بقلم علي الحسيني
على الرغم من المحاولات الداخلية والدعم الخارجي لانتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المُحدد، إلّا أن جميع هذه المحاولات ستبوء حتماً بالفشل بسبب غياب التوافق السياسي حول شخصية موحدة تكون مقبولة لدى جميع الأطراف ولديها كامل الحظوظ للوصول إلى هذا المنصب، ما يعني بأن "الفراغ" سيكون سيّد المرحلة المُقبلة بالرغم من المخاطر التي سيُخلفها هذا الفراغ على الساحة الإقتصادية والإجتماعية وحتّى الأمنيّة.
مرحلة حرق أسماء
في ظل المساعي الخجولة الحاصلة لانتخاب رئيس للجمهورية، ومع فشل مجلس النوّاب في التوافق حول مُرشّح واحد بحيث عن جميع الجلسات التي دعى إليها رئيس المجلس نبيه بري لم تف بالغرض المطلوب بعد، ثمّة إجماع لبناني على أن ما يحصل اليوم في جلسات انتخاب الرئاسة، هو مجرد ترشيحات لأسماء لأجل الحرق والتسلية، باعتبار أن الجدية تبدأ عندما يتوافر توافق وطني على انتخاب رئيس للجمهورية يخرج البلد من أزماته، ولا يسبب للبلد أزمات جديدة، ويحمي الوحدة الوطنية ولا يفجر البلد بفتنة داخلية. واللافت أن هذا الكلام، تتبناه جميع الأطراف السياسية في البلد، لكن كُل طرف لديه تفسير خاص يُدافع من خلاله عن مواقفه ووجهة نظره الخاصة بعملية الإنتخاب.
ويبدو أنه مع إستمرار نزف الوقت من دون أن يتمكّن المجلس النيابي من إيجاد شخصية توافية، ثمة كلام عن مسعى سيقوم به الرئيس نبيه بري لتقريب وجهات النظر بقدر ما تسمح به الظروف السياسية وذلك من خلال دعوته إلى حوار شامل يضّم جميع النوّاب والكُتل النيابية يهدف إلى إنقاذ البلد من منطلق أن الإستسلام للفراغ، سيُشكّل خطورة على جميع اللبنانيين وليس على فريق واحد او جهة واحدة. ويأمل بري بحسب المصادر، أن تتجاوب الكتل النيابية ومعها النواب الذين لم ينخرطوا حتى الساعة في هذا المحور أو ذاك، وقادة الأحزاب الرئيسة بالوصول إلى صيغة مُشتركة، على أن يترك لهم الاتفاق على وضع الإطار العام لإطلاق الحوار بلا شروط مسبقة أو أجندات سياسية جاهزة.
مواقف "القوات" و"حزب الله"
في ما يتعلّق بموقف حزب "القوّات اللبنانية" من ملف الإستحقاق الرئاسي، فقد أكد رئيس الحزب سمير جعجع أن أطرف ما في الإنتخابات الرئاسيّة هو أن جميع الكتل والنواب يدعون أنهم لا يقبلون الفراغ ويشددون على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها، في حين أن ما يقومون به لا ينطبق أبداً مع ادعاءاتهم، مشيراً إلى أنه لم يتمكن حتى اللحظة من فهم شعار “من خارج الإصطفافات. كما جدّد جعجع دعوة النواب الـ22 إلى العودة إلى ضميرهم والتفكير ملياً وعملياً بما يجب عليهم القيام به، وقال: "علينا أن نتصرّف بالخيار العملي الموجود بين أيدينا، وهنا أطرح سؤالاً أساسياً على هؤلاء النواب: ما هو الخيار الأفضل، الفراغ الرئاسي أم ميشال معوّض؟ وإذا ما كانوا يعتبرون أن الخيار الأول هو الأفضل عندها تكون قد اختلفت كل المقاييس بغض النظر عن تقييمهم للنائب ميشال معوّض.
