بقلم طوني بشارة
تداركت الجهات المعنية في الولايات المتحدة الاميركية تداعيات تدني قيمة عملتها،فعمدت الى إتباع الية اقتصادية هادفة الى تحسين وضع الدولار على الصعيد العالمي.
فما هي الطريقة المعتمدة؟ وهل فعلاً أميركا فضلت معالجة التضخم على النمو الاقتصادي؟ وطريقة كهذه هل من الممكن اتباعها من قبل الدول المتعثرة اقتصاديا؟ وهل لبنان مهيأ اقتصاديا وسياسيا لإعادة إتخاذ قرار مماثل؟ وما عواقب تحسن وضع الدولار عالميا على الليرة اللبنانية وقيمتها وقدرتها الشرائية؟
عجاقة والدولار!
للإجابة على هذه التساؤلات التقت "الأفكار" الدكتور جاسم عجاقة وجاءت بالتحقيق الاتي:
*- كيف تفسر تصريح رئيس الاحتياط الفيدرالي"جيروم بأول" ؟ وما دلالات ذلك بالنسبة لسعر الدولار عالميا؟ وهل اجراء كهذه يعتبر فعال؟
إن تصريح " بأول" كان واضحاً عندما افصح عن نية الولايات المتحدة بالاستمرار بسياستها الاقتصادية لحين انخفاض التضخم حتى نسبة 2في المئة وهو المعدل المقبول على الصعيد العالمي، واضعاً الأولوية للتضخم على حساب النمو الاقتصادي.
*- يبدو ان الدولار يتحسن عالميا نتيجة كما اشرت لسياسة اقتصادية تتبعها الولايات المتحدة الاميركية ، فهل من الممكن تفسيرها؟
-إن الدولار يتحسن على الصعيد العالمي نتيجة رفع الفوائد في الولايات المتحدة الأميركية، لكن تحسنه هذا سينعكس سلباً على لبنان.
*- لبنان اعتمد سياسة مماثلة سابقا فما المانع لاعتمادها حاليا؟وهل فعلا هناك ضغط سياسي محلي لمنع اعتماد حل كهذا؟
محلياً وبعد الظروف التي عصفت في البلد والانهيار الذي أصابه على الأصعدة كافة، عمدت الحكومة الى منع مصرف لبنان من تطبيق السياسة النقدية المناسبة في هذا الوقت، والتي تطبق في العالم حالياً، وهي رفع الفوائد، علماّ ان هذه السياسية النقدية هي اداة شرعية لِلَجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. ففي الفترة التي رفع فيها مصرف لبنان الفوائد، استطاع ان يزيد من حجم الاستثمارات ورؤوس الاموال في لبنان وهذا ما تقوم به الولايات المتحدة الآن.
الدول العربية ورفع الفوائد!
*-وماذا عن حكومات الدول العربية وهل تمارس الضغط كما يحصل في لبنان، ام انها تفضل المصلحة الاقتصادية الوطنية على المصلحة الشخصية؟ و بمعنى اخرهل تتبع كما يبدو الطريقة نفسها ؟وما سبب اتجاهها لاتباع هذه الخطوة؟
إن الدول العربية وتحديداً الخليجية منها قد رفعت فوائدها كما الولايات المتحدة من اجل الحفاظ على استقرار في سعر صرف عملتهم مقابل الدولار وعلى رؤوس الأموال لديهم، عبر عدم السماح لها بالانتقال الى الولايات المتحدة الأميركية بسبب فوائدها.
الدولاروعملة الملاذ!
*- تحديداً ما الدلالات النقدية للاجراء الذي اتبعته السلطات الاميركية؟
إجراء كهذا يؤكد على أن الدولار سيبقى العملة الأولى في العالم، فهو عملة ملاذ وسبب لهجرة رؤوس الاموال الى الولايات المتحدة، خصوصاً وأن الاقتصاد الأميركي لا يزال وسيبقى الاضخم، بالإضافة الى أن قسم كبير من السلع والمواد الاولية يتم التداول بها بالدولار مما يساعد في محافظة هذه العملة على مكانتها.
*- نفهم من حديثكم ان الدولار سيستمر وسيبقى العملة الأولى في العالم،فما انعكاس ذلك محليا لا سيما على الصعيد تفاقم الازمة ؟
-محلياً الازمة موجودة، وليس هناك من رؤوس أموال جديدة تدخل البلاد في الوقت الحالي، أي ان ظاهرة التخوف من هروب رؤوس الاموال وعدم دخول الاستثمارات، كما تدهور سعر الصرف التي يعاني منها الخارج، سبق وتخطيناها ، الاّ أننا نستهلك الكثير من الدولار مما يعني اننا نخفف من الكتلة النقدية بالدولار مقابل الكتلة النقدية بالليرة، وهذا الأمر له تداعيات كبيرة على سعر الصرف.
*- هل من الممكن التعمق بتفسير تأثير ارتفاع سعر الدولار العالمي على لبنان؟
- عندما يرتفع الدولار عالمياً تبرز ظاهرتان متناقضتان، فالدولار يصبح أقوى مما يدعم القدرة الشرائية بالعملة الأجنبية، الا انه وفي المقابل تنخفض قدرة الاستحصال على هذا الدولار. وهذا يعني أن الجانب السيئ سيتفوق على الجانب الإيجابي محلياً مع ارتفاع الدولار عالمياً.
انعدام الحل حاليا!
*- البعض يعول على تشكيلة الحكومة التي قد تكون انقاذية، فهل فعلا امر كهذا سيؤدي الى حلحلة المشكلة؟ أي ان هناك ارتباط للحلحلة الاقتصادية بالحلحلة السياسية؟
الدستور اللبناني منح حصرية القرار الاقتصادي الى الطبقة السياسية الممثلة بالحكومة، اذاً من يضع السياسيات العامة ومن يطبقها هي الحكومة اللبنانية.،الا ان المشكلة في لبنان تكمن في أن الحكومات معطلة ما يعني أننا لا نعرف على اي اساس يتم اتخاذ القرارات. كما أن فرضية حل الأزمة لبنان عبر تشكيل الحكومة ليست منطقية. فالحكومة تعاني من انقسامات ما يجعل من توحيد قرارها أمراً صعباً، الا اذا تعرضت الى الضغط من صندوق النقد. وبمعنى آخر لن يكون هناك نقاش على الخطط والموازنات، بل ان الحكومة ستلتزم اقرار خطة صندوق النقد كما هي، دون البحث بها. وهذا لا يعني الانتقاص من دور الحكومة ولكن اذا لم يتوافق القسم الأكبر من المسؤولين على خطة ورؤية اقتصادية موحدة لن نصل الى اي حل. ان الاطار السياسي في لبنان أصبح معقداً لدرجة أنه تخطى مشكلة الحكومة.
*- ختاما كيف تفسر طرح مجلس النقد بربط العملة الوطنية أي الليرة اللبنانية بالدولار ميكانيكياً؟ وهل من الممكن اعتبار ذلك سبيل او طريق للخروج من الازمة؟
- مع انعدام الافق والحلول ومع عدم القدرة على تأمين أموال المودعين، ما من حل لدى المصارف سوى باللجوء الى مصرف لبنان، الذي بدوره لا يملك المال وسيعمد الى طباعة العملة من أجل تأمين هذه الأموال للمودعين، ما من شأنه أن يخلق ضرراً كبيراً على صعيد المجتمع ككل. اذاً لا إمكانية لاعتماد "الدولرة" في ظل غياب الحلول الاقتصادية الواضحة والشاملة.