لفت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى "أنّنا عندما نتحدث عن الاغتراب في هذا الوقت بالذات، فإنّ أول ما يتبادر إلى ذهني هو العلاقة الوثيقة بين المقيمين على أرض الوطن واللبنانيين المنتشرين في كل أصقاع الدنيا"، مؤكّدًا أنّه لولا الدعم الذي يقدمه الانتشار اللبناني لأبناء الوطن، لكان وقعُ الأزمة التي يمرّ بها لبنان أشد إيلاماً وخطورة"، مشيراً خلال رعايته مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الثّالث، إلى أنّ "الجانب الاكثر أهمية هو وفاء اللبنانيين المغتربين والمنتشرين لوطنهم لبنان، وتعلقهم بوطنهم وانتمائهم العائلي، وهذا دليل على الأصالة اللبنانية، التي -أينما انتشرت في العالم- تحافظ على ولائها للوطن الذي ولدت فيه، وعلى وفائها للوطن الأول الذي ولدت فيه او تحدّرت منه... لبنان".
وركّز ميقاتي على أنّ "المغتربين هم الرئة التي يتنفس منها لبنان، بفضل خبراتهم المهنية التنافسية، والكفاءة والريادة المُعترَف بهما لهم حتى من قبل أشدّ المنافسين، وكذلك بفعل شبكة العلاقات الواسعة التي يتمتعون بها، وقدرة الربط والضغط والتأثير في مراكز القرار ، خاصة الإقتصادية والمالية والصناعية والتكنولوجية، في دول الانتشار".
وذكر أنّ "المؤتمر ينعقد اليوم على وقع أزمة الشغور الرئاسي المستمر منذ أشهر، من دون ظهور بوادر حل، بعدما تمترست الجهات الداخلية المعنية خلف مواقف لا تقبل التراجع عنها، وبعدما دخلت الوساطات الخارجية أيضا في دائرة المراوحة حتى إشعار آخر".
كما أعلن أنّ "في مواجهة هذه المراوحة، تستمرّ الحكومة في تسيير شؤون الدولة والمرافق العامة والمواطنين، والسعي قدر الامكانات المتاحة الى تلبية المطالب المحقة، وفق الصلاحيات الدستورية التي تلزمها بالاجتماع وتصريف الاعمال".
وشدّد ميقاتي على "أنّني أقول بكل ثقة، إن الحكومة تكاد تكون المؤسسة الدستورية شبه الوحيدة التي لا تزال تؤمّن استمرارية الدولة ومؤسساتها، بعدما تسلل التعطيل الممنهج إلى سائر المؤسسات بفعل الحسابات والتعقيدات السياسية التي تتحكم بعملها"، جازماً أنّ "حكومتنا لم ولن تتقاعس عن القيام بعملها، وعن المثابرة على التخفيف قدر المستطاع من حدة الازمات المتراكمة منذ سنوات طويلة، ولا نزال نعمل رغم الامكانات القليلة المتاحة على التخفيف من وطأة هذه الازمات"، مبيّنًا أنّ "ما فعلناه حتى الان لا يلبي طموحنا وطبعا لا يلبي طموح مطالب اللبنانيين حتما، ولكن الواقع يجعلنا نعتمد منهجية الحل الممنهج على مراحل، بدءا بتخفيف حدة ازمات الكهرباء والبنزين والدواء، وازالة مشهد الطوابير التي اتعبت اللبنانيين، وصولا الى ما نشهده من حركة في البلد، لم تكن لتتحقق لولا الاستقرار الامني واعادة الحيوية ايضا الى بعض القطاعات الاقتصادية التي نشهدها حاليا".
ولفتميقاتي إلى أنّه "بدا من الواضح من مجمل المواقف الاعتراضية التي نسمعها، أن استمرار الحكومة في مهامها لا يتوافق مع طموحات الجهات الساعية الى تعميم الفراغ، إما بحجة اعادة بناء المؤسسات وفق توازنات تشكل انقلابا على الدستور وروحيته، وإما للضغط في اتجاه تحقيق مكاسب فئوية او نجاحات شعبية مزعومة"، منوّهًا إلى أنّ "قدرنا أن نصبر على الافتراءات والاتهامات الباطلة، وبات ضروريا وضع النقاط على الحروف، منعا للتمادي في التضليل".
وأكّد ميقاتي أنّ "الحكومة ليست مسؤولة عن الفراغ الرئاسي، وعن الحروب السياسية المتجددة بين المكونات السياسية، وليست هي من يمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية"، مشيرًا إلى أنّ "الفريق الذي يتمترس خلف حفاظ مزعوم على صلاحيات رئيس الجمهورية، هو نفسه من مارس التعطيل لسنوات، ويتمادى في رفع التهمة المثبتة عليه بالصاقها بالاخرين، وبالسعي المستمر لتعطيل عمل الحكومة والتصويب على قراراتها".
وركّز ميقاتي على أنّ "في المقابل، ثمة من تستهويه وضعية "المعارضة"، فيصوب على عمل الحكومة لكسب شعبية مزعومة، وكأن البلد يتحمل مزيدا من الجدل والسجالات العقيمة"، وقال: "أنّني تعاليت كثيرًا على الافتراءات والاتهامات التي طالت الحكومة وطالتني شخصيا، لقناعتي بصوابية العمل الذي نقوم به لمصلحة البلد. واذا كان البعض اعتبر هذا الموقف ضعفا او تشبثا بالمنصب، فهو مخطئ جدا، ومخطئ اكثر من يعتقد إنه يمكنه ممارسة الوصاية على عمل الحكومة، فيحدد مسبقا ما يجب القيام به وما هي المحظورات والممنوعات، وفق ما يتم تسريبه مباشرة او بالواسطة".
وشدّد ميقاتي على "أنّنا بالحكومة نراعي الواقع الموجود في البلد، ودقة الموقف وخطورته، ونتفهم ان الناس ملّت السجالات والحملات، ولكننا لن نقبل بوصاية او بهيمنة علينا. فالدستور واضح نصا وروحا، ونحن نلتزم باحكامه ولا نبرمج عملنا وفق اهواء البعض ورغباته".
وتوجّه ميقاتي إلى المعترضين، قائلًا: "انتخبوا رئيسا جديدا باسرع وقت، فتنتفي كل الاشكالات المفتعلة. ارحموا الناس وأوقفوا افتعال تشنجات وسجالات لا طائل منها. توقفوا عن نهج السلبية ونمط التعطيل وعن الشحن الطائفي، وقد مررنا بالامس القريب بـ"قطوع" استطعنا تجاوزه بحكمة المعنيين ووعيهم"، مضيفاً : "ارحموا الناس الصابرة على اوجاعها، التي تصارع يوميا لتأمين قوتها وحياتها. فما من شعب تحمّل ربع ما يتحمله شعبنا واستطاع الصمود"، منوّهًا إلى أنّ "هذه هي ميزة اللبناني المنتفض دومًا على اليأس، الذي يمتلك ميزة حب الحياد والاصرار على النهوض".