بقلم عبير أنطون
لا تخلو نشرة التحكم المروري في كل يوم في لبنان من لائحة صبايا وشباب، نساء ورجال واطفال لقيوا حتفهم او اصيبوا بجروح بليغة او بإعاقات جسيمة. الحديث عن الاسباب اضحى معلوكا، من تجاوز السرعة المخصّصة، والتجاوز الخاطئ، وعدم التقيّد بأولويات المرور، إضافة الى القيادة في الاتجاه المعاكس للسير، وعدم مراعاة آداب المرور عند التعامل مع الركاب والمشاة، فضلا عن عدم اهلية الطرقات وغياب الاضاءة والاشارات المرورية التي انطفأت انوارها وسط الازمة وهلم جرا الى الحفر وسرعة السائقين وتهور بعضهم، والشاحنات المحملة فوق طاقتها والدراجات النارية الفالتة على عواهنها والسيارات التي لم تعد تزور الميكانيكي بسبب نار الاسعار، أضف اليها سرقة مستلزمات السلامة العامة على الطرق ومنها إشارات الدلالة وإرشاد السائقين، والتي تتم ليلاً من قبل عصابات منظمة.
هذه الارواح التي تزهق على الطرقات، تزنر بالحزن عوائل الفقيد او الفقيدة، وتتخذ طابعا اكبر لما يكون الراحل شخصا معروفا او تحت الضوء...حادثة الفنان الشاب جورج الراسي مؤخرا على طريق المصنع ذكرتنا بحادثة الممثل الشاب الراحل عصام بريدي الذي خطف وهو في عزّ عطائه ايضا في حادث مماثل عند منطقة الدورة.
المنظمات والناشطون في التوعية حول حوادث السير خلايا نحل "برى لسانها" وهي تحذّر وتُخطر وتترجى المسؤولين لتحمل مسؤولياتهم والسائقين للانتباه، وتعقد الحملة تلو الاخرى، عل"الصوت يودي". وعلى هذا الخط ومن حادثة جورج الراسي حملة جديدة ... فما الذي فيها ومن هم القيمون عليها؟
"الافكار" تكشف الجواب!...
نهارالسبت الواقع في السابع والعشرين من شهر آب( أغسطس) المنصرم كان يوما مشؤوما على عائلة الراسي. فقد استفاقت مع جمهوره على خبر اعلان وفاة ابنها الفنان جورج البالغ 39 عاما على إثر اصطدام سيارته بحاجز وسطي في محلة المصنع في النقطة الفاصلة ما بين الحدود اللبنانية والسورية، بينما كان قادما من الحدود السورية. وقد نشرالدفاع المدني اللبناني حينها تغريدة عبر تويتر كشف فيها عن الحادث من دون تحديد هوية الضحيتين، وبأن عناصره استعانوا "بمعدات الإنقاذ الهيدروليكية" نظرا إلى "تضرر هيكل السيارة بشدة نتيجة قوة الحادث". وقد نقلوا الجثتين إلى المستشفى في بلدة تعنايل المجاورة.
اما جمعية "اليازا" المعنية بالسلامة المرورية فنشرت عبر حسابها على "تويتر"، فيديو من مكان وقوع الحادث الذي أودى بحياة الفنان الراسي والشابة زينة المرعبي، مشيرة الى أنّ "خللًا كبيرًا في غياب الحماية على الفاصل الوسطي كان له دور كبير في الماساة"
الطريق عينه، مكان وقوع الحادث كان شهد العديد من الحوادث القاتلة، بسبب وجود فاصل إسمنتي ضخم يظهر فجأة، في منتصف الطريق ذي الاتجاه الواحد، دون أي تنبيه، ودون أي تدخّل من الدولة لتصحيح الخلل القاتل، ولاجل ذلك سمي بـ"طريق الموت" ما حدا بالفنانة الكبيرة ماجدة الرومي بالاعلان من خلال مكتبها عن "تكفّلها بتأهيل الطريق الدولية بين لبنان وسوريا حيث لقى جورج الراسي مصرعه. وقد شاركت الرومي مُتابعيها على تويتر مجموعة صور تظهر بدء ورشة إصلاح الطريق، وأرفقته بتعليق: "ما جيت صادق دموع، ولا دين الظلام، جيت إهدي العتمة شموع" لتشكرها الفنانة نادين الراسي بتوجيه "ألف تحيّة لأُختنا الغالية والحبيبة ماجدة الرومي وللجيش اللبناني بدمّك يا خَيّي تحوّلت طريق الموت إلى طريق عبور".
وكان عقب الحادث اعلن وكيل عائلة الفنان الراحل جورج الراسي المحامي أشرف الموسوي أن العائلة في صدد تقديم شكوى قانونية أمام القضائين الجزائي والمدني ضد الدولة اللبنانية وكل من يظهره التحقيق في جرم مخالفة أبسط قواعد السلامة العامة على طريق المصنع ما أدى الى مقتل الراسي بحادث سير نتيجة اصطدام سيارته بالحاجز الوسطي في المنطقة. كما أشار الموسوي الى ان العائلة ستتقدم بالشكوى ضد الدولة وايضا ضد المتعهدين الذين نفذوا هذه الطريق.
اكثر من ضحايا المرفأ...
