بقلم خالد عوض
مليونا برميل نفط يوميا، بأسعار اليوم المخفضة لآسيا تساوي أكثر من ١٥٠ مليون دولار أي حوالي ٥٥ مليار دولار سنويا. هذا ما تبيعه السعودية لأكبر زبون نفطي لديها، الصين. العلاقة بين الدولتين مبنية على التكامل النفطي، وعلى مصالح إستراتيجية عديدة تنطلق من هذا التكامل. من دون السعودية سيصعب على الصين تأمين حاجاتها من الطاقة التي ستستمر في التزايد. وليس من السهل على السعودية أن تستبدل زبونا نفطيا يشتري وحده أكثر من ربع صادراتها النفطية. هذا التلازم في المصالح هو القاعدة لعلاقة إستراتيجية واسعة للصين مع السعودية ومن خلالها.
الصين أولى إقتصاديا أم ثانية؟
من المؤكد أن كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي خلال مشاركته في قمة الرياض العربية منذ أيام أنه يجب تطوير العلاقات مع الصين لأنها ثاني إقتصاد في العالم لم يلق إستحسان ضيف القمة الرئيس الصيني "شي جين بينغ"."شي" مقتنع أن بلاده يمكن أن تزيح الولايات المتحدة عن المرتبة الإقتصادية الأولى في العالم خلال عشر سنوات أو أكثر بقليل، إذ أكد في عدة مناسبات أن ناتج الصين المحلي يمكن أن يتضاعف عن مستواه اليوم قبل عام ٢٠٣٥ أي أن بإمكانه تخطي ٣٥ ألف مليار دولار أي الناتج المتوقع للولايات المتحدة في ٢٠٣٥، ولكن بغض النظر عن مستوى الناتج المحلي للبلدين من المهم الإضاءة على أمر إقتصادي في غاية الأهمية. أكثر من ٦٨ بالمئة من الناتج المحلي الأميركي مرتبط بالسوق الأميركي الداخلي أي بالإستهلاك داخل الولايات المتحدة. في المقابل لا يتخطى الإستهلاك الصيني ٣٨ بالمئة من الناتج المحلي والباقي كله في الخارج. هذا يعني بحسابات اليوم أن مدخول الصين من العالم كله يقارب ١١ ألف مليار دولار (حوالي ٦٢ بالمئة من ناتجها المحلي المقدر ب١٨ ألف مليار دولار هذا العام) ، بينما تجني الولايات المتحدة من العالم ٣٢ بالمئة من ناتجها المقدر ب ٢٥ ألف مليار دولار أي ما يناهز ٨ آلاف مليار دولار. بالنسبة لمعظم دول العالم إقتصاد الصين أصبح في المركز الأول من حيث الأهمية التجارية والصناعية وهذا ما يتصرف على أساسه الرئيس الصيني.
الرؤية والشراكة
هناك عدة أمور إستراتيجية تؤسس لعلاقة مستدامة بين الصين والسعودية تم الخوض فيها خلال زيارة الرئيس الصيني للرياض. النفط ومشتقاته هو الأمر الأول فهو يشكل نسبة ٧٠ بالمئة من التبادل التجاري بين البلدين. التعدين والصناعة القاعدة الثانية. السعودية تريد أن تصبح قاعدة صناعية إستراتيجية في المنطقة وهي تكتشف يوما بعد يوم مناجم غنية بالمعادن مثل الفوسفات والذهب والنحاس ويمكن للصين، مصنع العالم من جهة والتي تتحكم في مناجم عديدة من جهة ثانية، المساهمة في الثورة الصناعية والتعدينية التي تحضر لها المملكة. التكنولوجيا تشكل المساحة الثالثة للتعاون لأن السعودية حريصة على تطوير الإقتصاد الرقمي واستخدامات الذكاء الصناعي ويمكن للصين أن تقدم الكثير في هذا المجال. وفي موازاة كل ذلك هناك رؤية المملكة ٢٠٣٠ والمشاريع العملاقة المزمع تنفيذها داخل السعودية والتي بحاجة لقدرات تنفيذية هائلة، أكثر ما تتمتع بها الشركات الصينية التي نفذت مشاريع بنفس الضخامة داخل وخارج الصين خلال الثلاثين سنة المنصرمة. الرؤية السعودية الطموحة بحاجة إلى شركاء تنفيذيين قادرين وملتزمين والصين اليوم في مقدمة هؤلاء.
خيارات سياسية أوضح
يعرف الرئيس الصيني جيدا أن علاقة الصين بإيران كانت مصدر قلق عند دول الخليج والسعودية، وهو لم يأت إلى المملكة لتوقيع اتفاقيات بالمليارات من دون حسابات سياسية وإستعداد لإعادة ترتيب الأولويات الإستراتيجية للصين في المنطقة. فمقابل ثورة الحجاب في إيران وجد في السعودية إستقرارا على كافة الصعد وخططا طويلة الأمد ورؤى إقتصادية لا علاقة لها بالحروب والأزمات وانفتاح على الشرق والغرب لا تهدده عقوبات من هنا وخلافات عبثية من هناك. الرئيس الصيني أمامه هدف واضح وهو جعل الصين أكبر قوة إقتصادية وتكنولوجية وصناعية في العالم ولا يريد أي عرقلة لذلك. قالها له الرئيس الأميركي "جو بايدن" في بالي منذ شهر: لنتفق على أن تكون المنافسة شرسة بكل معنى الكلمة ولكن من دون أي مواجهة. إيران وروسيا مشاريع مواجهة لن تساعد الصين في تطلعها إلى الريادة الإقتصادية العالمية. يمكن أن تكون أوراق تفاوض في مرحلة ما، وهي ليست أكثر من مصادر إضافية للطاقة بأسعار منافسة ولذلك لا تستأهل تصعيدا لأي نزاع مع منافس الصين وشريكها التجاري الأول في نفس الوقت، أي الولايات المتحدة.
من السعودية تفتح الصين صفحة سياسية جديدة مع الشرق الأوسط حيث لم تكن لها أي سياسة واضحة خلال العقود الماضية. عنوان هذه السياسة هذه المرة واضح كالشمس: الاقتصاد. من المؤكد أن كلام ولي العهد السعودي حول نية السعودية توأمة حزام وطريق الحرير هو أحب ما سمعه "شي حين بينغ" في زيارته للمملكة، التي بما لها من ثقل ونفوذ في الشرق الأوسط والعالم العربي ستكون بوابة الصين الأوسع والأكثر أمانا إلى المنطقة.