بقلم علي الحسيني
بعد سنوات من الخوف مرّ بها الشعب اللبناني على خلفيّة ملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل بحيث كانت ترتفع "بورصة" الحرب في كُل مرّة كان يقع فيها الجدل حول هذا الملف الذي ظلّ شائكاً ومُعقّداً حتّى لحظاته الأخيرة، يُمكن القول بأن لبنان تمكّن من حجز مكان له، داخل أندية الدول النفطيّة بانتظار الإعلان رسمياً عن بدء إستخراج الغاز بالكميّات المُنتظرة والتي سيصل مردودها المادي إلى مئات مليارات الدولارت. وعلى الخط نفسه، وقبل إنتهاء ولايته في الواحد والثلاثين من الشهر الحالي، طرخ رئيس الجمهورية ميشال عون مسألة النازحين السوريين في لبنان، واعداً بحلّ قريب جداًوجعله ملفّاً أساسيّاً على طاولات المفاوضات الداخلية والخارجية.
ملف النازحين على طاولات البحث
أعاد الرئيس عون ملف النازحين السوريين، الى الطاولة، وذلك بعد الانتهاء من ملف الترسيم البحري ، حيث اعتبر أن انجاز الاتفاقية سيتبعها ابتداءً من الأسبوع المقبل، بدء إعادة النازحين السوريين الى بلدهم على دفعات . إذ تتحضّر مئات العائلات السورية للعودة الى سوريا في موعد قريب ضمن جدول الدفعة الأولى. وفي السياق، تؤكد مصادر مُتابعة لملف النازحين السوريين في لبنان، أن هذا الملف أصبح تلقائياً في عهدة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وفريق عمله وذلك بعد أن جرى التوافق السياسي حوله بالتنسيق مع المُدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم الذي سيتولّى قيادة الفريق التقني والذي سيُباشر عمله قبل نهاية الشهر الحالي.
وتُضيف المصادر: اليوم هناك عمل مُكثّف لفريق العمل المُكلّف بملف عودة النازحين من أجل تسريع عملية إعادة الدفعة الأولى إلى سوريا، لكن هناك تريّثاً قليلاً بإنتظار حسم مسألة الأسماء من قبل الدولة السورية باعتبار ان الآلية تقوم على إعداد الأسماء في لبنان ثم إرسالها إلى الحكومة السورية بعد ذلك. لذلك فإن العمل على إنطلاق الدفعة الأولى يُعتبر الأصعب ثم بعدها تكون الأمور أكثر وضوحا بالنسبة إلى الجهتين اللبنانية والسوريّة خصوصاً بما يتعلّق بتهيئة النازحين نفسياً لعودتهم إلى بلادهم، وهذا الأمر يكون من خلال كيفية تعاطي السلطات السورية مع مواطنيها العائدين.
وعن رأي المجتمع الدولي بهذه الخطوة تُشير المصادر إلى أن الدولة اللبنانية تقوم بحوار دائم مع المجتمع الدولي على الرغم من معرفة موقفه بشكل مُسبق، لكن الحكومة اللبنانية تسعى إلى تأمين عودة آمنة للنازحين بالتنسيق مع الحكومة السورية، ولذلك على المُجتمع الدولي أن يُقدّر موقف لبنان وان يتبنّى قرارته بدل إصدار المواقف والتهديدات غير المٌباشرة سواء بالعقوبات او بالعلاقات، لأن أمن لبنان يعني أمن المنطقة وقد خبرنا كيف كانت الأمور يوم كان الإرهاب يحتل جزءاً عزيزاً من أرض لبنان.
