بقلم سعيد غريب
لم يعد جائزاً للبنان أن يبقى كما كان قبل سبعين عاماً وكما كان العالم قبل سبعين عاماً..
لقد أصبح وطننا مدعواً ومضطراً ليكون دولة تواجه سنة 2015 وسنة 2025 وسنة 2055 بكل ما سيطرأ على العالم من تطورات وتغيرات لا يستطيع وطننا أن يواجهها بما واجه به نفسه والعالم قبل سبعين عاماً..
نستطيع القول من دون أدنى شك ان لبنان لا يزال مشروعاً لم يكتمل. إنه فكرة جميلة لم تتجسد دولة ووطناً.
إنه لوحة جميلة نسبياً نظراً لما تعرض له من تشويه منهجي لمعالمه الطبيعية والتاريخية.
إنه <تابلو> خدشته أظافر اللبنانيين، كل اللبنانيين، شعباً ومسؤولين، على مدى سبعين سنة...
لم يعد جائزاً أن تغيّر يد الشر معالم بلد وصف ذات يوم بأنه قطعة من السماء...
بربكم قولوا لي: كيف يجرؤ انسان على تغيير معالم الطبيعة وتضاريس الأرض؟ ماذا سيدرس أحفادنا وأحفاد أحفادنا؟ هل يدرسون ان الجغرافيا أصبحت تاريخاً؟ هل يدرسون ان جبل الباروك أضحى سهل الباروك، وسهل البقاع تحول الى جبل البقاع... (بفضل نقل الصخور والأتربة)؟
هل يشرح لهم الأستاذ ان قبرص أصبحت شبه جزيرة، يحدها البحر من جهات ثلاث، والبر اللبناني من الجهة الرابعة، بفضل الردميات؟
الى هذه المأساة، تنضم مأساة الكهرباء والنفايات، فلا المليارات العشرون من الدولارات أوجدت حلاً للأولى ولا المليارات الأخرى أوجدت غير المطامر حلولاً للثانية رغم صرخات البيئيين والمتخصصين ونصائح الدول المتطورة!!!
النفايات ثروة؟ نعم. إذا أحسنا استخدامها وعرفنا قيمتها.
فهي ليست عدواً للانسان ولا مصدر كراهية ويأس، إذا نظرنا إليها كمؤشر للانتاجية والطاقة الكهربائية، وإذا أدركنا نوعية الاستهلاك وكمية الاستهلاك.
إنها ثروة في إعادة التدوير وحتى في الفنون، فنون <الكرتون> والألعاب وغيرها..
من هنا، رسمت الحركة البيئية اللبنانية خارطة طريق توصلنا بل تعيدنا الى لبنان أخضر ونظيف، تقوم على عدم اللجوء الى الحرق والطمر لتفادي هدر الموارد الطبيعية والمواد الأولية وتجنب تأثير هذه النفايات على البيئة، خصوصاً ان في لبنان خمسة مصانع كبرى لتدوير النفايات الورقية وأكثر من خمسة عشر معملاً لتدوير <البلاستيك> وثلاث شركات لتدوير الاطارات المستعملة، ومصنعاً لتدوير الزجاج، الى عشرات المؤسسات العاملة في جمع خردة المعادن وتصديرها، واستخدام الردميات والسماد نتيجة التسبيخ لإعادة ترميم واستصلاح المقالع والكسارات والمرامل المقفلة المشوهة للطبيعة والبيئة، علماً ان المساحة الاجمالية لهذه المواقع وعلى مساحة الوطن تم تقديرها بثلاثين مليون متر مربع بحسب دراسة الخطة الشاملة لترتيب الأراضي (SAATL)..
الخطة تقضي أيضاً بإعادة صلاحية الكنس والجمع والنقل الى البلديات، وتقسيم بيروت وجبل لبنان (بصورة موقتة) الى سبع مناطق خدماتية، على أن يصبح القضاء هو المعيار.
أيها اللبنانيون، لدينا ثروة جديدة فوق الأرض، اسمها النفايات ونناشدكم عدم القبول بأي عرض يقدم إليكم ولو كان مغرياً في ظاهره لإنشاء مطامركم على أراضيكم.
استهلكوا حاجاتكم فقط كيلا تضطروا الى رمي نصفها أو أكثر، افرزوها قبل أن ترموها ولا تنسوا ان المسألة هي مسألة حضارية قبل أي شيء آخر، ألسنا كذلك؟!