لا يخفي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امام زواره انه ينتظر يوم الاثنين في 31 تشرين الاول( اكتوبر) الجاري بفارغ الصبر كي يغادر قصر بعبدا عائدا الى منزله الجديد في الرابية الذي باشر ببنائه العام 2015 قبل ان ينتخب رئيسا للجمهورية واستمرت عملية البناء حتى نهاية العام الماضي بعدما اعاد المنزل القديم الذي اقام فيه منذ عودته الى لبنان في العام 2005 الى صاحبه الذي كان قدمه له لانه كان يقيم خارج لبنان. فالرئيس عون، حسب ما يقول لزواره انه " اشتاق الى الحرية" لان الموقع الرئاسي " كبله" بالاصول البروتوكولية من جهة، وبالمواقف الصريحة التي يجب ان يتخذها في مواجهة ما رافق عهده من حملات " التجني" و" الافتراء" الى درجة ان الكثيرين، من سياسيين واعلاميين، قولوه ما لم يقله ونسبوا اليه افعالا لم يفعلها ولا هو فكر بها! يريد الرئيس الذي لم يبق من ولايته سوى ثلاثة اسابيع، ان يعود الى طبيعته في مصارحة انصاره واللبنانيين عموما في حقيقة ما جرى ويجري في البلاد وان يقول كل شيء يتعذر عليه كرئيس للجمهورية ان يقوله لانه في موقعه الرئاسي يجب ان يلتزم واجب التحفظ الذي تفرضه مسؤولياته الوطنية والدستورية. وقبل موعد مغادرته قصر بعبدا، جمع اغراضه الشخصية ونقلها تباعا الى منزله الجديد المجاور لمنزله القديم، في وقت كانت اللبنانية الاولى السيدة ناديا عون تشرف على تأثيث المنزل الجديد وتجهيزه ليكون جاهزا لاستقبال الرئيس العائد بعد 6 سنوات بالتمام والكمال ليكمل ما تبقى له من عمر في مسيرته السياسية والسيادية التي حافظ على وتيرتها العالية خلال الاعوم الستة من حكمه، بحلوها ومرها، ويعود " معارضا" عند الضرورة وزعيما شعبيا كما كان ورئيسا فخريا لــ " التيار الوطني الحر" الذي نقل رئاسته، قبل ان ينتخب رئيسا للجمهورية الى صهره النائب جبران باسيل الذي سيبقى رئيسا لــ " التيار" ويصبح هو- اي الرئيس- مرشدا اعلى وموجها لمسيرة " التيار" وما يمثله من حضور شعبي اثبتت الانتخابات الرئاسية الاخيرة، انه حضور وازن يحظى بثقة الناس بدليل المقاعد النيابية التي حصدها في انتخابات ايار ( مايو) 2022 في كل المحافظات اللبنانية ما عدا محافظة الجنوب التي خسر فيها " التيار" مقاعد دائرة جزين لاسباب لا علاقة لها باداء " التيار" او الرئيس، بل نتيجة خلافات شخصية الحقت الهزيمة بمرشحي " التيار" في منطقة كانت " مقفلة" للحزب الذي انشأه بعد عودته الى بيروت من المنفى الباريسي القسري.

يسخر الرئيس عون امام زواره من الاصوات التي تقول بانه خسر شعبيته او حب الناس له وتعلقهم به، ولعل الوفود الشعبية التي تزور قصر بعبدا لتحية " الجنرال" خير دليل على استمرار تمتعه بتأييد شعبي واسع لم يتراجع خلال السنوات الماضية، على رغم ان الحكم يفقد الحاكم الكثير من مؤيديه، فكيف اذا  كانت البلاد ع اشت ظروفا قاسية على مختلف الصعد نتيجة تراكمات الاعوام الثلاثين الماضية والتي " انفجرت" كلها في وجه الرئيس عون دفعة واحدة واصعبها الاوضاع الاقتصادية والمالية وتداعيات النزوح السوري الذي بدأ العام 2011 التي اقفلت ابواب التصدير الى الدول العربية،  ثم جاءت جائحة " كورونا" لتزيد الطين بلة وانفجار مرفأ بيروت وما خلفه من خسائر في الارواح والدمار الذي حل بالعاصمة بيروت، اضافة الى احداث يقول انه لم يكن قادرا على مواجهتها بسبب " المؤامرة" التي حيكت ضده منذ اليوم الاول لانتخابه والعراقيل التي وضعت في طريق مسيرة التغيير والاصلاح التي ارادها العنوان الابرز في عهده، ناهيك بــ " تطويق" عملية مكافحة الفساد التي اطلقها وتكتلت جهات رسمية، محلية وخارجية لاحباطها وتفشيلها، وهو مصمم على كشف ملابسات ما حصل معه في عهده عنما يصبح متحررا من " القيود" الرسمية والموجبات الرئاسية. وعليه يؤكد الرئيس عون امام زواره ان لهجته بعد انتهاء الولاية، ستكون مغايرة عن تلك التي اعتمدها خلال وجوده في بعبدا لاسيما وانه بات يملك الكثير من الملفات والمعطيات الكفيلة وحدها بوضع النقاط على الحروف... وما اكثرها.

