بقلم خالد عوض
ثلاثة مشاهد طبعت العالم خلال الأسبوع المنصرم وستظل آثارها معنا لمدة طويلة. صحيح أن هذه الأحداث تبدو إنسانية وسياسية إلا أن مفاعيلها الإقتصادية لن تتأخر.
زلزال "قيصر"
حجم المأساة وهول الكارثة من جراء الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا فاق قدرة تحمل أي إنسان، جسدياً للذين سقطوا قتلى أو جرحى أو تشردوا في الصقيع ونفسياً لمن له أهل في المنطقة المنكوبة أو حتى تابع تفاصيل الكارثة وأعمال الإغاثة ورفع الأنقاض. ورغم تردد بعض الدول في مد يد العون إن لتركيا بسبب مواقفها مع بعض الدول الغربية أو لسوريا بسبب" قانون قيصر" فإن الواجب الإنساني تغلب في النهاية على الموقف السياسي، ولو بخجل. الكارثة الإنسانية ستخلف وراءها أزمة إجتماعية وتبعات اقتصادية مؤثرة سياسياً. قانون "قيصر" تم تعليقه لمدة ١٨٠ يوما ومن الممكن تمديد هذه الفترة نظراً لفداحة المأساة مما يفتح الباب أمام الصين وغيرها من الدول أن تتدخل إقتصادياً وإعمارياً في سوريا بالرغم من الشروط الإنسانية، إن هي أرادت المساعدة بالفعل. الآفاق الإقتصادية والمالية لتجميد "قانون قيصر "يمكن تنعكس على لبنان أيضاً إن في مسألة استجرار الغاز المصري التي هي أيضاً قضية إنسانية أو في تبادلات تجارية أخرى مع سوريا. الزلزال قصم ظهر سوريا ولكنه فتح كوة أمل في عودة الحياة إلى اقتصادها.
الرجل الكاكي
هو ليس "شي غيفارا" ولا " ونستون تشرشل" أو " شارل ديغول" حتى لو كانت أوجه الشبه كثيرة مع هؤلاء إن من حيث الدفاع عن قيم تحرر أو من حيث أن بلاده تقاوم الهجوم الروسي وتحاول تحرير شرقها من الإحتلال. الرجل أصبح رمزاً قيادياً إستثنائياً. يخاطب البرلمانيين البريطانيين في قصر "وستمنستر" حيث كان رئيس وزرائهم أيام الحرب العالمية الثانية يقضي أيامه ولياليه بكلمات "تشرشل". ثم يحضر العشاء في الإليزيه مع نظيره الفرنسي "إيمانويل ماكرون" والمسستشار الألماني "أولاف شولتز" ويقول لهما شكراً جزيلاً على المساعدة ولكن نريد أسلحة أكثر (Merci et Encore). وينهي جولته أمام البرلمان الأوروبي في "بروكسيل" ليقول أن الحرب في أوكرانيا هي دفاع عن القيم الأوروبية. الرئيس الأوكراني" فلوديمير زيلنسكي" ظل بالكاكي طوال جولته الأوروبية وحتى عندما قابل الملك" شارلز الثالث" في قصر "باكنغهام". ولم تنس رئيسة البرلمان الأوروبي" روبرتا ميتسولا" ان تذكر العالم أن أوكرانيا التي تتعرض لأسوأ الإعتداءات كانت من طلائع الدوال التي ارسلت مساعدة إنسانية إلى المنطقة التركية التي ضربها الزلزال. إذا كان من متفرج عليه أن يتعظ من حركة الرئيس الأوكراني التي تلهم مواطنيه ومواطني العالم كله فهو الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". فالتاريخ يؤكد أن هذا النوع من القادة لا يخسر في الحروب لأنه أصبح ظاهرة وليس فقط رئيسا لبلد يقاوم لتحرير بلاده.
إبن الثمانين...شباب
الملاحظة الأولى من خطاب "جو بايدن" عن حالة الإتحاد منذ أيام هو هذه البداهة الاستثنائية التي ظهر بها الرئيس الأميركي. الرجل تجاوز الثمانين عاماً في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وكان خصومه يتهمونه بعدم القدرة على التركيز، لكنه أثبت على مدى ٧٢ دقيقة أنه ملم بكل تفاصيل إدارته وبأحوال بلاده في الداخل وفي العالم. بأهمية الشكل نفسه الذي ظهر فيه "بايدن" هو المضمون، الرجل ذكر أموراً تحدد إلى حد كبير مسار العالم إقتصادياً. من جهة أكد أن العالم سيظل معتمداً على النفط والغاز لعقد من الزمن على أقل تقدير. لأول مرة يقر "بايدن" من خلال خطابه أن التحول إلى الطاقة النظيفة لن يتحقق قريباً وأن كلامه عندما كان مرشحاً للرئاسة عام ٢٠٢٠ أنه سيوقف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة كان شعاراً إنتخابياً. في موضوع المنافسة مع الصين، أعلن "بايدن" أن الصين لم تعد قادرة على التفوق إقتصادياً على الولايات المتحدة وهذا أصبح جلياً مؤخراً. الأمر الثالث الذي أكده "بايدن" هو أن الدعم الأميركي لأوكرانيا لن يتوقف مهما طالت الحرب (As Long As It Takes) وهذا كلام يصدر لأول مرة عن مسؤول غربي. حتى أن الرئيس الأميركي ذهب أبعد واعتبر أن المعركة في أوكرانيا هي جزء من حرب الديموقراطيات ضد "الاوتوقراطيات" التي بدأت تخسر في العالم كله، وهذا يعني بالمنظار الأميركي أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تستمر طويلاً، حتى سقوط "بوتين".
كان من شبه المستحيل على الولايات المتحدة الذي تبجح رئيسها في خطاب الإتحاد أنها تكسب على كل الجبهات أن لا توقف العمل بـ"قانون "قيصر" أمام هول الزلزال. هذا فتح المجال أمام فرصة إقتصادية لسوريا والمنطقة. بالواقعية نفسها يجب أن يقرأ العالم جولة الرئيس الأوكراني "فلوديمير زيلنسكي" في أوروبا وأنه من خامة القادة المنتصرين ليس فقط لأن شعبه موحد بالكامل وراءه بل لأنه ألهم القادة الغربيين وذكرهم بروح الحرب العالمية الثانية التي أوصلتهم إلى الإنتصار، أي أن الدعم الغربي له لن ينضب. وبالترقب نفسه يجب فهم كلام الرئيس الأميركي في خطاب الإتحاد وحزمه في مسألة الصين والحرب في أوكرانيا وضرورة التعايش مع النفط لوقت طويل.