أما وقد غابت <سكرة> تشكيل الحكومة على النحو الذي شُكلت فيه، وأتت <فكرة> ما بعد التشكيل، فإن لدى قياديي <14 آذار> الكثير من التساؤلات عما يمكن أن تحمله الأيام الآتية لـ<ثورة الأرز> التي تحتفل بعد أيام بالذكرى التاسعة لانطلاقتها في وقت تبدو فيه قوى <14 آذار> في حالة من الضياع والتباعد والتمايز، على عكس ما كانت عليه قبل، عندما كانت مواقفها تتسم بالقوة والوضوح، وكان التقارب من سماتها، والتجانس من أبرز مقومات وجودها.
صحيح ان الظروف الأمنية الضاغطة ستحول دون دعوة <جماهير ثورة الأرز> الى ساحة الشهداء كما كان يجري في السابق، وصحيح ان زمن الاحتفالات الشعبية الحاشدة قد ولّى ليستعاض عنه بلقاءات خطابية تحت مظلة مجمع <البيال>... إلا ان الصحيح أيضاً ان ثمة نقاشاً يدور لدى قيادات <14 آذار> عما آلت إليه وحدة هذه القوى بعد سلسلة <تجارب> مرت بها وخرجت منها <معطوبة> نسبياً ما استوجب استهلاك المزيد من الوقت والمواقف و<الارضاءات> حتى تعود اللحمة ولو شكلياً بين أحزاب هذه القوى التي فرقتها استحقاقات كثيرة وإن جمعت في ما بينها في آخر امتحان تضامني، ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والتي غابت عنها خطب قادة <14 آذار> ليقتصر الأمر على خطيب واحد آذاري هو الرئيس سعد الحريري الذي أطل للمرة الثالثة على التوالي على الحضور من خلال شاشة عملاقة...
ولم تكن تنقص قوى <14 آذار> سوى <تجربة> تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام ليظهر التباعد الحاصل بين أركانها الذين راهنوا على موقف واحد يفرض على المعنيين تشكيل حكومة يغيب عنها حزب الله والمعادلة الذهبية <جيش وشعب ومقاومة>... وإذا بالأحداث، تجعل غالبية قوى <14 آذار> تشارك في حكومة يتمثل فيها حزب الله بوزيرين <أصيلين> (وليس من الأصدقاء أو الحلفاء)، وتبقى <المعادلة الذهبية> موضع نقاش وبحث أمام لجنة البيان الوزاري، وإن كانت الصيغة التي يتم التسويق لها تتحدث عن دور <المقاومة> في تحرير الأرض من دون ذكر <المعادلة الذهبية> بالاسم. كذلك ربط بعض <الآذاريين> مشاركتهم بالحكومة بتبني <اعلان بعبدا>، وإذ بالأحداث تتسارع ويقبل هؤلاء باستبدال عبارة <اعلان بعبدا>، بالموافقة على قرارات مؤتمرات الحوار في مجلس النواب وقصر بعبدا... كل ذلك من دون التوسع في الحديث عن ملابسات تشكيل الحكومة و<الشروط> التي تساقطت، الواحد تلو الآخر، والتحفظات التي زالت تباعاً، وهي وقائع يدركها جمهور <14 آذار> ويتساءل عما إذا كانت الظروف السياسية الراهنة والتطورات المتلاحقة استأهلت فعلاً هذه <التضحيات> التي يعتبرها البعض <تنازلات> وفرت الوصول الى التسوية الحكومية على النحو المعروف.
<غاردينيا>... الى معراب!
