[caption id="attachment_82173" align="alignleft" width="375"] الزبائن بالطابور أمام أحد البنوك.[/caption]
الأجواء التي احتفل فيها اللبنانيون في الذكرى الاولى لانطلاقة "انتفاضة 17 تشرين" او بدء "الثورة" مما يحلو للبعض ان يسميها، أضاءت مجدداً على الظروف الصعبة التي يعيشها أبناء بلد الأرز منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، خصوصاً بعد تزايد الاحداث وتراكمها وصولاً الى الانفجار الكبير في مرفأ بيروت وتراجع سعر صرف الليرة، والقيود التي وضعتها المصارف على المودعين لسحب أجزاء من ودائعهم المالية بالليرة اللبنانية. وقد زادت اجراءات المصارف من حدة المعاناة المستمرة والتي لا معطيات دقيقة توحي بامكانية الخروج منها في وقت قريب. وما زاد الطين بلة توقف العديد من المؤسسات والمطاعم والفنادق والشركات عن العمل وصرف عمالها، فيما مؤسسات اخرى تدفع للعاملين فيها نصف راتب او هي لجأت الى ارغامهم على اخذ اجازاتهم، ومن هذه المؤسسات من اعطى اجازات غير مدفوعة لعاملين عندها او اختصر دوام العمل وفقاً لمقتضيات الامكانات المالية المتوافرة لديها.
وسط هذه الصورة القاتمة، ثمة من وجد في تحويلات المغتربين متنفساً للبنانيين الغارقين في ازماتهم لاسيما وان عائلات كثيرة تنتظر حوالات ابنائها من الخارج بالدولار الاميركي لتعويض التراجع الكبير في صرف الليرة، ما زاد موارد هذه العائلات لأن مئة الدولار الذي كانت تساوي 150 الف ليرة، باتت تساوي حوالى 850 الف ليرة، ما جعل التحويلات من الخارج تعوض على العائلات من تراجع مداخيلهم من الداخل، وهذا واقع ينطبق على عائلات كثيرة تمر في الضائقة الاقتصادية المتزايدة التي يواجهها لبنان.
لقد فرضت الظروف المتراجعة في البلاد واقعاً جديداً على غالبية اللبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، الامر الذي دفع بكثيرين من الشباب الى التخطيط للهجرة بعدما باتت رواتبهم تساوي ما بين 100 و 500 دولار لا تكفي عملياً لأكثر من اسبوع او اسبوعين نتيجة الغلاء الذي بلغ مستويات جنونية. ويبحث الكثير من اللبنانيين عن عمل آخر يقومون به، وإلا سوف يضطر اللبناني الى الهجرة لصالح مؤسسات اقليمية او دولية تحول له راتبه بالدولار الاميركي سواء عبر المصارف، او عبر شركات تحويل الاموال تحت عنوان " fresh money".
200 الف عائلة مستفيدة
[caption id="attachment_82174" align="alignleft" width="444"] الليرة اللبنانية ..تراجع سعر صرفها امام الدولار بشكل غير مسبوق.[/caption]وتشير الاحصاءات الى وجود نحو 200 الف عائلة تستفيد من تحويلات خارجية لافراد منها يعملون في المهجر. وباتت هذه العائلات تنتظر بفارغ الصبر هذه التحويلات التي رفعت من مستوى معيشتها بعكس الغالبية العظمى من اللبنانيين. وتشير المعلومات الى ان التحويلات الرسمية التي وصلت الى لبنان في عام 2019 قدرت بــ 7 مليارات دولار وهو المبلغ المقدر نفسه للمبالغ التي وصلت نقداً. ويرجح الخبراء ان تكون هذه التحويلات تراجعت في عام 2020 بحدود 25 في المئة نتيجة الازمات التي تشهدها الدول التي يعمل فيها اللبنانيون في الخارج. اضافة الى اللجوء الى ارسال المال نقداً لتفادي التحويل عبر المصرف نظراً للاجراءات المتشددة التي تطبقها المصارف اللبنانية في عمليات السحب او التحويل... ومعلوم ان اكثر من 30 في المئة من هذه التحويلات تأتي من الاميركيتين، اي دول اميركا الشمالية واميركا الجنوبية، يليها الخليج العربي ومن ثم افريقيا، وتكمن اهميتها لمالية الدولة والاقتصاد اللبناني وخاصة في المرحلة الراهنة باعتبارها تدخل الدولار الطازج الى البلد الذي لبنان بأمس الحاجة اليه بسبب الشح الحاصل، وبسبب الاتكال على الاستيراد لمعظم المواد الاستهلاكية وهو ما يتطلب عملات اجنبية ودخول كميات كبيرة قد يؤدي الى لجم تدهور سعر صرف الليرة ولو بشكل نسبي. ويقول خبراء اقتصاديون ان المصرف المركزي وضع يده على الدولارات التي كانت تصل عبر شركات التحويلات خلال الاشهر الماضية، لاستخدامها في عملية الدعم وتحديداً السلة الغذائية، لكن الخطوة انعكست سلباً على التحويلات ما ادى الى ازدياد ما يسمى الــ cash economy اي وصول الدولار بغير الطرق التقليدية... اي من خارج النظام المصرفي والتحويلات الالكترونية، وتبين ان هذا الاجراء انه لم يكن مفيداً وانخفضت التحويلات من 140 مليوناً شهرياً الى حوالى 30 مليون دولار شهرياً، اي ما نسبته 70 في المئة.
ولطالما شكلت تحويلات اللبنانيين المصدر الاهم لدخول العملات الاجنبية الى البلاد، في ظل تقلص المداخيل السياحية التي كانت تشكل نحو 20 في المئة من الناتج الوطني وتراجع الاستثمارات والرساميل الوافدة، يضاف اليها نحو 3 مليارات دولار من الصادرات... وتشير المعطيات الى ان القسم الصغير من الموظفين الذين يعملون لصالح مؤسسات خارجية ويتقاضون رواتبهم بالدولار لشراء عقارات وأراضٍ بعدما باتت هذه الرواتب تساوي 8 مرات ما كانت تساويه قبل عام، لأن هؤلاء يعتبرون ان العقار بات افضل طريقة لضمان ما يجنيه هؤلاء بدلاً من ان يذهب سدى. واذا كان بعض اللبنانيين وجد وظيفة يتقاضى منها تعويضات بالدولار، فإن مجموعات كبيرة من اللبنانيين باتت عاطلة عن العمل، اذ تشير الارقام الى ان عدد هؤلاء بلغ نحو مليون شخص في العام الماضي وبات اكثر من مليونين في السنة الجارية. اما نسبة الفقر فقد تخطت 55 في المئة بعدما كانت في حدود 30 في المئة في العام الماضي. وبلغت نسبة التضخم 115 في المئة وتجاوز عجز الموازنة 16 في المئة كما تراجع الناتج المحلي الى 35 مليار دولار بعدما كان 55 ملياراً في العام الماضي.