حادثة جورج لاتعكس سوى الواقع الكارثي الذيً تعيشه السلامة المرورية في لبنان، ما دفع الجمعيات والجهات المعنية الى رفع الصوت عالياً في سبيل التحذير من "المأساة"، المرجح استمرارها وتدهورها، في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها البلد، خاصة إذا ما اخذنا كمثال الارقام التي نشرت في العام 2020 والتي تبيّن من خلالها انه" في حين تسبب انفجار مرفأ بيروت عام 2020 بمقتل نحو 220 شخصاً وإصابة أكثر من 7 آلاف بجروح، سجل العام نفسه مقتل 412 شخصاً وجرح 4173 شخصاً في لبنان اي انه حصد اكثر ما حصده الانفجار الرهيب". ويقول جو دكاش من جمعية"يازا" انه إ"ذا ما احتسبنا عدد القتلى بالنسبة إلى عدد الكيلومترات المقطوعة، يمكن القول إن لبنان يسجل واحداً من أعلى معدلات ضحايا حوادث السير في الشرق الأوسط، وقد يكون من بين أعلى الدول عالمياً".
لعيونك...
الى الحملات العديدة حول السلامة النرورية تنضم "لعيونك حبيبي"، حملة جديدة أطلقتها نقابة محترفي الموسيقى والغناء في لبنان وجمعية "القلب الدافئ"، بالتعاون مع وزارة الأشغال وقوى الأمن الداخلي، إهداءً لروح الفنان جورج الراسي، وهي تُترجم بأعمال تأهيل لفواصل وأطراف أرصفة وطرقات مختلفة.
حول الحملة يشير نقيب محترفي الموسيقى والغناء في لبنان فريد بو سعيد ان "قضية جورج الراسي أصبحت قضية رأي عام كون الفنان هو بالدرجة الأولى مواطن قبل أن يكون فنانا، والفنانون معنيون بالأمور التي تخص مجتمعهم، ولذلك تلاقوا مع جمعية
"Warm Heart "
(القلب الدافئ) بهدف ترميم وتحسين وضع الطرقات والفواصل في مختلف أرجاء لبنان. "لقد خرجنا بمشروع قائم على ترميم الأماكن الخطرة في جميع طرقات لبنان، ووضعنا أرقام النقابة والجمعية بتصرّف الجميع لكي نكون حاضرين دوماً"، مضيفا"هدفنا إنسانيّ بحت، وأن نخفّف من المآسي والموت على الطرقات، ونترك تفاصيل ما حدث مع الراسي في يد القضاء كي يحدّد الجهة المقصّرة".
بدوره يعتبر الناشط رمزي بو خالد أن "حملة لعيونك حبيبي" هي صرخة كل أم، أب، شقيق، وشقيقة. هي صرخة في هذه الظروف الصعبة. الحملة هي صرخة وعليها أن تكون حافزاً لنا كي لا نقع في اليأس أو نستسلم، نريد أن نستبدل الإهمال بالاهتمام بالمواطن اللبناني الذي يعيش ضمن الانهيار...وسنخلد اسم الفنان الراحل جورج الراسي وسنحول هذه الذكرى إلى موضوع إيجابي في مستقبل لبنان، ليختم :" كلنا مدعوون، المجتمع المدني، الأفراد،الجمعيات إلى التماسك والإتكال على أنفسنا لحماية مجتمعنا والوصول إلى النتائج المرجوة، داعيا "مجلس النواب إلى المبادرة لتشريع قوانين تحفظ وتحمي السلامة المرورية"، كما دعا مجلس الوزراء إلى أن يتلقّف المشاريع التي تعرض عليه، والتي تحفظ تحقّق سلامة المواطن والسلامة المرورية.
اما مؤسس ورئيس جمعية
"Warm Heart "
(القلب الدافئ) سعيد ميلان فسأل: "إننا نعيش في أزمة، فماذا تتوقعون؟ يجب علينا أن نأخذ المبادرة ونعيش التغيير الذي نريده. غنى الفنان الراحل "بتهون أيام عذاب لعيونك حبيبي"، فلعيونك يا جورج لن ننساك ولعيون عائلة الراسي لن تكون هذه نهاية القصة وسنحول الخسارة إلى نشر الوعي والسلامة لإنقاذ الأرواح".وأوضح ميلان أن "الجمعية ستقوم ضمن الإمكانيات المتاحة باستعمال الطلاء الفوسفوري والإشارات العاكسة لعيون كل سائق وسائقة لجعل الطرقات أكثر أمانا. وقد بدأنا بالأعمال من فرن الشباك، والهدف في المرحلة الأولى ستكون طريق الشام الدولي".وحض ميلان السائقين على التحلي بالمسؤولية والوعي أثناء القيادة "وإذا مش كرمالكن، لعيون أهلكن ويللي بحبوكن".
ضوء في العتمة..
حول الحملة والقائمين بها شكر والد الفنان جورج الراسي" النواة الصالحة في الإنسان اللبناني التي لا تزال حاضرة، مصابنا كبير ولكن عزاءنا كبير بوجود الأحبّة حولنا، مضيفا: "المحبة والإنسانية لا تزالان موجودتين في لبنان، وصحيح أننا خسرنا ابننا، لكننا ننظر إلى أن الخسارة كانت بداية للإصلاح".
وختم قائلا: "أملنا أن نفلح في إنارة ضوء صغير في هذه العتمة الكبيرة، وعسى أن يلهم الله المسؤولين صحوة الضمير، لأنّ الخسارة التي تحصل على الطرقات تدمّر عائلات منهيا بتمنيه "الحد من الخسائر البشرية على الطرقات اللبنانية".