خطاب " الجنرال" .. عود على بدء!

ويقول مطلعون ان النموذج في ما سيكون عليه خطاب " الجنرال" بعد 31 تشرين الاول ( اكتوبر) الجاري، سيظهر في الكلمة التي سيلقيها امام انصاره الذين سيحضرون بالالاف الى قصر بعبدا لمرافقته لحظة خروجه من القصر حيث ستذكر المواقف التي سيطلقها في " كلمة الوداع" بمواقفه في حقبة الثمانينات وتلك التي تميزت بها عودته من فرنسا في العام 2005، بحيث سيستعيد انصاره تلك الصورة المتمردة التي لطالما ميزت شخصيته منذ كان قائدا للواء الثامن في الجيش، ثم قائدا للمؤسسة العسكرية ورئيسا للحكومة الانتقالية في نهاية عهد الرئيس امين الجميل، وصولا الى فترة نفيه في فرنسا ثم عودته ومعه " التسونامي" في اول انتخابات نيابية في العام 2005. وتقول مصادر في " التيار الوطني الحر" ان الحزب اعدّ مغادرة شعبية للرئيس عون بعد انتهاء مراسم الوداع الرسمية سواء انتخب الرئيس الخلف او لم ينتخب، بحيث سيرافقه انصاره من قصر بعبدا الى منزله الجديد في الرابية  للتأكيد على حضوره المميز بين ابناء شعبه الذي وصفه دائما بــ " شعب لبنان العظيم". ولعل اكثر ما سيشدد عليه الرئيس عون في خطابه الوداعي- وفق المصادر نفسها- هو مسيرة مكافحة الفساد التي اطلقها ولم يتمكن من ادراك نهاياتها لان من كان ولا يزال في السلطة " طوقوه" سياسيا ونيابيا وحكوميا ومنعوه من تحقيق حلمه في التغيير الذي راهن عليه طوال حياته العسكرية والسياسية على حد سواء. ولن " يرحم" الرئيس عون المسؤولين الذين وضعوا العصي في دواليب مسيرته الاصلاحية وسيكشف عن الثكير من المخالفات التي ارتكبت في عهده ومنه من الحد منها لانه لم يلق التعاون اللازم في هذه الحالات من شركائه في المسؤولية، سواء في الحكومات المتعاقبة في عهده او في مجلس النواب الذي جاهر رئيسه العداء لرئيس الدولة منذ اللحظة الاولى لانتخابه.

ويرى متابعون ان المهمة الاولى التي سينكب الرئيس العائد الى " صفوف الشعب"  على تحقيقها، ستكون اعادة لم شمل  التيار السياسي الواسع الذي اسسه بعد الخلافات التي حصلت في صفوفه وادت الى خروج بعض " المناضلين" منه وابعاد آخرين لاسيما اولئك الذين  عارضوا علنا اداء خليفته في رئاسة " التيار" النائب جبران باسيل. وعليه سوف يقود " الجنرال"  مسيرة " المصالحة" داخل " التيار" لاسيما مع القدامى الذين بعدوا او ابعدوا قسرا اذ سيعمل على استمالتهم من جديد لاعادة شد اواصر اللحمة كما كانت واكثر، ومن شأن ذلك ان يعيد الامور الى نصابها ويرسم اطارا جديدا لعمل " التيار" من اجل استعادة ما خسره خلال الاعوام الماضية. ويضيف المتابعون ان هذه المهمة لن تكون سهلة على " الجنرال" العائد من قصر بعبدا، لكنه قادر في ما يملكه من " كاريزما" وتأييد وتعاطف من ان يصحح المسار ولو تدريجيا لاسيما وان  غالبية المناصرين تدرك ان " المؤامرة" عليه كانت كبيرة ومتعددة الوجوه، وسيصبح الرئيس عون بعد انتهاء ولايته قادرا على كشف خيوطها نظرا لما تمكن من خلال موقعه الرئاسي من ان يمتلك من معطيات وادلة لن يبقيها للتاريخ، بل سيجعلها من حق الناس في الاطلاع عليها ليحكموا له او عليه!.