لن يكون شهر نيسان (ابريل) الجاري شهر مفاجآت على الصعيد الرئاسي ولن يحمل بالتالي رئيسا جديدا للجمهورية اللبنانية ذلك ان العطل فيه كثيرة، بدءا بعطلة عيدي الفصح لدى الطوائف المسيحية الغربية والشرقية، وصولا الى عطلة عيد الفطر المبارك، وعليه فان الملف الرئاسي سيدخل في شهر ايار ( مايو) المقبل، شهره السابع وسط اشارات لا توحي بان رئيسا جديدا سيدخل الى قصر بعبدا وان كانت مصادر معنية ترجح ان يكون للبنان رئيسا قبل نهاية شهر حزيران (يونيو) المقبل على خلفية استحقاق تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان خلفا للحاكم الحالي رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في 3 تموز (يوليو المقبل). اصحاب هذه النظرية يتحدثون عن استحالة الوصول الى نهاية ولاية الحاكم سلامة من دون وجود حاكم اصيل لمصرف لبنان لان الاوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد لا تسمح بمثل هكذا فراغ على المستوى النقدي في البلاد، ويضيفون انه على رغم ان قانون النقد والتسليف الذي ينظم المسؤولية النقدية في البلاد ينص على ان النائب الاول للحاكم هو الذي يتولى الحاكمية بالانابة واذا تعذر ذلك لاي سبب فان الحاكم الثاني يصبح حاكما بالانابة، الا ان المعطيات المتوافرة حتى الساعة تشير الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري ابلغ المعنيين انه طلب الى النائب الاول للحاكم وسيم منصوري الاعتذار عن تسلم هذه المهمة لئلا يقال ان شيعيا تولى حاكمية مصرف لبنان، وهو المركز المخصص عرفا " للموارنة" وتكون الكلمة الفصل في اختيار الحاكم لرئيس الجمهورية الماروني. ويبدو ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يتجه الى اعتماد الموقف نفسه بالنسبة الى النائب الثاني للحاكم بشير يقظان، وهو درزي، للاسباب الطائفية نفسها اضف عليها ان جنبلاط لا يريد ان يتحمل تبعات الانهيار المالي المتوقع حصوله بعد انتهاء ولاية الحاكم سلامة الذي تمكن، رغم كل شيء، من المحافظة على الحد الادنى من استمرار اللعبة المالية في البلاد وان كانت كلفتها كبيرة جدا بالنسبة الى المواطن اللبناني نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار امام الليرة اللبنانية. ونتيجة هذا الواقع تتحدث مصادر متابعة عن ان حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي يمكنها ان تعين حاكما جديدا اذا حصل توافق سياسي من كل الاطراف على اسم الحاكم، واذا عاد الوزراء الذين يقاطعون الجلسات الحكومية الى المشاركة فيها. لكن ميقاتي، وفقا للمعلومات، يصر على انه يشارك في جلسة تعيين الحاكم- اذا حصلت- جميع اعضاء الحكومة الـــ 24 منعا لاي اشكال او طعن او اجتهادات.... وبدأت تلوح في الافق اسماء شخصيات مرشحة لتولي هذا المنصب ابرزهم الوزير السابق كميل ابو سليمان وابن عمه الخبير الاقتصادي وليد ابو سليمان، فيما يبقى اسم الوزير السابق جهاد ازعور الابرز للمنصب اذا لم يتم الاتفاق على انتخابه رئيسا للجمهورية لانه الاوفر حظا اذا ما تقرر السير بخيار رئاسي ثالث غير فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
