بقلم وردية بطرس

سارة ابراهيم هي فنانة لبنانية تعلمت الفن بنفسها، فالفن بالنسبة اليها هو عندما تشعر أن المواد التي تمسكها بين يديها تتكلم معها وتدفعها الى الابتكار. سارة تستخدم دائماً بصمتها لتترك جزءاً منها في القطع التي تبتكرها وقد ارتبطت فكرتها الأساسية بمجموعة "غايا" من "داماس" التي تتمحور حول نساء الغد... فالبصمة هي مفتاح تميّز كل شخص عن الآخر، وتعمل مثل كلمة السر للحاسب الشخصي وهي بمثابة فك الشفرة المغلقة، لذا فان البصمة شيء فريد ومميز لكل شخص.

وتظهر بصمات أصابع الفنانة المبدعة سارة ابراهيم في هذه القطعة الفنية. فما من شيء أكثر ندرة وجمالاً من المرآة. وعندما ينعكس الضوء على هذه البصمات، تخبرنا سارة أنه هنا يكمن السحر. ففي تلك اللحظة تشعر أن القطعة على قيد الحياة وطرق التدفق أو الأمواج أو الهواء بين تلك البصمات التي تجسّد العواطف والمشاعر المختلفة التي تختبرها المرأة خلال مرضها. وفي الوقت نفسه يمكن رؤية المرأة عند أطراف هذه القطعة حيث تظهر أن المرآة تستطيع أن تخلق الأمل بغد أفضل. فهي ترى دائماً الجانب المشرق في الأمور. وتستطيع أن تصنع المعجزات.

ولنعرف أكثر عن صناعة اللوحات عبر استعمال الجفصين تحدثنا مع الفنانة المبدعة سارة ابراهيم ونسألها أولاً:

لماذا تطلقين على عملك الفني "بصمات أصابع لا تُعد ولا تُحصى"؟

لأن كل دائرة تتكون واحدة تلو الأخرى باستخدام أصابعي ثم يتم ربطها معاً لبناء قطعة مميزة فريدة، لذلك اذا اقتربت يمكن ملاحظة بصمات أصابعي مختومة على الدوائر. ولطالما كانت الحقول والريح مصدر الهامي بالنسبة الي. فلقد نشأت في قرية صغيرة تُسمى زغدرايا في منزل والديّ الذي كان محاطاً بالحقول والجبال. وطبعاً هذا أثر عليّ كثيراً لذلك تجذبني كثيراً الحقول والجبال. ومنذ صغري قضيت ساعات لا تُحصى في استكشاف جمال الطبيعة في الحقول، والشعور بالريح على وجهي والاستماع الى الأشجار.

وتتابع:

والآن أعيش خارج بلدي لأكثر من عقد من الزمان، وهذا الفن هو طريقتي لاعادة الاتصال بجذوري، وانشاء هذه القطع هو جسر يجلب المشاهد والأصوات والمشاعر والذكريات المحفورة في ذهني.اذا أغمضت عيني يمكنني أن أتذكر، يمكنني أن أشعر، يمكنني أن أشم، وأستطيع أن أعيش تلك اللحظة، أستطيع أن أرى نفسي جالسة في الحقل في زغدرايا لا أسمع شيئاً سوى الريح أستطيع أن أرى كيف تحرك الريح العشب، كيف الأشجار ترقص بسبب الريح أشعر بالريح تهب في شعري أشعر بالسلام والصمت والصفاء.

ومن خلال القيام بهذا النوع من الفن أعتقد أنني أحاول رسم هذه الذكرى. وأعتقد أنني أحاول رسم حركات الريح السلمية هذه في الميدان، أو ربما أحاول أن أقدم لكم السلام في هذه اللحظة.

بصمتي على اللوحات

كم يتطلب من وقت صنع اللوحات من الجفصين؟

بداية أود أن أقول أن كل لوحة مصنوعة من آلاف الدوائر. وهذه الدائرة عليها بصمتي. تخيلي كم أن اللوحة كبيرة وعلي أن أعجن حبوب الجفصين بيدي التي عليها بصمتي لكل أحصل على هذه النتيجة... وبالنسبة للوقت الذي أحتاجه لصنع هذه اللوحات من اسبوعين الى أربعة أسابيع وهذا الأمر يعتمد على حجم اللوحة أو لون اللوحة أو اذا طُلب صنعها من ورق ذهبي اللون ولكن بالاجمال أحتاج من أسبوعين الى ثلاثة أسابيع للقيام بهذا العمل.

