بقلم حسين حمية
لا يزال الشغور الرئاسي سيد الموقف والجلسة السادسة والعشرون المقررة في 15 الجاري ستكون حسب كل المعطيات كسابقاتها من دون نصاب دستوري وستؤجل الى موعد آخر، في وقت طرح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مبادرة جديدة للخروج من المأزق الرئاسي تتمثل بإجراء استطلاع داخل الشارع المسيحي واختيار مرشحين اثنين ممن ينالون أعلى الأرقام من خلال هذا الطرح والذهاب باسمهما الى المجلس النيابي وانتخاب أحدهما رئيساً. فهل هذه المبادرة قابلة للحياة أم ستكون كمثيلاتها دون الصدى المطلوب ويبقى لبنان أسير هذا الفراغ الذي يرخي بتداعياته على وضع المجلس النيابي والحكومة؟!
<الأفكار> التقت عضو تكتل التغيير والإصلاح الدكتور فريد الخازن داخل مكتبه في مجلس النواب وحاورته في هذا الملف بدءاً من السؤال:
ــ التعطيل الحكومي وصل الى مداه وأنتم تهددون باللجوء الى الشارع. فهل تصل الأمور بكم الى حد الاستقالة؟
- لن تصل الأمور الى حد الاستقالة، لكن سيكون هناك تأكيد على الموقف الثابت بأنه من الضروري إجراء التعيينات، كما سبق واستطاعت الحكومة إجراء تعيينات إدارية. وكما استطاعت التمديد لبعض الضباط تستطيع التعيين أيضاً، خاصة وانها حكومة أصيلة وليست حكومة تصريف أعمال ولا توجد أسباب أمنية تحول دون إجراء التعيينات، وبالتالي ندعو الى الالتزام بالقوانين، علماً ان الجيش الذي يضم 500 عميد بينهم 150 عميداً مارونياً يستطيع اختيار واحد من بينهم وتعيينه قائداً للجيش، ولا يجوز المس بالتراتبية الامنية في الجيش والقوى الامنية بما ينعكس سلباً على المؤسستين وأدائهما...
ــ البعض يقول ان أوان التعيينات لم يحن ويمكن ان يطرح الموضوع في مجلس الوزراء قبل انتهاء ولاية العماد جان قهوجي في ايلول/ سبتمبر المقبل علماً ان الوزير نهاد المشنوق طرح اسم لتعيينه مديراً عاماً لقوى الأمن، فلم تتم الموافقة عليه فاضطر للتمديد للواء ابراهيم بصبوص كي لا يحدث فراغ في المرفق العام. فماذا تقول هنا؟
- لا يمكن أن يحدث فراغ في أي مرفق عام إذا كانت هناك إدارة سياسية، لكن إذا كانت هناك كيدية سياسية، فالأمر مختلف. فنحن لا نريد ان يحدث فراغ في أي مؤسسة، ونقول ان التعيين أفضل لمعنويات الجيش والقوى الامنية بحسب التراتبية الموجودة ضمن المؤسسات العسكرية خاصة إذا لم يكن هناك من سبب يبرر التمديد للقادة إلا الكيدية السياسية. فليس المطلوب تعيين قائد للجيش قبل ولاية القائد الحالي العماد جان قهوجي، لكن هناك حداً أدنى من التفاهم والكلام التطميني بأننا لا نلعب لعبة الوقت للوصول الى الفراغ وإجراء التمديد، خاصة وان كل المؤشرات تدل على ذلك.
الحريري وعون والتوافق على شامل روكز
ــ هل صحيح ان العماد عون والرئيس سعد الحريري اتفقا سابقاً على السير بالعميد شامل روكز قائداً للجيش كما يحكى؟
- هذا صحيح، ولكن ما حصل فيما بعد ان هذا الاتفاق تم التنكّر له، فالأمر حصل منذ أكثر من شهرين وتنكر له الآخرون فيما بعد، ودائماً يوجد تبرير عند الفريق الآخر، لكن المنطق يقول إن هناك قيادة للجيش وقيادة للقوى الأمنية وهناك ضباط موجودون ضمن هرمية محددة، وبالتالي لا يمكن التمديد تحت أي جهة خاصة التذرع بالوضع الأمني، لأن لبنان ليس في حالة حرب إلا في مواجهة التكفيريين والجيش ليس كله من يواجههم، إنما فرق محددة تواجههم، ولذلك فالكلام التبريري لا طائل منه، خاصة واننا لا نطلب ان يتم التعيين اليوم وقبل انتهاء الولاية، إنما على الأقل يكون هناك حد أدنى من الثقة والتفاهم للوصول الى نتيجة وكي لا يتحول التعيين الى متراس في وجه طرف سياسي معين... فهذا أمر غير مقبول.