إلا أن الوجه الأكثر نتوءاً لـ<الخلل> الذي شاب العلاقة بين بعض قوى <14 آذار> والبعض الآخر، يبقى ما هو حاصل بين تيار <المستقبل> و<القوات اللبنانية> من تباعد سرعان ما اتسع بعد تشكيل الحكومة والذي يحاول أكثر من طرف معالجته قبل حلول تاريخ 14 آذار (مارس) الجاري موعد إحياء الذكرى التاسعة لولادة هذه القوى في عز ما يُصطلح على تسميته <ثورة الأرز>. وفي الوقت الذي تتناقل فيه الأندية السياسية والحزبية الكثير من الروايات حول ما دار بين معراب (مقر القوات اللبنانية) و<بيت الوسط> وباريس والرياض (حيث يقيم الرئيس سعد الحريري) من نقاش لم يخلُ من الحدة حيناً و<الحرد> أحياناً، شهدت الأيام الماضية تحركين على خط إحياء <مصالحة> بين حلفاء الأمس، كي تحل الذكرى والأطراف كلها ملتقية تحت سقف واحد. التحرك الأول قاده وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قطف كمية من زهرة <الغاردينيا> من الشجيرات التي كان زرعها الرئيس سعد الحريري عندما استقر في السراي الكبير، وحملها الى معراب علّه <ينعش> برائحتها الذكية العلاقة بين <المستقبل> و<القوات اللبنانية>، علماً ان المشنوق ليس بحاجة الى زهرة <الغاردينيا> لأن له مكانة خاصة في معراب، إلا انه حمل الزهور البيضاء كرمز من زارعها الأصلي ــ أي الرئيس الحريري ــ وان كان هو قطفها من السرايا حيث يقيم فيها غير الحريري! وقد دار خلال اللقاء حديث أفاض خلاله <الحكيم> في تعداد ملاحظاته عما حصل وما يمكن أن يحصل وما يسميها هو <تنازلات> قدمها الرئيس الحريري، لينتهي الى ابلاغ صديقه الوزير المشنوق ان لا تبديل في موقفه في الوقت الحاضر قبل أن يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مسار مضمون البيان الوزاري لاسيما ما يتعلق منه بـ<اعلان بعبدا> وإبعاد المعادلة الذهبية.
في المقابل، حرص الوزير المشنوق على <طمأنة> جعجع بأن لا تساهل في الأمور الأساسية، وان تيار <المستقبل> ورئيسه ليسا في وارد تقديم المزيد من التنازلات، وعليه يمكن لجعجع أن يطمئن بأن وزراء <المستقبل> والحلفاء هم وزراء <القوات اللبنانية> الغائبين عن الحكومة لكنهم <رفاق الدرب> فيها.
... وغداء <بيت الوسط>
أما التحرك الثاني، فكان بمبادرة من النائب السيدة بهية الحريري التي أقامت مأدبة غداء تكريماً لـ<الأمانة العامة لـ14 آذار> في <بيت الوسط> وكأنها تنوب عن أخيها الرئيس الحريري في <ترضية> هذه الأمانة العامة التي تلتقي أكثر مع طروحات جعجع ومواقفه ونظرته الى <التنازلات> و<التضحيات> الحكومية. وإذا كانت المأدبة بدت وكأنها <مواساة> للنائب السابق فارس سعيد وفريق عمله في الأمانة العامة، إلا انها حملت أيضاً رسالة في اتجاه جعجع توافر لها <الحشد الوزاري> اللازم من وزراء <14 آذار> بمن فيهم نائب رئيس الكتائب الوزير سجعان القزي الذي لم يوفر مناسبة الا وانتقد فيها أداء الأمانة العامة لقوى <14 آذار>. وعلى رغم ان <القوات> تمثلت بشخص واحد هو ادي أبي اللمع وغاب نوابها عن المناسبة، إلا انه من الواضح ان تيار <المستقبل> أراد ابلاغ من يعنيهم الأمر انه ليس في وارد التخلي عن حلفائه، وان الأمانة العامة هي جزء أساسي من هؤلاء الحلفاء، الا انه في الوقت نفسه باتت لديه مروحة واسعة من الحلفاء خصوصاً بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ما يجعل لفكرة خروج حليف عن <الخط> خسارة واضحة المعالم للخارج من <نعمة> قوى <14 آذار>.
وفي مقابل كلمة النائب الحريري التي أشادت بالأمانة العامة وبدورها، حرص النائب السابق سعيد على التأكيد على وحدة <14 آذار> وان كان اعترف ضمناً بأنه يعمل على <لمّ الشمل والحؤول دون انفراط العقد>!