بصمات الأصابع التي لا تُحصى

كيف طورّت نفسك لتجمعي ما بين النحت والجفصين والكادر الذي تصنعيه؟

قررت العمل بالجفصين، ولكن عندما تقولين الجفصين فلا يخطر على بالك هذا، لأن الجفصين هو بودر تضيفين اليه الماء وأيضاً "غلو" لكي أحصل على العجينة، وأقطع العجينة كل واحدة منها على حدا وأصنع منها ما أسيمته "Fingerprint"أو بصمة الأصبع. وتحمل اسم المجموعة التي أصنعها "Countless fingerprint" بصمات الأصبع التي لا تُحصى لأنها بالفعل مصنوعة من بصمات لا تُحصى من هذه الدوائر.

الشغف بالفن

الى أي مدى تشعرين بالسعادة أثناء العمل بمجال الفن والنحت وغيرها؟

طبعاً الفن يعطيني الكثير لا سيما أنني أشعر بسعادة كبيرة أثناء القيام بهذا العمل الفني. ولا شك أن الفن أساسي في حياتي لهذا أقضي وقتي بهذا العمل. ويسعدني أنني دخلت هذا العالم وتمكنت من تحقيق حلمي وهدفي لأنني اخترت هذا المجال بقناعة وشغف. لا تتخيلي الشعور الجميل الذي يمنحني الفن خصوصاً باستعمال الجفصين، وأيضاً ترك بصماتي على اللوحات ان البصمة أمر مهم ومميز.

وحينما ننظر الى لوحة ما على سبيل المثال لا نفكر في بادىء الأمر الا بالتمتع بما تفضي اليه اللوحة. انها في الوهلة الأولى تشدّني الى تفاصيلها الممتعة، والى متعتها التي تتحسسها عميقاً في عينك الباصرة والذائقة، وفي روحي التوّاقة للجمال، وفي تذوّقها الخلاّق. انها تمحني متعة البقاء على قيد التأمل والالهام والتذوّق.

الفن وضرورته للانسان للتخلص من التوتر والقلق

ما أهمية الفن في حياة الانسان وكيف يساعده للتخفيف من التوتر والقلق والكآبة وما شابه؟

أولاً: الفن يخفف التوتر العقلي ويساعد على التواصل، ويوفر فرصة للانسان ليختلط بالآخرين. لقد أكدت الكثير من الدراسات أنه مفيد للصحة العقلية ومرونة الخلايا، وعندما يقرر الانسان انشاء لوحة فنية يعتقد أنه بحاجة الى لوحة متقنة أو نحت كامل الدقة، الا ان الأبحاث أكدت أن الانسان لديه رغبة فطرية من أجل التعبير عن النفس عن طريق الكتابة أو الرسم أو الحرف اليدوية وهي نوع من أنواع العلاج بالفن. ثانياً: يساعد الفن على تخفيف القلق النفسي وعلى هدوء النفس والبعد عن التوتر والقلق أي يشعر الانسان بحالة من الاسترخاء، كما أنه يساعد على الاستشفاء من بعض الأمراض من خلال تهدئة العقل، ودلت على ذلك الأبحاث المتعلقة بتأثير الفن البصري الذي يقلل من مستويات الاجهاد وذلك بتأثيره على هرمونات الجسد مثل مستويات هرمون التوتر خلال الجدول الأسبوعي، فالقيام بممارسة الفن حوالي 45 دقيقة خلال الأسبوع برسم فني أو جلسة فنية يؤدي الى تعزيز الاحساس بالرفاهية ويقلل من التوتر ويساعد على قبول الانسان لنفسه مما يؤدي لتضاعف المشاعر الايجابية لأنه يضع الانسان في حالة من الهدوء والتأمل.

وتتابع:

ثالثاً: الفن يحسّن من مهارات التواصل، تحسين القدرة على التواصل الانساني، كما يؤدي الى تنشئة اجتماعية سوية ويتم ذلك من خلال التأثير النفسي للفن على الانسان بتقليل مشاعر الوحدة أو العزلة، أي أن الفن ضرورة انسانية لا مناص منها، وأداة تعبيرية عن ما يختلج النفس من مشاعر أو عاطفة، فالفن يعبر الحواجز اللغوية والثقافية ويصفي الذهن ويحسّن الادراك.رابعاً: الفن يعزز الثقة بالنفس، حيث يساعد الفن النفس البشرية بقدرته الذاتية على اختلاج المشاعر، وتقوية النفس بتعزيز القدرات الحسية وتغيير منظومة الفكر أي يحسن للانسان صورته الذاتية أمام نفسه فيعزز ثقته بنفسه داخلياً، لأن الانسان يبدأ في اكتشاف قدراته الابداعية، فيعزز التركيز ويساعد على انتاج "الدوبامين" وهو ناقل عصبي يحفز الخلايا العصبية على البناء ويساعد في عمليات التعلم، فيمنح الشعور بالانجاز والرضا وتحقيق الغاية.