ــ البعض يدعو للربط بين جلسات الحكومة وإجراء التمديد وفتح دورة استثنائية للمجلس وبين التوافق على التشريع في المجلس خاصة بعد تفاهم الرئيسين تمام سلام ونبيه بري. فهل هذا وارد؟
- نحن مع تشريع الضرورة لكن الآلية لا بد أن تنبثق من مجلس النواب ويتم التفاهم على جدول المشاريع واقتراحات القوانين التي تدخل ضمن هذا الباب على ان يتم إقرار فتح دورة استثنائية لمجلس النواب في مجلس الوزراء ويوافق الوزراء جميعاً على الأمر، لأن هناك شغوراً في موقع الرئاسة، وبالتالي كان لا بد ان تتم التسوية قبل اليوم للوصول الى حل في ظل الشغور الرئاسي.
سرّ الاستطلاع الرئاسي
ــ ما جدوى الاستطلاع الذي طرحتموه طالما لا يلزم أحداً ويعارضه كثيرون، وما الغاية منه؟
- هذا إجراء طبيعي يعتمد في كل دول العالم خصوصاً في البلدان الديموقراطية رغم ان الدستور لا ينص عليه، إنما في ظل الأفق المسدود الذي نواجهه بالنسبة للاستحقاق الرئاسي وبعدما سبق وتقدم العماد عون باقتراحات للخروج من النفق ورفضت جميعها، طرح الاستطلاع، خاصة وان كلاماً صدر عن المرجعيات الإسلامية تقول ان المطلوب ان يتفق المسيحيون على مرشح، فكان لا بد من اعتماد آلية لتظهير هذا الرأي عبر الاستطلاع حتماً وليس عبر تظاهرة في الشارع لاسيما وان هذا الاستطلاع نال موافقة الطرفين الأساسيين في الشارع المسيحي حالياً وهما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولا نعلم ما سينتج عن هذه الآلية وهذا موضوع آخر، إنما لا ضرر على أحد من اعتماد هذا الاستطلاع ونحن لا نعتدي على أحد من خلال استطلاع الرأي هذا.
ــ يطرح السؤال عما إذا كان الاستحقاق الرئاسي هو صناعة لبنانية حتى يستعين المسيحيون بالمرشح الأقوى أم انه مرتبط بالوضع الاقليمي والعامل الداخلي هو الأضعف فيه؟
- إذا أراد اللبنانيون جعل هذا الاستحقاق داخلياً فهم قادرون على ذلك. فلبنان اليوم ليس على جدول الدول الكبرى، ودول المنطقة التي كانت معنية بالوضع اللبناني لديها همومها ومشاكلها وأولوياتها سواء أكانت سوريا أو السعودية أو غيرهما. وأنا كرأي شخصي أرى أن الحصة اللبنانية وازنة وكبيرة كهامش للاستحقاق الرئاسي أكثر مما يظن البعض لأسباب عديدة أولها ان العملية السياسية أصبحت عملية لبنانية داخلية أكثر من العام 2005 حتى اليوم، ولأن دول المنطقة مشغولة بهمومها ولأن الدول الكبرى لا تعتبر أن هناك أهمية للبنان اليوم، وبالتالي فالعامل الداخلي له أهميته الكبرى، ويقوى أكثر بقدر ما يعطيه اللبنانيون أهمية، حتى ان الخارج يدعو بشكل دائم اللبنانيين للمبادرة والإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية.
ــ وهل هناك قناعة عند اللبنانيين بأنهم أصبحوا راشدين ولا يحتاجون الى وصي؟
- من يريد وصياً ليفعل ذلك، إنما نحن لا نريد أي وصي ونستطيع ان نكمل بدون وصي.
