في كل مرة يغادر فيها رئيس " التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بيروت الى الخارج تكثر التحليلات والمعطيات حول هذه " السفرة" سواء كانت الى قطر ( كما حصل السبت الماضي) او الى باريس حيث كانت له لقاءات مع مناصريه قال فيها كلاما كبيرا ترددت صداه السلبية في لبنان خصوصا عن حليفه السابق رئيس تيار " المردة" سليمان فرنجية احد ابرز المرشحين لرئاسة الجمهورية. الا ان القاسم المشترك في كل ما يقال عن سفرات باسيل الى الخارج، انه يعمل من خلال قنوات خارجية الى رفع العقوبات التي فرضتها عليه الادارة الاميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة الفساد من دون ان تقدم يومها واشنطن اي مستند حسي يثبت صحة هذه التهمة التي اعتبرها باسيل سياسية يوم كشف ان ديبلوماسيين اميركيين بعضهم برتب عالية، طالبوه بــ " فك ارتباطه" بحزب الله ووقف دعمه سياسيا واستمرار الحلف السياسي معه، ولما لم يفعل فرضت العقوبات عليه وغلفت باطار الفساد للنيل من سمعته، حسب ما يقول باسيل. وعلى رغم ان الادارة الاميركية نفت مباشرة او مداورة كلام باسيل حول الخلفية السياسية للعقوبات وحصرتها بملف الفساد، فان رئيس " التيار الوطني الحر" ظل على موقفه بان الاعتبارات السياسية هي التي دفعت بالاميركيين الى معاقبته. في اي حال مع كل رحلة الى الخارج يقوى الحديث عن ان هذه الرحلات مرتبطة بشكل او باخر بمسألة العقوبات، وان اتصالات جرت على مستويات مختلفة سوف تفضي في النتيجة الى " اسقاط" هذه العقوبات واعادة المياه الى مجاريها في العلاقات بين الادارة الاميركية وباسيل، لاسيما وان عهد ترامب انتهى وحل مكانه عهد بايدن ومعه فريق عمل مختلف عن الفريق السابق الذي كان وراء " معاقبة " باسيل.
تقول المعلومات المتوافرة ان الرئيس العماد ميشال عون كان اول المبادرين يوم كان في السدة الرئاسية، الى طرح مسألة العقوبات على باسيل في كل مرة يزور فيها وفد اميركي بيروت ويستقبله في قصر بعبدا، وانه في اكثر من مرة كان الرئيس عون " يختلي" بالوفد الاميركي او برئيسه بعيدا عن بقية اعضاء الوفدين الاميركي واللبناني المشاركين في المحادثات، ويبحث معهم في مسألة العقوبات على باسيل وسبل " معالجة " هذا الملف بكل تشعباته، من دون ان يطرأ اي تطور جديد في هذا الصدد، الى ان لاحت في الافق مسألة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية التي تولاها الرئيس عون مباشرة بعد " سحب" الملف من الرئيس نبيه بري، استنادا الى المادة 52 من الدستور التي تضع مسألة المفاوضات الدولية في عهدة رئيس الجمهورية. وتضيف المعلومات ان النائب باسيل كان يواكب الاتصالات التي كانت تجري في مسألة الترسيم خلال الفترات السابقة، الا انه دخل على الخط بقوة عندما تسلم الملف الوسيط الاميركي "آموس هوكشتاين " الذي كان بحث معه في مسألة النفط والغاز في الجنوب اللبناني يوم كان باسيل وزيرا للطاقة والمياه في العام 2010. ولا يشك اثنان بان باسيل لعب دورا مباشرا واساسيا في ما آل اليه ملف الترسيم والتقى "هوكشتاين" مرارا خارج لبنان( وتحديدا في قطر) حتى تم التوصل الى الصيغة التي اعلنت في حينه قبل ايام من انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الاول ( ا كتوبر) الماضي. وثمة من قال بان باسيل سوف يقبض " ثمن" تسهيله اتفاق الترسيم البحري من خلال رفع العقوبات، في وقت كان هو ينفي وجود اي ترابط بين مسألتي العقوبات والترسيم. علما ان اكثر من ديبلوماسي المح الى ان ما فعله باسيل- من خلال الرئيس عون- للاسراع في انجاز ملف الترسيم، عمل لا يمكن للادارة الاميركية الحالية ان تتجاهله خصوصا ان الرئيس "جو بايدن "شخصيا كلف "هوكشتاين" بالملف وتابعه عن قرب واتصل بالرئيس عون وهنأه على انجازه للتدليل على اهمية ما حصل من جهة، ولتسجيل " تقدير" واشنطن لدور عون مباشرة وباسيل مداورة. وتابع هذا الملف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي كان المفاوض المباشر مع الاميركيين وكان يضع باسيل تباعا بمجريات الامور ويتشاور معه في كل صغيرة وكبيرة.
