بقلم خالد عوض
الأحداث المتواصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعنف الإسرائيلي المتمادي بداية شرارة إنتفاضة ربما لن تنتهي هذه المرة كسابقاتها، ليس فقط لأن الكيل طفح بالفلسطينيين بل لأن الظروف الإقليمية المحيطة بإسرائيل، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا، لن تتعاطى بسلام مع ما تستعد أن تقوم به الحكومة المقبلة من ترسيخ للاحتلال وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.
حكومة تفجير
هناك مشكلة حقيقية في إسرائيل يختصرها هذه الأيام رئيس الحكومة المكلف "بنيامين نتنياهو" الذي يستعد لإعلان تشكيلة حكومية أقل ما يقال عنها أنها حكومة مصائب. الحكومة الإسرائيلية التي يحاول "نتنياهو" تأليفها قبل منتصف الشهر الحالي ستضم وجوها استفزازية من احزاب اليمين الصهيوني (مثل "ايتمار بن غفير") التي ساهمت في فوز "نتنياهو" وباتت تشترط عليه اليوم إعطاءها حقائب سيادية مثل وزارة الدفاع و وزارة المالية ووزارة الأمن الوطني التي تشرف على السجون وعلى المسجد الأقصى. وهي لا تخفي ولا تخجل من السبب الأول وراء مطالبتها بهذه الحقائب لأنها تريد بكل بساطة إنشاء المزيد من المستوطنات وضم معظم مناطق الضفة الغربية وتهجير آلاف الفلسطينيين من بيوتهم ومناطقهم وإطلاق يد المستوطنين في توسعة المستوطنات الموجودة حاليا. هذه ليست شعارات يمينية متطرفة تعودنا أن نسمعها خلال كل إنتخابات تجري في إسرائيل. هذه المرة هي أهداف بل خريطة طريق حكومة " نتنياهو" العتيدة، التي إن أبصرت النور ستدخل المنطقة العربية كلها في ظلام لا أحلك منه.
إسرائيل: حكومة أزمات أو أزمة حكومات
لن ينجح "نتنياهو" في تشكيل حكومته إذا أراد لجم أطماع حلفائه من كتلة اليمين المتطرف. لذلك لا بد وأن يسلمها بعض الوزارات الحساسة التي تؤثر مباشرة في مسار الإستيطان، وصولا ربما إلى إلغاء السلطة الفلسطينية كلها والاستيلاء الكامل على الضفة الغربية. إذا حصل ذلك يكون "نتنياهو" يقدم أفضل هدية لإيران، ربما تنقذها من المشاكل الداخلية التي تعاني منها. فالغضب الشعبي داخل وخارج فلسطين الذي ستخلفه قرارات حكومة "نتنياهو" ووزراء اليمين المتطرف فيها يبرر أي موقف تصعيدي لإيران عبر الفصائل الفلسطينية الموالية لها في غزة أولا وحتى عبر حزب الله اللبناني في سوريا ولبنان. وبدل أن تكون إيران في مواجهة العالم بسبب قمعها للشباب المتظاهرين وبسبب تجاوزها نسبة ٦٠ بالمئة في تخصيب اليورانيوم ستصبح إسرائيل هي الحدث وهي المشكلة. ورغم كل مساعي إدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن" لتخفيف بصمة التطرف في حكومة "نتينياهو" إلا أنها تواجه خيارا صعبا: إما تعطيل تشكيل حكومة "نتنياهو" وجر إسرائيل إلى إنتخابات نيابية سادسة خلال أقل من ثلاث سنوات من دون أي ضمانة لإمكانية تشكيل حكومة، أي تعطيل الحياة السياسية في إسرائيل، أو القبول بحكومة متطرفين ستجلب لها كل أنواع الأزمات إقليميا ودوليا.
الهروب من الزاوية
العالم كله يلاحظ هذه الأيام تغير اللهجة الأميركية حيال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". بعد أن نعته في بداية الحرب الأوكرانية "بالمجرم" الذي "يجب أن يذهب"، يعرض الرئيس " بايدن" عليه حاليا الحوار ويبدي إستعداده للتحدث معه "إن أراد وقف الحرب". حتى أن الإدارة الأميركية تدخلت مباشرة مع بولندا وبعض الدول الأوروبية لإقناعها بالقبول بالسقف الذي وضعه الإتحاد الأوروبي منذ أيام على سعر النفط الروسي أي ستين دولاراً . هناك بعض الدول التي كانت تعارض هذا السقف وتعتبره مرتفعا لأنه يسمح لروسيا بالإستمرار في تمويل حربها ضد أوكرانيا، ولكنها "اقتنعت" مؤخرا بوجهة النظر الأميركية التي تقول بأنه من الأفضل أن يستمر "بوتين" في تصدير النفط بسعر مقبول بالنسبة إليه، على أن يوقف التصدير نهائيا إذا كان السقف المفروض على نفطه منخفضا، فيسبب أزمة نفط عالمية. هذا التغير الأميركي يعكس مخاوف الإدارة الأميركية من ردة فعل غير محسوبة لـ"بوتين "بل ربما توفرت معطيات لديها أن الرئيس الروسي يحضر لشيء ما في الشرق الأوسط خاصة إذا بقي الضغط العسكري عليه في أوكرانيا. وعندما يكون حليفان مثل إيران وروسيا محشورين، واحد داخليا بسبب شبه إنقلاب شعبي على النظام والثاني عسكريا في حرب بدأها ولا يعرف كيف ينهيها، فإن الهروب إلى الى الأمام عبر افتعال حرب جديدة كفيل على الأقل بأن يشتري لهما الوقت. ولن تكون هناك مناسبة أفضل من وصول حكومة يمينية متهورة في إسرائيل لا سقف لجنونها وهناك مئة سبب وسبب لافتعال حرب معها.
أقل من أسبوعين تفصلنا عن المهلة التي أعطاها الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوغ" لـ" نتنياهو" لتشكيل حكومة جديدة. الأسماء وتوزيع حقائب هذه الحكومة ستقول الكثير عن مصير الوضع في فلسطين والمنطقة وصولا ... إلى أوكرانيا.