلق علينا اختيار رئيس للجمهورية بإمكانه ان يتعامل مع الجميع ويقترح الحلول الوطنية بعيداً عن الفئوية"، لافتاً الى ان التاريخ سينصف من ضحى فعلاً من اجل مصلحة المسيحيين الحقيقية ومن تاجر بهم". وأوضح "ان تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا يعكسون من يمثل فعلا الوجدان المسيحي"، كاشفاً ان "حماية المسيحيين تبدأ بتعزيز انتمائهم الى الوطن وليس بإدخالهم في مشاريع تقسيمية عبر تخويفهم من شركائهم في الوطن". واذ لفت الى ان "وجود مدرسة دمرت كل المسيحيين تحت شعار توحيد البندقية المسيحية والمطالبة بالفدرالية والتقسيم ونحن دفعنا ثمن ذلك في مراحل كثيرة لاسيما عندما اكد الرئيس سليمان فرنجية اننا لن نسير بالتقسيم وكانت المصالحة الشهيرة مع الشهيد الرئيس رشيد كرامي والتي كان ثمنها مجزرة اهدن". اشار الى ان هناك من يحلم بالفدرالية ويسوّق لها وهؤلاء لا يريدون سليمان فرنجية لان مشروعه عروبي، وحدوي، توافقي واستيعابي". وتطرق الى مسألة سلاح المقاومة مشيرا الى أنها "تشكل اليوم مسألة خلافية في لبنان وعلينا معالجتها من منطلق وطني وواقعي ومسؤول". امّا في الشأن الاقتصادي فقد لفت فرنجية الى انه "لطالما حذرنا من النظام الريعي الذي أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم"، معتبراً انه "علينا أن نأخذ العبر من الأسباب التي أدّت الى الإنهيار المالي والاقتصادي لايجاد حلول علمية وعملية وما قد يساعد في بعض الحلول ان ما كان مرفوضاً سابقاً أصبح مقبولاً كزيادة التعرفة على الكهرباء". واكد ان "همنا الأساسي هو تجنيب بلدنا الفوضى بانتظار التسويات الكبرى وهناك اشارات عن وجود إرادة للتوافق الدولي"، معتبراً ان "لبنان اليوم يعاني من أزمةٍ اقتصادية ومالية كبيرة تحتم علينا جميعاً ان نباشر بإيجاد حلول جذرية بعيداً عن المزايدات والشعبوية".
هل يتأمن النصاب بـــ 86 نائبا؟
لكن السؤال يبقى: هل يكفي ان يحدد فرنجية برنامجه الانتخابي وينتظر ما ستؤول اليه الامور الذاهبة في الاتجاه الصحيح" على حد تعبيره، ليصل الى بعبدا ويصبح الرئيس الــــ 14 للجمهورية اللبنانية؟ تقول مصادر متابعة ان الواقع الرئاسي الراهن لا يزال ضمن اطار المخطط "أ" ، اي اما فرنجية او قائد الجيش العماد جوزف عون، ولم يصل بعد هذا الواقع الى المخطط "ب"، اي التوافق على مرشح ثالث غير فرنجية وعون، لان الاطراف الاساسية في الاستحقاق لا تزال عند مواقفها المعلنة ما يعني انه لن يكون في مقدور فرنجية ان يؤمن حضور 86 نائبا يشكلون النصاب الدستوري والميثاقي لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية اذا ما استمرت " القوات" على موقفها بتأييد النائب معوض، خصوصا ان باسيل ليس في وارد تغيير موقفه مطلقا، في مقابل اصرار " الثنائي الشيعي" على موقفه الداعم لفرنجية. وفي هذا الاطار، ينقل عن مرجع كبير له خبرته الانتخابية قوله ان " القوات" و" الوطني الحر" لديهما الدور الاكبر في تحديد هوية الرئيس، وهذا واقع لا مفر منه. ومن الصعب جدا على اي طرف لبناني آخر، حتى لو كان حزب الله، ولو كان يتمتع بفائض من القوة وبالقدرة على اجتذاب اصوات من خارج بيئته التقليدية، ان لم يكن من المستحيل، تجاوز اكبر حزبين مسيحيين داخل البرلمان دفعة واحدة، فلا يمكن انتخاب رئيس الجمهورية وفرضه على هاتين القوتين معا. ويحتاج الحزب وفريقه من اجل ايصال رئيس تيار " المردة" ان يستميل احد الطرفين على الأقل، وبالتالي، طالما هناك" فيتو" من جعجع وباسيل على اسم فرنجية، فان الاخير لن يكون رئيسا للجمهورية. واذا حصل لاي سبب من الاسباب ان تمكن الحزب من جمع الاصوات اللازمة لانتخاب فرنجية في الدورة الثانية باكثرية 65 نائبا، فان فرنجية سوف يصل الى قصر بعبدا مجردا من الغطاء المسيحي، لا بل سيحاصر مسيحيا وسيسقط عهده في الاشهر الثلاثة الاولى مهما حصل ومهما دعمه " حزب الله". ويشرح المرجع نفسه موقفه قائلا ان لبنان بلد طائفي صغير، حزب الله هو اقوى الاطراف، لكن التركيبة والتقسيمة الطائفية والتوازن الطائفي والعصبيات الطائفية لا تزال اقوى، وحتى ان فائض القوة لدى الحزب، غير كاف لازالة لغم بهذا الحجم. اضافة الى ذلك، فرنجية ليست لديه القوة السياسية ولا الغطاء المسيحي الطائفي داخل الطائفة المارونية والمكون المسيحي، وزعامته هي زعامة من الفئة الثانية وليست من الفئة الاولى لكي يقال بانه يستطيع ان يفرض نفسه.
كان يمكن بالنسبة الى فرنجية ان يعوض، من اجل الوصول الى 65 صوتا، عن اصوات " القوات" او " لبنان القوي" لو ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم يعلن صراحة معارضته انتخاب فرنجية مخالفا بذلك رأي "صديقه" الرئيس بري، لكن الواقع انها من المرات القليلة التي يختلف فيها بري مع جنبلاط على الملفات الداخلية، فاللقاءات المتواصلة بين الرجلين لم تفلح في تليين احدهما لموقف الاخر على رغم التحالف " الاستراتيجي" القائم بينهما، فظل بري داعما لفرنجية، وبقي جنبلاط داعما لميشال معوض مع الاستعداد على اتفاق على مرشح ثالث من بين رزمة اسماء قدمها فيها العماد عون وجهاد ازعور وصلاح حنين. ويقول جنبلاط في هذا السياق انه لن يخرج من خيار معوض ليذهب الى انتخاب فرنجية العضو البارز في فريق "8 آذار" لكنه يلتقي مع بري على الرهان على عامل الوقت وامكان حصول توافق اقليمي ودولي لانتاج تسوية رئاسية لان ايا منهما لن يذهب الى الانتخابات من دون اتفاق مع الاخر او من موقع الخصومة بدليل امتناع بري عن الدعوة لجلسة انتخاب جديدة قبل تأمين توافق مسبق على اسم الرئيس.
حيال هذا الواقع يبقى فرنجية متفائلا بان عامل الوقت سيكون لصالحه وهذا ما اراد قوله بوضوح امام محازبيه في عشاء " خميس السكارى" في اهدن، ما يعني انه لن ينسحب من المعركة الرئاسية المرشحة الى مزيد من الشغور!.