اذن يدل استحقاق انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان على حراجة الموقف رئاسيا لان القيادات السياسية تحاول تفادي " قطوع" تسلل الشغور الى حاكمية مصرف لبنان، لكن المشهد الرئاسي لا يوحي بامكان حصول الانتخابات في ظل مشروعين خارجيين متناقضين، خصوصا ان الدول الخمس التي اخذت على عاتقها دراسة الملف الرئاسي من خلال اجتماعات متتالية في باريس لم تتوصل الى اتفاق على مرتكزات " التسوية" التي يتم العمل للتوصل اليها، في وقت يقول ديبلوماسيون ان اي " تسوية" جدية لن تظهر قبل التأكد من المفاعيل الايجابية للاتفاق النووي الايراني- الاميركي طالما ان الدول الاوروبية لم تدخل بعد على خط التفاوض كما ترغب طهران لان على اساسه يمكن الكلام عن تحول قد يشمل لبنان. في هذه الاثناء لا تزال السعودية عند موقفها غير المؤيد لسليمان فرنجية من جهة، اضافة الى تأكيد المسؤولين فيها ان الوضع اللبناني لا يعنيهم مباشرة وان المواصفات التي حددتها الرياض للرئيس العتيد لا تزال هي هي والتي لا تنطبق على فرنجية. في المقابل، لا تزال باريس تعتقد انها ستتمكن من اقناع الرياض بتليين موقفها من فرنجية قياسا الى المتغيرات الاقليمية التي يتم الترويج عن امكانية حصولها خلال الاشهر الثلاثة المقبلة لان البلاد لن تكون في استطاعتها تحمل تبعات الفراغ الممتد الى مختلف مؤسسات الدولة، الادارية منها والدستورية مع وجود مجلس نيابي غير قادر على الالتئام بسبب معارضة الكتل المسيحية وبعض النواب المستقلين و" التغييريين". ومجلس الوزراء غير قادر على الاجتماع دوريا للاعتبارات نفسها، خصوصا ان مرحلة الفراغ راهنا لا يجب ان تقاس بمرحلة الفراغ التي سبقت انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية لان الظروف المحلية والخارجية مختلفة تماما، وبعض الهيكل اللبناني كان قائما في حينه، اما اليوم فالامر مناقض تماما لتلك المرحلة على المستويات كافة الاجتماعية والسياسية والمالية والاقتصادية.
" الثنائي الشيعي": لا تنازلات بعد اليوم
وفيما يستمر الموقف الرافض لترشيح فرنجية على حاله، لا يبدو ان " الثنائي الشيعي" في وارد تقديم تنازلات متتالية في ما يتعلق بمرشحه خصوصا ان المعارضة تواجه فريقا لم يتمكن من عقد جلسات تشريعية واصيب في موضوع التوقيت الصيفي الذي كاد ان يفجر البلد واخرج كل الآراء الطائفية الى الواجهة، ما يعني استطرادا، ان " الثنائي" من الصعب عليه ان يتراجع تحت وطأة اي ضغط خارجي لاسيما اذا اتى من السعودية او من واشنطن. ولعل ما تسرّب من حوار بين الرئيس بري والسفيرة الاميركية في بيروت" دوروثي شيا" مؤخرا خير دليل على ثبات موقف " الثنائي" في دعمه لفرنجية والذي يناور فيه مطلقا اضافة الى تأكيده على ان " معركتنا لايصال فرنجية مستمرة ولن يكون فيها اي تعديل واذا كانت هناك عوائق علينا العمل داخليا وخارجيا على ازالتها".