هل تنتهي اللقاءات برفع العقوبات؟
والسؤال هل وصلت الامور الى حد صدور قرار اميركي برفع العقوبات عن باسيل؟ المصادر المتابعة تؤكد ان هذا الملف لا يزال عالقا ولم يبت به بعد من دون ان يعني ذلك ان امكانية النظر فيه غير واردة، في وقت يعتبر آخرون ان هذا الملف لن تقفله الادارة الاميركية قبل بت الاستحقاق الرئاسي لئلا يدخل في صلب " البازارات" المفتوحة راهنا على اكثر من صعيد. كما يمكن، في نظر البعض الاخر، استثمار هذا الملف للتأثير على موقف باسيل حيال الانتخابات الرئاسية لاسيما لجهة التخفيف من حدة معارضته للمرشح الذي تعمل واشنطن كي يصل الى قصر بعبدا، فيكون " تجاوب" باسيل مع الرغبة الاميركية في مقابل رفع العقوبات عنه او على الاقل الشروع في عملية اعادة النظر بهذه العقوبات استنادا الى " معطيات" جديدة سوف تقول الادارة الاميركية انها توافرت لديها نتيجة متابعة هذا الملف على اكثر من صعيد! الا ان النائب باسيل ينفي نفيا قاطعا ان يكون في وارد القبول باي مقايضة في ما خص الاستحقاق الرئاسي تناقض قناعاته وخياراته. وقيل في هذا السياق ان " سعاة " الخير احيطوا علما بموقف باسيل وجمدوا تحركهم في هذا الاتجاه، خصوصا بعدما تبلغوا مباشرة ان باسيل لن يؤيد المرشح المدعوم اميركيا وان كان هذا الدعم لم يعلن على الملء، لكن غالبية الديبلوماسيين على علم ومعرفة بهوية هذا المرشح، علما ان باسيل قال لمن يهمه الامر ان معارضته لهذا المرشح " مبدئية" وليست شخصية.
السفيرة الاميركية : الكلمة للقضاء الاميركي فقط
وجديد مسألة العقوبات الاميركية على باسيل لم يكن فقط " الحراك" القائم على اكثر من صعيد لازالتها، ومنها " وساطة قطرية" تردد انها نشطت خلال الاشهر الماضية على خلفية مرتبطة ايضا بدخول قطر على خط التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجنوب، ووساطة فرنسية لم تتبلور معالمها بعد، في حين ان التواصل بين باسيل و"هوكشتاين" ، مباشرة او عبر الرئيس بو صعب، لا يزال قائما وهو ما يمكن ان يساعد في انجاز ملف سحب العقوبات، كما حصل بالنسبة الى ملف الترسيم البحري. الا انه، وخلال عشاء ضم السفيرة الاميركية في بيروت "دوروثي شيا "مع عدد محدود من المدعوين في منزل نائب سابق، تم التطرق الى موضوع العقوبات على النائب باسيل في ضوء الاتصالات الجارية بعيدا عن الاضواء، فاكدت السفيرة شيا ان لا احد في بلادها يرفع العقوبات او يستطيع ان يرفعها الا القضاء. ويحتاج السعي الى ذلك الى تكليف مكتب محاماة اميركي متخصص في هذه القضايا للعمل لرفع العقوبات بعد تكوين ملف قانوني " مبكل" علما بان ذلك يكلف مالا كثيرا لا يعتقد اللبنانيون ان باسيل لا يمتلكه. وسبب ذلك ان ملف باسيل مالي لا سياسي رغم اعتراض اميركا على سياسته. وقد سبقه في اللجوء الى القضاء الاميركي لوقف منعهم من السفر الى الولايات المتحدة قلة من اللبنانيين من بينهم مسؤولون طبعا التكاليف المالية في هذه القضية كبيرة وربما تساعده دولة معينة في تأمينها.
في ضوء ما تقدم، تؤكد مصادر متابعة بان ملف العقوبات على النائب باسيل يتحرك، وان كانت حركته بطيئة... وفي السياسة تبقى المفاجآت سيدة الموقف خصوصا في المواسم الانتخابية رئاسية كانت ام نيابية!.