سياسة الإقصاء والتهميش
ــ لكن هناك أيضاً أطرافاً مسيحية تعارض الاستطلاع. فماذا عن ذلك؟
- الحالة السياسية المسيحية التي أوجدها العماد عون منذ العام 2005 وقبل إجراء التحالف مع حزب الله وقبل ان يدخل الى السلطة، ووجهت بقرار واضح دون لبس فيه بحيث شكلت حكومة آنذاك من 8 و14 آذار وضمت كل القوى السياسية سواء المتحالفة مع سوريا أو التي لم تكن متحالفة معها، بما في ذلك كل الأطراف المسيحية ما عدا طرفاً واحداً هو التيار الوطني الحر، رغم انه نال 70 بالمئة من أصوات المسيحيين في انتخابات 2005. فكيف تفسر ذلك؟
ــ يعني عملية إقصاء لكم منذ البداية؟
- هذا النمط من التعامل مع الوضع السياسي المسيحي لا يزال هو ذاته بحيث كانت سوريا في المرحلة السابقة ما قبل العام 2005 صاحبة القرار مع القوى السياسية المتحالفة معها من كل الأطراف. لكن عام 2005 خرجت سوريا ولكن بقي <الكارتل> ذاته يحكم وجاء بالتزامن شخص جديد هو العماد عون، فاعتبروه دخيلاً على الساحة السياسية، واتفقوا جميعاً ان يقصوه ويتركوه وحده، ولا يزال النمط السائد هو ذاته مع بعض الهوامش، وإنما عملية الإقصاء والتهميش لا تزال تمارس كل يوم، وبالتالي كانت هناك ورقة تين يحتجون بها، بحيث يعتبرون ان تحالف العماد عون مع حزب الله هو سبب إقصائه عن المشاركة. لكن ما نراه انهم يتحاورون مع حزب الله بعدما سبق أن تحالفوا معه عام 2005 وكان الحلف الرباعي آنذاك، حتى انهم رفعوا شعاراً ضدنا في انتخابات 2009، وهو اننا نريد تطبيق ولاية الفقيه في جبل لبنان وخاصة في كسروان، لكن مرت 6 سنوات حتى الآن على هذه الانتخابات ولم تطبق ولاية الفقيه في كسروان ولن تطبق ولا ننوي ذلك أصلاً، إنما اليوم لم تعد لديهم حجة وسقطت ورقة التين وأصبحت القضية مكشوفة بأنهم لا يريدوننا في الحكم. نحن اعتمدنا وسيلة الاستطلاع للرد عليهم بعدما طالبونا كمسيحيين بالاتفاق على مرشح واحد.
<إعلان النيات> وحدوده
ــ هل يمكن أن تتطور الأمور بينكم وبين القوات لفرض مرشح مشترك بحيث يكون تتويجاً لـ<إعلان النيات> بينكما طالما انكما وراء الاستطلاع أو يمكن ان تشكل جبهة مسيحية في وجه الطرف الآخر؟
- لسنا في وارد تشكيل جبهة مسيحية، و<إعلان النيات> هو إعلان نية لبداية طريق الحوار وليس الاتفاق الذي لم يحصل بعد حول مواضيع عديدة، بالإضافة الى ان الحوار بيننا خفف من منسوب الاحتقان في الشارع المسيحي، تماماً كما حال حوار <المستقبل> وحزب الله... ولذلك فـإن <إعلان النيات> هو بداية طريق لمشروع تفاهم يمكن ان يحصل أو لا يحصل، علماً ان هذا المشروع ليس موجهاً ضد أحد.
ــ بعض المواقع الإلكترونية أوردت أخباراً عن ان الاستطلاعات أعطت الدكتور سمير جعجع أرجحية على العماد عون تصل الى 1,8 بالمئة. فهل هذا ممكن؟
- لم يحصل الاستطلاع حتى تعطى نتائج وأرقام، وعندما يحصل فلكل حادث حديث. وعلى كل حال مهما تكن النتيجة، فالاستطلاع يظهر حقيقة التمثيل المسيحي.
ــ البعض يطرح المرشح التوافقي للخروج من المأزق. فهل هذا وارد؟
- طالما نحن في بلد طائفي فالمعايير التي تنطبق على غير المسيحي يجب أن تنطبق على المسيحيين. فالمعايير التي كانت سائدة في زمن الوصاية يحاول الفريق الآخر أن يستمر بها حتى من دون وصاية، بمعنى انهم يريدون رئيساً مسيحياً يكون تابعاً إما للداخل وإما للخارج، من دون الدخول في لائحة الأسماء. لكن هناك لائحة مفصلة عن كل واحد ولمن يتبع، وهذا المعيار الذي كان سائداً في زمن الوصاية مرفوض اليوم ليس فقط من العماد عون وإنما من كل الأقطاب المسيحيين... فلا بد للمسيحيين أن يتمثلوا كما غيرهم بقيادات لها حضورها الشعبي وتمثيلها النيابي، وليس عبر أناس تابعين لأحد كما الحال عند باقي الطوائف. فهل نستطيع الإتيان بأحد يخص الدروز بغير موافقة النائب وليد جنبلاط؟! والأمر كذلك بالنسبة للسنّة والشيعة والأخذ بالاعتبار موافقة كل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ... فهذه طبيعة الواقع اللبناني القائم على النظام الطائفي وليس هذا معناه انه جيد، إنما هذا هو الواقع لكن القاعدة تنكسر فقط عند المسيحيين، علماً ان الرئيس المسيحي الذي يحظى بالتمثيل لن يأخذ لبنان الى الحرب أو الى الهاوية.
