الراعي يستقبل البابا في عمان كرئيس لمجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق ويرافقه الى الأراضي المقدسة!
تكاد مواكبة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، البابا <فرنسيس> في زيارته التاريخية للأراضي المقدسة، خصوصاً الى القدس وبيت لحم في فلسطين، تغطي على توجّه السياسيين ومجلس النواب اللبناني الى وضع البلاد في حال من الفراغ القاتل والكبير في سدة رئاسة الجمهورية، بعد تعذّر حصول الانتخاب للرئيس العتيد من جهة، وعدم توافر النصاب لهذا الانتخاب من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة، وهذا هو بيت القصيد، عدم حصول ما يسمّى بالتوافق أو الاتفاق حول اسم مرشح يكون ممثلاً فعلياً للمكوِّن الوطني ويجلس على الكرسي رقم واحد ويباشر بوضع أسس الدولة العصرية التي يحلم بها اللبنانيون، خصوصاً الشباب منهم.
ما أن أعلن البطريرك الماروني الكاردينال الراعي وهو في مزار السيدة مريم العذراء في مدينة <لورد> الفرنسية، حيث ترأس الاحتفال العالمي بيوم المريض بوصفه كاردينالاً من كرادلة الكنيسة الكاثوليكية عن <ترحيبه بدعوة البابا له كرئيس أكبر الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، وكرئيس مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق، للقيام الى جانب البابا بزيارة حجّ للأراضي المقدسة>، حتى بادرت جهات سياسية وإعلامية الى رفع الصوت بالاحتجاج ليس على زيارة البابا <فرنسيس> للأراضي المقدسة، بل على قبول البطريرك الماروني الكاردينال الراعي مرافقة البابا في هذه الزيارة وحتى من دون أن يحاول أصحاب هذه الأصوات السؤال عن الأسباب والدوافع والمبررات، وكأن بطريرك الموارنة ذاهب الى القيام بزيارة لدولة اسرائيل التي احتلّت أجزاء من فلسطين وطردت الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم، وأصبح جزء كبير من هؤلاء من اللاجئين المقيمين في لبنان والى أجل غير مسمى...
طبعاً أصحاب هذه الأصوات لم يرفعوا صوتاً واحداً بالاحتجاج عندما زار رئيس دولة اسرائيل <شيمون بيريز> عواصم دول عربية وألقى فيها محاضرات وشارك في ندوات، أو حتى عندما أقامت دول عربية ولا تزال علاقات ديبلوماسية وممثليات تجارية وثقافية مع دولة اسرائيل بعد الاعتراف بهذه الدولة، أو طرح أحد الصوت بالمقلوب عندما قام رئيس وزراء العدو <بنيامين نتانياهو> مع وزير الصحة في حكومته ورئيس أركان جيشه ووزير دفاعه، بتفقد مئات الجرحى السوريين والأجانب في الحرب السورية، أولئك الذين كانوا وما زالوا يتباهون بمبادرة معالجتهم في المستشفيات داخل إسرائيل.