وينقل رواة حواراً بين رئيس المجلس والسفيرة الاميركية في بيروت بعد سؤالها عن سبب التمسك بترشيح فرنجية، اذ اجابها: " ما هي مشكلتكم انتم معه. اذ كنتم تبحثون عن شخصية قادرة على التحدث والتفاهم مع سوريا وحزب الله، فمن برأيكم يمكنه ذلك؟. واضاف : " هل تعرفين احدا من المرشحين الفعليين غير فرنجية يمكنه التحدث مع بشار الاسد لمعالجة اي امور عالقة بين البلدين، خصوصا في ملف النازحين؟ ومن من هؤلاء غير فرنجية يثق به حزب الله، ويمكنه التفاهم مع الحزب حول امور كثيرة تخص لبنان وعلاقاته الخارجية، ويمكن ان يمون على الحزب في بعض الامور؟". واضاف :" من قال ان فرنجية ليست له وضعية مسيحية. هل الاصوات هي العنصر الحاكم، وماذا عن تصويت المسيحيين قبل 2005 . هل الجمهور اليوم اكثر حرية، وهل يوجد في لبنان، حتى بين خصوم فرنجية، من يمكنه ان ينفي عن الرجل تاريخه المسيحي، وتاريخ عائلته التي لطالما كانت لها علاقات قوية مع العالم العربي ومع الغرب، ومع السعودية على وجه الخصوص". ويضاف الى كلام بري امام السفيرة" شيا"، ما وزعته مصادر " الثنائي" عن ارتياح يساورها بعد زيارة فرنجية لباريس واللقاء الذي عقده مع مستشار الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون" السفير "باتريك دوريل"، وتعتبر ان حصول اللقاء في حد ذاته اشارة الى ان فرنجية لا يزال في المقدمة وان ورقته لم تسقط كما تروج مصادر الاحزاب المسيحية ومن يدعم قائد الجيش.
باريس تواصل مساعيها من اجل " التسوية"
في احدى الجلسات التي جمعت السفيرة الفرنسية في بيروت" آن غرييو " بعدد من الديبلوماسيين ومجموعة من القريبين من السياسة الفرنسية في لبنان، لاحظ الحاضرون ان المسؤولين الفرنسيين الذين التقوا مجموعة لا بأس من السياسيين اللبنانيين في الآونة الاخيرة، لمسوا ان الاعتبارات التي تتحكم بمواقف اطراف محلية بارزة لا تستند الى منطق " التسوية" بل تهدف الى استكمال المواجهة السياسية، باستثناء وليد جنبلاط الذي يبدو اكثر حماسة لــ " التسوية" لانه وان كان يفضل مرشحا على آخر، الا انه ابلغ الفرنسيين انه لن يقف في مواجهة تسوية قوية ولو كان فرنجية عنوانا رئيسيا فيها. كذلك لدى باريس قناعة بان عددا غير قليل من النواب والقوى تدرك ان البقاء خارج السلطة ليس في مصلحتها لان المعارضة، في حال تم التوصل الى تسوية محلية- خارجية، ستكون ضعيفة ما لم تكن لدى المعارضين قدرة على تقديم البديل وان الامر لا يستقيم بشعارات وعناوين اصلاحية فقط. ويؤكد الفرنسيون انهم بعدما قطعوا شوطا بعيدا في الاتصالات التي يجرونها لتسهيل وصول الاستحقاق الرئاسي، لن يضيعوا هذه الجهود سدى بل سيتابعون العمل وتذليل الصعوبات لبلوغ النهايات المرجوة خصوصا ان باريس تعتبر انها حركت " المياه الرئاسية الراكدة".
في اي حال اكد مصدر حكومي بارز في لقاء بعيد عن الاعلام مع شخصيات سياسية ضالعة في الوساطة من اجل " التسوية"، ان استحقاق انتهاء ولاية الحاكم سلامة يشكل مفصلا مهما في مسار انتخاب الرئيس العتيد للبلاد، فاذا لم يتم ذلك قبل نهاية ولاية سلامة حتى يتمكن الرئيس الجديد مع حكومته من تعيين خلف له، فان الاستحقاق الرئاسي سوف يتأخر الى نهاية فصل الصيف، وتحديدا شهر ايلول( سبتمبر) المقبل بعدما تكون " الطبخة" الاقليمية قد نضجت او هي على طريق النضوج. لذلك يبدو شهر حزيران ( يونيو) نقطة تحول مهمة في الحياة السياسية اللبنانية، فهل سيحمل الى بعبدا رئيسا، ام ان الشغور سوف يستمر الى بداية الخريف؟