إن زراعة الأعضاء هي عبارة عن نقل عضو من جسم الى آخر، أو نقل جزء من جسد المريض الى الجزء المصاب في الجسد نفسه، بهدف استبدال العضو التالف أو الغائب تماماً في جسد المتلقي. وتُجرى عمليات زراعة الأعضاء بين كائنين من الجنس نفسه ويمكن اجراؤها إما من مصدر حي أو من أشخاص متوفين دماغياً. وتتمثل الأعضاء التي يمكن زراعتها في القلب والكلى والكبد والرئتين والبنكرياس والأمعاء. وتشمل الأنسجة كلاً من العظام والأوتار والقرنية والجلد وصمامات القلب والأوردة...
وتعد زراعة الكلى من أكثر عمليات زراعة الأعضاء شيوعاً على مستوى العالم. وقد يكون المتبرعون بالأعضاء أحياء أو متوفين دماغياً. ويمكن الحصول على أنسجة المتبرعين المتوفين بأزمات قلبية وذلك في غضون 24 ساعة من توقف ضربات القلب، على عكس الأعضاء اذ يمكن حفظ معظم الأنسجة ( باستثناء القرنية ) وتخزينها لمدة تصل الى خمس سنوات، وهذا يعني أنها يمكن أن تخزن في «بنوك». وطبعاً يثير موضوع زراعة الأعضاء العديد من القضايا الأخلاقية. علماً أن أكثر من مليون شخص في العالم زرعوا عضواً والبعض منهم عاش ما يفوق 25 سنة بعد الزرع. أما المشكلة العالمية فهي الفرق الشاسع بين العرض والطلب على الأعضاء الموهوبة. هذه المشكلة ليست ناتجة فقط عن نقص في الاعضاء انما هي حصيلة الأسباب الآتية: اخفاق في تحديد الواهب المحتمل للأعضاء والأنسجة. اخفاق في الاعلان عن الوفيات والواهب المحتمل. اخفاق في صيانة الأعضاء والمحافظة عليها. اخفاق في الحصول على موافقة الواهب من العائلة. ومن الذين أجريت لهم عملية نقل كلية الشيخ المرحوم الدكتور مروان قباني مدير الأوقاف السابق، وتمت العملية في لندن ولكنه توفي بعد أشهر.
واذا ما عدنا الى الماضي، فإننا نرى أن فكرة نقل الأعضاء قد داعبت خيال البشر منذ فترة طويلة، ونجحت تلك الفكرة في ظل توفر مهارات جراحية ظهرت قبل فترة طويلة من إدراك مفهوم معدلات البقاء على قيد الحياة بعد الجراحة. وكانت المشكلات الرئيسية وثيقة الصلة بهذا الموضوع، وما زالت وربما ستظل هي فكرة رفض الجسم للعضو المزروع، فضلاً عن الآثار الجانبية لمحاولة تفادي هذا الرفض وخصوصاً مشكلتي العدوى واعتلال الكلى.
تقارير مشكوك في صحتها
الجدير بالذكر أن هناك تقارير عدة مشكوك في صحتها تشير الى أن عمليات زراعة أعضاء أُجريت قبل عصر الانجازات والتطورات العلمية اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات على أرض الواقع. وتبين هذه التقارير أن الطبيب الصيني «بيان شياو» قد أجرى عملية تبادل قلبين بين رجل يتمتع بشخصية قوية ولكنه ضعيف الإرادة، ورجل ذي شخصية ضعيفة ولكنه قوي الشكيمة وذلك في محاولة منه لتحقيق التوازن عند كل رجل. وتتعلق الكتابات الأكثر قابلية للتصديق بعمليات زراعة الأعضاء التي أجريت في عصور مبكرة وبعمليات زراعة الجلد. وتعود أقرب الكتابات الى المنطق الى الجراح الهندي «سوشروتا» الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد، الذي أجرى عملية زراعة جلد باستخدام الطعم الذاتي في جراحة لتجميل الأنف. غير أنه لم يُوثق نجاح أو فشل هذه العمليات. وبعد مضي قرون عدة، أجرى الجراح الايطالي «جاسبارو تاجلياكوزي» عمليات ناجحة لزراعة الجلد بطريقة الترقيع الذاتي. وقد فشل في الوقت نفسه في عمليات الطعم المغاير، مما يعد أول حالة في التاريخ لرفض الجسم للعضو المزورع قبل قرون من ادراك حقيقة هذا الأمر. وأرجع ذلك الى القوة والسلطة الفردية، وذكر ذلك في العام 1596 في كتابه «De CurtorumChirugia per Insitionem».