كيف ولماذا الزيارة؟
بعد انتخاب البابا الجديد رئيساً لدولة الفاتيكان وللكنيسة الكاثوليكية <فرنسيس>، قرّر القيام بزيارة حجّ تاريخية كسلفيه البابوين <بولس السادس> و<يوحنا بولس الثاني> للأراضي المقدسة والأماكن المقدسة، وبالتحديد لمدينة القدس التي لا يعترف الفاتيكان ولا البابا طبعاً بأنها عاصمة لدولة اسرائيل، بل يصرّان على اعتبارها أرضاً محتلة من الاسرائيليين، تماماً كما هي مدينة بيت لحم التي فيها ولد السيد المسيح ومنها وعبرها انطلقت الديانة المسيحية. فهل يعقل أن يزور البابا <فرنسيس> منطقة الشرق الأوسط ولا يكون البطريرك الماروني الكاردينال الراعي رئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في طليعة مستقبليه؟!، وفي الوقت ذاته، فإن مواقف الفاتيكان والبابا كانت على مرّ العصور تدين احتلال فلسطين وتشريد وتهجير الفلسطينيين وسلب أراضيهم وإقامة مستوطنات لليهود مكانها، ولا تزال تدان بقسوة من البابا ومن الفاتيكان وموضع خلاف واسع بين الدولة الفاتيكانية والدولة العبرية، خصوصاً توجه اسرائيل لتحويل دولة اسرائيل الى دولة يهودية، كما دول عربية لها وزنها، أعضاء في مجلس جامعة الدول العربية، وملتزمة بميثاقها من الناحية المبدئية، بدأت من زمان بإقامة علاقات ديبلوماسية وثقافية وتجارية مع الدولة الإسرائيلية حتى ان ممثلي منظمة التحرير والدولة الفلسطينية التي لم تبصر النور بعد، عقدوا محادثات سلام مع ممثلي الدولة الاسرائيلية وفي اسرائيل بالذات، وحتى في مدينة القدس على عينك يا تاجر كما يقول المثل.
طبعاً، البابا بوصفه رئيس دولة يزور دولة أخرى يقيم معها الفاتيكان علاقات ديبلوماسية، سيزور رئيس الدولة الاسرائيلية ويصافح أركانها ويزور جبل صهيون، والمكان الذي يخلّد محرقة اليهود <ياد فاشيم> وحائط المبكى، لكن البطريرك الماروني الكاردينال الراعي لن يشارك في برنامج هذه الزيارات، بل سيقيم قداساً في مدينة القدس، لأن للموارنة في فلسطين وجود (7000) سبعة آلاف ماروني وأبرشية كبيرة، وهؤلاء فلسطينيون مؤمنون بقضيتهم وبحق عودة اللاجئين، ولأن الزيارة البابوية كما زيارة البطريرك الكاردينال الراعي، زيارة راعوية دينية وروحية بحت وليست سياسية في أي شكل من الأشكال، ولا علاقة لبطريرك الموارنة بالبرنامج الرسمي والمحطات الرسمية للزيارة غير استقبال البابا كرئيس لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، والقيام بزيارة الأراضي المقدسة مع البابا.إذاً، البابا سيزور القدس وبيت لحم زيارة رعوية ملتزماً بما يلتزم به البابوات والكنيسة بالنسبة لوضع مدينتي القدس وبيت لحم، والبطريرك الماروني الكاردينال الراعي سيستقبله فور وصوله الى المشرق العربي في مطار عمان الدولي في الرابع والعشرين من هذا الشهر، الى جانب بطاركة الأراضي المقدسة والى جانب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي سيكون في طليعة مستقبليه، ثم يتوجه البابا بطائرة هيليكوبتر الى القدس حيث يوافيه الكاردينال الراعي وسائر الكرادلة ورجال الدين، في سيارة باص خاصة يحمل كل منها جوازات سفر صادرة عن دولة الفاتيكان التي تقيم علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل، ويدخل البطريرك الماروني مع كبار رجال الكنيسة الى مدينتي القدس وبيت لحم، أي الى الأراضي المقدسة من دون السلام أو الكلام مع أي مسؤول اسرائيلي أو من يمثل دولة اسرائيل، سواء أكان رجلاً أمنياً أم إدارياً أم ديبلوماسياً.
المهم أن موقف بكركي كان ولا يزال الى جانب الموقف العربي والفلسطيني ضد الاحتلال وضد الاستيطان ومع كامل حقوق الشعب الفلسطيني، تماماً كما هو موقف البابا والفاتيكان، ولا يحتاج البطريرك الماروني الى شهادة من أحد في وطنيته أو في التزامه الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني. وبكركي أغلقت أبوابها، لا بل وصدتها في وجه القيادات الاسرائيلية العسكرية والسياسية التي تسللت الى لبنان في ظل الاجتياح الاسرائيلي له، التزاماً منها بهذه المواقف، والبعض يعتقد بأن البطريرك الكاردينال الراعي لا يريد أن يكرر الخطأ الذي ارتكبه سلفه البطريرك الكاردينال صفير عندما رفض المشاركة في استقبال البابا القديس <يوحنا بولس الثاني> عندما زار سوريا كونها منطلقاً لرسالة القديس <بولس>.
