كان عبد الحليم حافظ المولود في 21 حزيران(يونيو) 1929، يُعلي من قيمة التسامح الديني، ويؤمن بأن صوته حينما يغني لا يفرق بين الأذُن المسلمة ومثيلتها المسيحية.هذا ما كتبه اشرف غريب في موقع "المدن"عن الفنان المصري الكبير عبد الحليم حافظ مضيفا انه" حتى في حياته الخاصة كان ذلك واضحاً، فنقاط التماس بينه وبين الديانة المسيحية كثيرة ومتداخلة ومليئة بالأسرار والمفاجآت، لدرجة أنه فكّر ذات مرة في الزواج من فتاة كاثوليكية أجنبية اسمها "دوغي" -حسبما ذكر صديقه الصحافي منیر عامر الذي صاغ مذكرات العندليب- لكنه خاف من غضبة جمهوره وعدم تقبله لهذه الخطوة، ولعله لم يكن جاداً في هذه الفكرة لأنه، وبحسب أوراق منیر عامر أيضاً، تعامل بسخرية مع هذا الموضوع إذ قال: سأتزوجها صباحاً وأهرب من جمهوري ليلاً لأعود إليها".
ويقول الكاتب انه كان لعبد الحليم أصدقاء أقباط في مسقط رأسه بمدينة الزقازيق في دلتا النيل، وكذلك في معهد الموسيقى المسرحية الذي تخرج فيه العام 1949، أبرزهم ناجي فانوس، وانه عن طريقهم تعرّف حليم على بعض طقوس المسيحيين. الا أن أهم نقاط تماسه مع الديانة المسيحية كانت علاقته بالقديسة سانت تريز وكنيستها الشهيرة في حي شبرا في القاهرة. ففي منتصف الخمسينيات، وبينما كان يجني ثمرة أول نجاح فني حقیقي، تعرض حليم لأول أزمة صحية كبرى وسافر على إثرها إلى إنكلترا. ويروى عبد الحليم أنه رأى في المنام ذات يوم، وهو في لندن، سيدة تخبره بأنه سيشفى ويتجاوز أزمته الصحية، وأنه عندما سألها عن اسمها قالت له اسمي "تريز"، وفي الصباح استيقظ حليم على صوت أحد الأطباء الإنكليز يخبره بأنه شُفي ويستطيع العودة إلى القاهرة.
يومها، ملأت الصحف المصرية صفحاتها كلاماً عن أن حليم قد شفي تماماً، وأنه عائد لبلده وفنه في أتم صحة. أما حليم نفسه فكان في هذه الأثناء مشدوداً إلى سانت تريز التي زارته في المنام، خصوصاً بعدما عرف مكانة هذه القديسة في نفوس المسلمين، تماماً مثلما هي عند المسيحيين وخصوصاً الكاثوليك منهم، فانتهز أول فرصة وزار كنيستها في شبرا، ووضع لوحة باسمه تعبّر عن امتنانه وتقديره لهذه القديسة.وبعد أشهر أو سنوات، زاره في منزله وفد من كنيسة سانت تريز يشكو تهدم جدارها، فسارع على الفور بتحمل نفقات بناء الجدار الجديد، بل ظل حليم ممتناً للقديسة تريز، متحدثاً عن كراماتها، لدرجة أنه اصطحب "إش إش" أو عائشة ابنة الموسيقار محمد عبد الوهاب، في زيارة للكنيسة الشهيرة في شبرا العام 1961، وبعد عشر سنوات اصطحب المطربة نجاة الصغيرة في زيارة مماثلة إلى سانت تريز حينما كانت نجاة تمر بأزمة نفسية كبرى، وتركت الزائرتان لوحتين تعبران عن تقديرهما للقديسة.
ولا ينسى الكاتب ان يشير الى أن شركة "صوت الفن" التي كان يملكها عبد الحليم بالشراكة مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، هي التي أنتجت فيلم "الراهبة" من بطولة هند رستم وإخراج حسن الإمام العام 1965 .
كذلك يضيف الكاتب انه"ربما لا تكون فكرة أغنية "المسيح" التي غناها حليم في قاعة "ألبرت هول" في لندن العام 1968 فكرة عبد الحليم نفسه، لكنه أكثر من تحمس لها وحملها على كتفه متصدياً لكل الضغوط والعقبات التي واجهته، وأبرزها محاولة الاغتيال التي تعرض لها في العاصمة البريطانية. صحيح أنها لم تكن أغنية دينية بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما كانت أغنية وطنية استلهم فيها صانعوها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والملحن بليغ حمدي والموزع على إسماعيل وعبد الحليم بالطبع مأساة المسيح مع اليهود، ليربط بينها وبين ما حدث للشعب الفلسطيني على أيدي الإسرائيليين، لكنه تحلّى بالجرأة في استلهام الصورة وتحمّله تبعات التجربة من دون خوف أو حساسية.
ولا تنتهي علاقة العندليب بهذا الملف، أو قل مفاجأته. فقد اكتشفت أسرته قبل سنوات قليلة، وبمحض الصدفة، دبوساً مختبئاً خلف ياقة إحدى بذلاته لم تكن أيدي أفراد الأسرة قد وصلت إليها طوال السنوات التي أعقبت رحيله في 30 آذار(مارس) 1977. حمل هذا الدبوس صورة السيدة العذراء، وهو ذاته الذي كانت قد أهدته إياه مواطنة عربية لبنانية مقيمة في أوروبا ليلة غني في الألبرت هول أغنية "المسيح" العام 1968. وشرحت أسرة العندليب هذا الاكتشاف بأن تلك البذلة كانت من بين الملابس المعدة كي تكون ضمن مقتنيات متحف عبد الحليم.