عملية.. لغزال
وقد أجريت أول عملية ناجحة لزراعة قرنية في العام 1837 في نموذج لغزال، بينما أجرى «ادوارد زيرم» أول عملية ناجحة لزراعة قرنية عين لإنسان، والتي يُطلق عليها عملية ترقيع القرنية في جمهورية التشيك في العام 1905. وكان لكل من الجراح الفرنسي «أليكسيس كاريل» و «تشارلز جوثري» الريادة في ابتكار التقنية الجراحية لزراعة الأعضاء من خلال عمليات زراعة الشرايين أو الأوردة وذلك في بدايات القرن العشرين. أدت عمليات توصيل الأوعية الدموية الناجحة الى جانب تقنيات الخياطة الجراحية الحديثة الى تمهيد الطريق لجراحات زراعة الأعضاء التي أجريت لاحقاً وأسهم ذلك في حصول «كاريل» في العام 1912 على جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب. وبدءًا من العام 1902، شرع «كاريل» في اجراء عمليات تجريبية لزراعة الأعضاء على الكلاب. ومع نجاحه في عمليات نقل الكلى والقلب والطحال جراحياً، كان «كاريل» من أوائل من تنبهوا الى مشكلة رفض الجسم للعضو المزروع والتي لا تزال مستعصية على الحل منذ عقود.
وشهدت فترة الحرب العالمية الأولى خطوات بارزة في مجال عمليات زراعة الجلد ولا سيما في العمليات التي أجراها النيوزلاندي السير «هارولد جيليز». ومن بين انجازات هذا الرجل الطعم المركب المعنق، الذي يبقي على اتصال الأنسجة بالجزء الذي يُشتق منه الطعم الى أن يتخذ الطعم مجرى تدفق الدم الخاص به. وفي العام 1962، أجريت أول عملية جراحية ناجحة لاعادة زراعة ــ اعادة توصيل أحد الأطراف التالفة واستعادة عمل مراكز الإحساس والوظائف الحيوية بصورة محدودة.
واليوم يواجه مستقبل زراعة الأعضاء تحديات كثيرة بحسب الباحثين والأطباء. ويبدو أن أهمها موضوع ايجاد المتبرع وأيضاً مدى تقبل الجسم لعملية زرع العضو، ومع تطور الطب يبدو أن عالم زراعة الأعضاء يشهد ثورات حقيقية في تطوره في العالم.
وعلى الرغم من تقدم عمليات زراعة الأعضاء البشرية في السنوات الأخيرة، فان أعداد المرضى الذين يفقدون حياتهم لعجزهم عن الحصول على أعضاء بديلة في تزايد ولذلك تنشط الأبحاث فيما يعرف بطب التجديد وهو حقل طبي يسعى لانتاج أعضاء بشرية.
ومؤخراً نظمت الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم ورشة عمل حيث تم فيها الكشف عن ابتكار العلاجات الفعالة لأمراض الكلى والأمراض العصبية وكشف النقاب عن بروتوكول جديد في زرع الكلى يهدف الى تحقيق عمر اطول للكلية المزروعة. وجرى مناقشة البروتوكول الجديد خلال هذه الورشة حول أمراض الكلى تحت عنوان «Tiny Tim» وترأس الورشة البروفيسور الفرنسي «ليونيل روستاينغ» وهو استشاري أمراض الدم والكلى وعلم المناعة، ورئيس قسم أمراض الكلى وغسيل الكلى وزراعة الأعضاء في مستشفى جامعة «تولوز».
ويعتبر البروتوكول الجديد نقلة نوعية في سبيل تحقيق نتائج أكثر فعالية على المدى الطويل بدلاً من البروتوكولات الحالية التي تنحصر نتائجها بالمدى القصير.
فماذا يقول البروفيسور «ليونيل روستاينغ» والأطباء المشاركون في ورشة العمل؟ وما أهمية البروتوكول الجديد بما يتعلق بزراعة الأعضاء؟
وفي هذا الإطار، يشير البروفيسور «روستاينغ»الى أن إطالة متوسط عمر الكلية المزروعة أصبحت ممكنة من خلال الأدوية المستخدمة، وغياب تأثير مضاد الفيروسات ويقول:
- يهمنا أن نطمئن المرضى الى أن قمع نظام المناعة المستخدم في العلاج ليس ساماً للكلى، مما يعني أنه سيقلص الآثار الجانبية الى حدها الأدنى كما أنه لن يؤدي الى اعتلال الكلية المزمن. وعلاوة على ذلك، فإن بروتوكول قمع نظام المناعة سيقلل من احتمال العدوى الفيروسية، ويمكن أيضاً ان يخفض نسبة الإصابة بالسرطان بعد إنتهاء عملية زراعة الكلية.