طرح الفيدرالية
ــ بالأمس طالب عضو هيئة علماء المسلمين الشيخ سالم الرافعي بالفيدرالية احتجاجاً على حادث تعذيب السجناء الإسلاميين في سجن رومية، وسبق للعماد عون أن لوّح بالفيدرالية كخيار إذا بقيت الأزمات مفتوحة. فهل هناك عودة الى نغمة التقسيم والفيدرالية كما حصل خلال الحرب الأهلية وجاء الطائف ليستعيض عن ذلك باللامركزية الإدارية الموسعة، أم ان الأمر مجرد فشة خلق؟
- إذا كان الشيخ الرافعي يعتبر نفسه مظلوماً، فليس لأن هناك سجناء في رومية ظلموا جراء التعذيب، بل لأن أهل السنة في رأيه مظلومون، فماذا سيقول المسيحيون إذاً أمام الإسلام المتطرف والشرخ المذهبي السني - الشيعي؟ فإذا كانت الحركات الجهادية التي تخوض معاركها في أكثر من بلد عربي مظلومة، فالأطراف الأخرى ماذا ستقول إذاً؟ وهذا ليس معناه ان للعنف تبريراً، إنما إذا أردت النقاش مع هذا الطرف الاسلامي، فيكون السؤال: ما المطلوب لرفع الظلامة عنه وهو الملتزم بطرح الدولة الإسلامية؟! فإذا سرت حسب تفكيره فهو يريد إقامة دولة الشريعة، فماذا أقول له أنا؟ غير أنني لست في دولة الشريعة؟
وتابع يقول:
- العماد عون لم يطرح الفيدرالية كحل، إنما في سياق مقابلة ومن خلال سؤال وجواب قال انه يمكن طرح الفيدرالية إذا وصلنا الى المأزق، لكن هذا ليس معناه ان هذا الطرح وضع على الطاولة وكتب من خلال ورقة وقلم واعتبر برنامجاً انتخابياً، لكن بالنسبة للطرح الفيدرالي عموماً، فاتفاق الطائف يتحدث عن اللامركزية الإدارية الموسعة وهذه طبعاً لم تنفذ منذ توقيع اتفاق الطائف، والوسط المسيحي يعتبر ان الطرح الفيدرالي هو تعبير عن رفض لأمر واقع يفرضه عليه الآخرون... ففي كل مرة يأتي من يطالب بالدولة الإسلامية، ومن هنا نسأل: لماذا طرح الدولة الإسلامية مشروع؟ ولماذا تقوم القيامة على طرح الفيدرالية رغم ان الفيدرالية عملياً هي وجود دولة واحدة وليس التقسيم، لكن لا أحد يطرح الموضوع اليوم لا في التيار الوطني الحر ولا عند القوات ولا عند غيرهما. لكن إذا جاء أحدهم ووضع المسدس في رأسك وقال انه يريد ان يضع نظاماً على ذوقه، فماذا تقول له غير انك تريد نظاماً على ذوقك أيضاً؟! فهذا طرح عبارة عن ردة فعل أو لنقل هو طرح دفاعي لا أكثر من ذلك، بل بالعكس فالجو المسيحي السياسي هو مع دولة واحدة مع اعتماد اللامركزية الإدارية، والطرح الفيدرالي روج له خلال الحرب لاسيما عند وجود مناطق شرقية وأخرى غربية، وعلى كل حال، فالمسيحيون تاريخياً من العروبة الى الإسلام السياسي اليوم هم في موقع دفاعي وكانوا دائماً مرتبطين مع هذا الفريق أو ذاك الفريق، واليوم هم بمثل هذه الحال لكن في النتيجة إذا كانت الحركات الإسلامية مظلومــة أمام كل ما يجري من قبلهم، فماذا سيقول الآخرون إذاً؟!