... ورئاسة الجمهورية؟
حدث الإعلان عن الزيارة التاريخية للبابا <فرنسيس> للأراضي المقدسة وقرار البطريرك الماروني الكاردينال الراعي أن يكون على رأس مستقبلي البابا عندما يزور المنطقة العربية والشرق، كونه (أي الراعي) رئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، يكاد يغطي على المشاورات الجارية لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية، خلفاً للعماد ميشال سليمان الذي يصبح في الخامس والعشرين من أيار/ مايو رئيساً سابقاً، وتكاد الضجة المفتعلة حول مشاركة البطريرك الراعي في استقبال البابا، تغطي بدورها على عجز السياسيين والنواب اللبنانيين عن القيام بأهم واجب دستوري مفروض عليهم، ألا وهو ملء مقعد الرئاسة الأولى والحؤول دون حصول فراغ، بات يحكى عنه في معظم الصالونات السياسية وكأنه أمر لا بد له أن يحصل ويصبح أمراً واقعاً، يتعايش معه لبنان واللبنانيون حتى آخر فصل الصيف المقبل او حتى فصل الخريف، الى أن يتمكن السياسيون والنواب من التوافق على المرشح العتيد لانتخابه رئيساً جديداً لجمهورية لبنان.
لقد بات واضحاً أن بعض السياسيين يتلاعبون بهذا الاستحقاق الوطني الكبير بهدف القاء اللوم على المرشحين الموارنة للرئاسة، وهم الذين التزموا ببيان بكركي الذي طالب بأن يكون الرئيس الجديد ممثلاً حقيقياً للمكوّن الذي يمثله في الحكم. وقد سجل المراقبون قيام جهة سياسية عملت وراء الكواليس بقيادة رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة للتحريض ضد أي توجه لانتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، أو أن يكون مثل هذا التوجه نتيجة للقاء الذي انعقد بين (عون) وبين الرئيس (سعد الحريري) في باريس..
التخوف بات واضحاً من أنه إذا لم يُصر الى التوافق على أن يكون الرئيس العتيد من بين الذين عناهم وأشار إليهم بيان بكركي، لن يشهد المجلس النيابي اكتمال النصاب للانتخاب، لأن أيدٍ خفية تتلاعب بهذا الاستحقاق بهدف إيصال البلد الى الفراغ، كون المجلس المذكور منقسماً بالتساوي تقريباً على ذاته، ويحتاج الى دافع خارجي عربي أو دولي يدفعه الى التوافق المنشود على شخص وبرنامج الرئيس العتيد. ولقد اعتبر البعض أن عودة السفير السعودي علي عواض العسيري الى مقر عمله في العاصمة اللبنانية، فاتحة خير على هذا الصعيد على الرغم من أن السفير وبلاده أعلنا مراراً وتكراراً عن تمنياتهما بضرورة أن يتمكن القادة اللبنانيون من اختيار الرئيس العتيد من دون أي تدخل خارجي.. والزيارة التي قام بها وزير الخارجية النشيط جبران باسيل لفرنسا وقبلها للرياض، واللقاءات التي عقدها لا يمكن القول حتى الآن إنها وضعت قطار نتائج اللقاء والحوار بين عون والحريري على السكة التي يعمل لها الوزير جبران باسيل، وهذا إن دلّ على شيء فإنما هو يدل على أن جلسة الانتخاب الرئاسية المقبلة مرشحة بدورها لأن تبقى من دون نصاب، وطبعاً دون انتخاب.