ولفت إلى أن فريق الممانعة يدّعي أنه لا يريد الوصول إلى الفراغ، في حين أن نوابه ينسحبون قبل الدورة الثانية من كل جلسة انتخابات الأمر الذي يفقد الجلسة نصابها، فكيف لهذا الفريق أن يكون ضد الفراغ ويعمد إلى تعطيل الإنتخابات؟ كان بالحري على حزب الله والتيار الوطني الحر” وباقي أفرقاء هذا الفريق مصارحة الجميع بأنهم كفريق يطمحون في الوقت الراهن إلى الفراغ الرئاسي لأنهم لم يجدوا بعد مرشحاً يجمعون على انتخابه ومن الممكن أن يؤمنوا له 65 صوتاً، لكانوا عندها أصدق مع الناس وأنفسهم وقواعدهم ومن اعطوهم أصواتهم.
أمّا من جهة "حزب الله"، فقد عاد وأعلن موقفه من ملف إنتخاب رئيس جمهورية من خلال كلام أطلقه عضو المجلس السياسي في "الحزب" الشيخ نبيل قاووق اعتبر فيه أنه لم يعد سراً أمام اللبنانيين أن السفارة السعودية في لبنان تتدخل بانتخابات رئيس الجمهورية كما تدخلت بانتخابات المجلس النيابي، ولكن هذه المرة بشكل مباشر ودون واسطة، حيث إن بعض النواب يشتكون من تعرضهم لضغوط من السفارتين الأميركية والسعودية، وكفى بذلك مهزلة وإساءة للسيادة الكرامة اللبنانية.
وإذ رأى قاووق أن التدخلات من السفارتين الأميركية والسعودية أعطت نتيجة واحدة، وهي المزيد من التعقيد والتعطيل لمسار انتخاب رئيس الجمهورية، لأن السفارتين وأتباعهما في لبنان يريدون رئيس تحد ومواجهة مع جمهور المقاومة، ويريدون مواجهة داخلية إرضاء للسعودي والأميركي، وهم بذلك أساؤوا لأنفسهم ووفروا علينا الكثير من التحليل والاستدلال، اعتبر
أنّه عندما رفع البعض شعار رئيس تحد ومواجهة، فقد أدخل بذلك البلد بمتاهة جديدة، وبمغامرة سعودية غير محسوبة، وهم سيصلون عاجلا أم آجلا إلى طريق مسدود.
تحذيرات من الأسوأ!
مع إستمرار تشدّد "حزب الله" في موقفه الداعي إلى شخصية توافقية مع نسبة أكبر إلى طموحه بوصول شخصية تنتمي إلى فريقه السياسي، علماً أن الخيار الثاني يبقى ضعيفاً أقله حتّى الساعة خصوصاً في ظل التناحر والتنافس السياسي بين رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية ورئيس "التيّار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وأيضاً قي ظل تمسّك "القوات اللبنانية" بمرشح يكون أقرب إلى خطّها السياسي، تكشف مصادر سياسية بارزة أن الأمور ليست مرتبطة بالتطورات المحلية فقط، بل أيضاً بتلك القائمة على مستوى المنطقة، لكنها لا تنكر أن خيار الإستمرار بالورقة البيضاء، الذي يعتبر نوعاً من العرقلة، بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية، لن يكون بالأمر السهل، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك.
في جميع الأحوال، فإن ما ينتظر لبنان في مرحلة ما بعد الرئيس ميشال عون، هو الفراغ الحتمي أو "الشغور" كما يحلو للبعض أن يُسميه، لذلك تُشير مصادر مُقربة من دوائر قصر بعبدا إلى أن هناك جهات سياسية كثيرة عملت على فرملة جهود ومساعي عون الرامية إلى تحسين الأوضاع كافة في لبنان، أبرزها الوضع الإقتصادي، وهذه الجهات عملت بكل قوّتها وجنّدت جميع طاقاتها لضرب هذا العهد وقد نجحت فعلاً بذلك، لكن الكارثة كانت من نصيب الشعب اللبناني بكل إنتماءاته السياسية والحزبية والطائفية.