ويتابع:
- تجدر الإشارة الى أن التجارب السريرية على العلاج الجديد تجري على مستوى العالم وهي أوسع دراسة بحثية يتم تنظيمها في مجال زراعة الكلى في العالم وتشمل ألفي مريض لإثبات هذا المفهوم وترسيخه. وتعتبر الدراسة البحثية أول دراسة من نوعها تُجرى حول زراعة الكلى لتقييم فوائد استخدام علاجات جديدة مبتكرة تجمع بين وظائف الكلى وحصيلة التطعيم على المدى القصير والطويل.
وعن البروتوكول الجديد، يشرح الأستاذ محمد رمال:
- ان هذا البروتوكول الجديد في مجال زراعة الكلى يمثل حدثاً مهماً للمرضى وأطبائهم. سيسلط البروتوكول الجديد المزيد من الضوء على الالتزام بتطوير الحلول المبتكرة ويعزز رعاية مرضى زراعة الكلى.
الدكتور خبوث وأمراض الكلى
وبدوره، يقول الدكتور خوسيه خبوث رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم:
- فضلاً عن الاختبارات الطبية المتعلقة بمطابقة الكلية بين المتبرع والمتلقي، فان أملاً جديداً يولد اليوم ومفاده أن عمر المتبرع لم يعد عائقاً. فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الصحة الجيدة والعودة الى مزاولة الحياة الاجتماعية بشكل طبيعي أصبحتا ممكنتين لمتلقي الأعضاء من المتبرعين الأكبر سناً. وبالتالي فان عامل العمر وحده يجب ألا يشكل عائقاً أمام المتبرع، شرط أن يتمتع العضو بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض معينة بل يقوم بأداء وظيفته بشكل طبيعي.
وحول هذا الموضوع، تقول الدكتورة دانيا نعمة شلالا رئيسة قسم أمراض الكلى في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس التابع لجامعة القديس يوسف:
- لقد أنجز الكثير في الآونة الأخيرة لضمان الحصول على فوائد على المدى الطويل عند زراعة الكلى. إن طرح عدة تركيبات جديدة متطورة من الأدوية لقمع جهاز المناعة خلال العقد الماضي قد ساهم في تقليص معدل الرفض الحاد للكلية المزروعة، وتحسين معدل الحفاظ على سلامتها على المدى القصير بعد عملية الزرع، والوقاية من الإصابة بالتهابات حادة والسيطرة على مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
أبو زينب والعثور على متبرع
أما الدكتور هلال أبو زينب المدير الطبي لقسم زراعة الأعضاء في المركز الطبي الجامعي لمستشفى حمود فيقول:
- تحمل زراعة الكلى لمعظم المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي الأمل لمعظم المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي، والأمل باستعادة حياة صحية منتجة. الا أن العثور على المتبرع المناسب لا زال أحد أبرز التحديات في هذا المجال. هدفنا المطابقة بين المرضى والجهة المانحة على شرط أن تكون نتيجة الفحص اللمفاوي سلبية لدى المتلقي: وهذا ليس صعب المنال، الا أنه من النادر جداً العثور على مطابقة كاملة بين المولدات المضادة للكرويات البيض البشرية بين المانح والمتلقي.
وتعتبر الدراسة البحثية تجربة مبتكرة للحصول على نتائج على المدى الطويل مع إمكانية تغيير النموذج العلاجي للحؤول دون حصول الرفض لدى المتلقين الذين يزرعون الكلى للمرة الأولى. لم يعد يقتصر الأمر على النجاة والبقاء على قيد الحياة فقط، بل يتعلق الموضوع بكيفية عيش حياة طويلة وبنوعية أفضل بفضل تحسن نتائج الزراعة (من تقليص خطر الوفاة وصولاً الى التسبب بأزمات قلبية أو في الأوعية الدموية مروراً بتحسين نوعية الحياة).
وفي الختام، نتوقف عند عدد مرضى الفشل الكلوي التام في لبنان وذلك وفقاً للجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم، اذ يبلغ العدد 855 مريضاً لكل مليون شخص من السكان (نحو 4100 مريض) منهم 3200 مريض يقومون بغسيل الكلى ونحو 900 مريض زرعوا كلية من واهب. ويقدر وجود 50 الى 80 ألف مريض في لبنان يعانون من الفشل الكلوي الجزئي من دون أن يدركوا ذلك. وتبلغ نسبة النساء من مرضى غسيل الكلى 46 في المئة. كما يبلغ معدل عمر المرضى عند بداية غسيل الكلى في لبنان 57 عاماً وتتركز معظم مراكز غسيل الكلى في بيروت وجبل لبنان.
وتعود تلك المعطيات الى السجل الوطني للكلى الأول في لبنان والذي انطلق في آذار (مارس) 2011 بمبادرة من الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة وبادارة فريق بحثي من مجموعة شركاء في الصحة والأبحاث. وتم جمع المعطيات من 66 مستشفى بين حزيران (يونيو ) 2011 وحزيران (يونيو) 2012.