تقدّم في الخطاب اللبناني
قبل موقف الرئيس عون الأخير، سبق أن أكد رفضه لما صدر عن بعض الدول حول توجه لدمج النازحين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم، لافتاً في حينه إلى أن لبنان لا يمكنه القبول بمثل هذه الخطوة، وإلى أن على الدول الأوروبية أن تعي هذه الحقيقة وتتصرف على هذا الأساس. وعلى الخطّ نفسه، سار الرئيس ميقاتي بخطاب تهديدي توجه به إلى المُجتمع الدولي أعلن فيه "تطبيق القانون بحزم حيال النازحين السوريين، في حال لم يتعاون المجتمع الدولي لتأمين عودتهم إلى سوريا".
وبالأمس، عاد اللواء ابراهيم للمف ذاته من بوابة التجارب السابقة حيث استذكر ما بدأ به قبل نحو عشرة أعوام من إجراءات لمواجهة هذا الملف عبر مدخلين: الأول هو اتخاذ إجراءات وتدابير أمنية وقانونية للحد أولاً من موجات النزوح عبر تدابير أمنية مشددة، والثاني هو الخطوات العملانية الكفيلة بتأمين عودة طوعية للراغبين منهم، ولاسيما بعد تراجع المواجهات في ثلثي سوريا وتحوّلها الى مناطق آمنة نسبياً.
واوضح إبراهيم رفي هذا السياق إن جهودنا أثمرت يومها تسهيل عودة نحو 400 ألف نازح، وكان العدد إلى ارتفاع لولا ظهور موجة كورونا التي فرملت حراكنا، مؤكداُ العزم على الانطلاق من تلك التجربة، وقال: أننا سنعيد فتح 17 مركزاً في كل المناطق والمعابر تخصص لهذه المهمة، بعدما نشجعهم من خلال اعفائهم من الغرامات والرسوم المفروضة عليهم إن هم غادروا وتعهدوا عدم العودة، معتبراً أن الوضع كان سيكون أفضل لو أن حملتنا بدأت قبل تسجيل الطلاب في المدارس، اذ بحسب معلوماتنا هناك نحو 70 ألف طالب سوري تسجلوا بعدما أمّنت لهم "اليونيسيف" صفوفاً إضافية.
النزوح جزء من أزمات لبنان
المؤكد ان لبنان يُعاني احتقاناً اجتماعياً ناتجاً من أزمة النازحين السوريين تتوزّع أسبابه على التوزيع الديموغرافي للنازحين وكثافة أعدادهم في المناطق المهمشة أصلاً، وعدم وجود دعم مالي كاف بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية التي زاد في الطين بلّة وأدّت بالتالي إلى إنفلات "الملقّ" على كافة الصعد العنصرية والإقتصادية والدموية ، بحيث ان هناك حالات كثيرة ومواجهات إنتهت بسفك الدماء بين اللبنانيين والنازحين السوريين نتيجة الجرائم المُرتكبة لا سيّما تلك التي يرتكبها بعض النازحين بحق مدنيين لبنانيين، من دون أن ننسى مُزاحمة النازح السوري للبناني في عمله ولقمة عيشه مما زاد من تفاقم الأزمة بعدما تولّد لدى اللبناني فكرة أن السوري يُريد ان يُخرجه من بيته ووطنه.
في المُحصّلة، فإن النزوح السوري يُشكّل خطرًا كبيرا على لبنان على المستويات كافة، اقتصاديا واجتماعيا وحتى أمنيا، فأي بلد في العالم لا يستطيع تحمل أعباء مليون ونصف نازح لمدة تجاوزت الـ10 سنوات، فكيف بلبنان البلد الصغير الذي يعاني من أزمات متعددة؟ ، اضف الى ذلك أن عدد النازحين السوريين يشكل ثلث عدد سكانه تقريبا. ويؤكد مراقبون على اطلاع على كافة تفاصيل هذه القضية، أنه بالاضافة لأسباب الانهيار التي باتت معروفة، يشكل ملف النزوح عاملا اضافيا يعمق من حجمه ويضاعف مخاطره وسط احتمالات تُنذر بما هو أسوأ من الذي يحمل اليوم وتحديداً على صعيد الجرائم.