جولات <رفع العتب> التي قام بها وزير الدفاع سمير مقبل على القيادات السياسية للبحث معها في <عقدة> التعيينات الأمنية مع اقتراب تاريخ 7 آب/ أغسطس الجاري موعد انتهاء تأجيل تسريح رئيس الأركان العامة في الجيش اللواء سلمان وضرورة بتّ مسألة تعيين خلف له أو تمديد تأجيل تسريحه... هذه الجولات لم تحمل عنصراً إيجابياً واحداً باستثناء الحديث عن هذا الاستحقاق بعيداً عن لغة التحدي والتهديد والوعيد. لكن عملياً لم يتغير المشهد المرتبط بهذا الملف إذ تتوقع مصادر معنية ان يرافق صدور هذا العدد من <الأفكار> صدور قرار الوزير مقبل بتمديد تأجيل تسريح اللواء سلمان والسبب المعلن تعذّر الاتفاق داخل مجلس الوزراء على تعيين ضابط يخلف اللواء سلمان، وعدم جواز بقاء الجيش من دون رئيس للأركان (الذي يقود الجيش بالنيابة عن قائده في حال غيابه) على أن يتم في أيلول/ سبتمبر التمديد للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير حتى تبقى هيكلية المجلس العسكري قائمة ثلاثياً طالما انه من المتعذّر راهناً تعيين أعضاء المجلس الستة بالأصالة، والقانون لا يسمح للوكلاء بأن يكونوا أعضاء في المجلس، ما جعل إدارة شؤونه تتولاها <ترويكا> تأجل تسريحها بنسب متفاوتة، إلا ان مجلس الوزراء كلف أركانها إدارة شؤون المجلس العسكري موقتاً ريثما يكتمل التعيين، وهذا <الموقت> مضى عليه أكثر من ثلاث سنوات!
أما بالنسبة الى وضع قائد الجيش، فإن <جولات> الوزير مقبل <تمخضت> عن احترام عامل التوقيت بحيث لا يصار الى البحث في تعيين خلف للعماد قهوجي قبل اقتراب موعد انتهاء مهلة تأجيل تسريحه يوم 22 أيلول/ سبتمبر المقبل، بحيث يُستعاد السيناريو نفسه من حيث تعذّر تعيين قائد جديد للجيش في مجلس الوزراء، فيعتمد وزير الدفاع على ما يعتبره من صلاحياته في تمديد تأجيل تسريح العماد قهوجي سنتين إضافيتين. ولم يتمكن الوزير مقبل من الحصول على تأييد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لدى زيارته في الرابية، على خيار تأجيل التسريح مرة ثانية إذ أصرّ <الجنرال> على تطبيق القانون لجهة تعيين خلف للعماد قهوجي ولغيره من أعضاء المجلس العسكري، إضافة الى العودة عن قرار وزير الداخلية نهاد المشنوق في تأجيل تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص.
عون يطالب بالشراكة الكاملة
ويروي مطلعون على المداولات التي دارت بين الوزير مقبل والعماد عون بعضاً منها للدلالة على أن العماد عون لم يغيّر موقفه ولا هو تجاوب مع المسعى <المقبلي> وإن كان قد بدا في حديثه مع وزير الدفاع انه على استعداد لتسهيل تعيين القياديين الأمنيين الثلاثة المؤجل تسريحهم، إضافة الى الثلاثة الآخرين ليكتمل عقد المجلس العكسري، وذلك على أساس مراعاة الواقع الراهن وتمثيل القوى السياسية. وفي هذا السياق - يضيف المطلعون أنفسهم - سأل العماد عون ضيفه عن سبب زيارته لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط (تمّت بعد زيارة الرابية) ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ورئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وغيرهم من السياسيين، فأجابه مقبل انه يريد ان يتشاور معهم في الاستحقاق الداهم حول التعيينات، مضيفاً ان زيارة النائب جنبلاط هدفها <الوقوف على خاطره> في ما خص منصب رئيس الأركان لأنه مخصص عرفاً للطائفة الدرزية. وعندئذٍ قال العماد عون: <هل سيُعين رئيس الأركان إذا لم يوافق عليه النائب جنبلاط؟ وهل سيُعين الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع إذا لم يوافق عليه الرئيس سعد الحريري وفريق تيار <المستقبل>؟ وهل سيُعين أي ضابط شيعي في المديرية العامة للإدارة إذا لم يوافق عليه الرئيس نبيه بري وحزب الله؟>. فردّ الوزير مقبل ان الظروف السياسية الراهنة تحتّم التشاور مع القيادات السياسية في ما خص المواقع الأمنية حتى تكون عملية التعيين <مسهّلة>. وعند ذاك، قال العماد عون للوزير مقبل ان كل قيادي يختار من يمثل طائفته في هذا الموقع أو ذاك، فلماذا لا تتحقق الشراكة الكاملة بحيث يسمي الزعيم المسيحي الأقوى والاكثر تمثيلاً في مجلس النواب و<على الأرض> الضباط المسيحيين في المواقع الأمنية ولاسيما في موقع قائد الجيش طالما ان القاعدة المعتمدة تقضي بـ<الوقوف على خاطر> القيادات السياسية تمهيداً لإقرار التعيينات، والى متى يجب أن يستمر التمييز في التعامل عندما يعني الأمر المسيحيين عموماً والعماد عون خصوصاً؟
وفيما أفاض العماد عون في الحديث عن عدم قانونية إجراء تأخير التسريح بالنسبة الى رئيس وأعضاء المجلس العسكري، بدا ان وزير الدفاع لم يجد التبرير اللازم للتمييز في المعاملة بين القيادات الإسلامية وبين العماد عون، ما جعله يطرح فكرة بت وضع قائد الجيش في التوقيت الخاص به أي قبل أيام قليلة من 22 أيلول/ سبتمبر المقبل، مقترحاً على سبيل المثال تاريخ 17 أيلول/ سبتمبر وهو آخر يوم خميس (موعد جلسات مجلس الوزراء) يسبق انتهاء الولاية الممددة للعماد قهوجي. غير ان وزير الدفاع لم يحصل على جواب حاسم من العماد عون الذي لفته الى ان الوضع مماثل من حيث عدم قانونية ودستورية التمديد للعماد قهوجي واللوائين سلمان وخير (وقبلهم اللواء بصبوص)، ما يعني - في نظر العماد عون - ضرورة معالجة أوضاع الضباط الثلاثة دفعة واحدة...
في أي حال، ان قرار تمديد تأجيل التسريح لن يمر مرور الكرام عند العماد عون والتيار الوطني الحر الذي توقعت مصادر متابعة أن يحرّك أنصاره من جديد في مواجهة خيار التأجيل مع تشديد على تفادي الصدام بالجيش مهما كانت الظروف، لأن ثمة من يسعى الى إحداث صدام بين العونيين والجيش لفك الرابط المعنوي الذي يجمع بين الفريقين، وهو هذا الرابط نفسه الذي دفع بوزراء تكتل التغيير والإصلاح الى توقيع مرسوم تعيين طلاب الكلية الحربية التي غابت عن ملعبها الأخضر للسنة الثانية على التوالي احتفالات تخرّج الضباط الجدد وتسليمهم السيوف من يد رئيس الجمهورية، واقتصر الأمر على احتفال رمزي علّقت خلاله على أكتاف الضباط الجديد نجمة من دون السيوف!
وقالت مصادر التيار الوطني الحر لـ<الأفكار> ان توقيع وزراء التيار (ومعهم وزراء حزب الله وتكتّل التغيير والإصلاح) على مرسوم تعيين ضباط الكلية الحربية، من دون مراسيم ترقية الضباط منذ أول تموز/ يوليو المجمدة في انتظار التوقيع يعود الى ان العماد عون يرى من خلال خبرته العسكرية انه من غير الجائز تأخير تعيين خريجي الكلية الحربية بمرسوم كامل الأوصاف حتى لا تضطر قيادة الجيش الى طلب إعطاء مفعول رجعي لأن من حق هؤلاء الضباط ان يصبحوا ملازمين بعد تخرجهم مباشرة. أما بالنسبة الى مراسيم ترقية الضباط الى رتبة أعلى ابتداء من 1/7/2015، فإن لا خوف على حصول هؤلاء الضباط على الترقية المستحقة لهم والتعويضات اللازمة لها، ولو انتظروا بضعة أشهر لأن حقوقهم محفوظة بمفعول رجعي، وقد سبق أن حصلت حالات مماثلة خلال سنوات الأزمة اللبنانية وتمت تسوية أوضاع الضباط تراتبياً وتعويضات مالية. وأشارت المصادر الى ان بت مثير هذه المراسيم ينتظر التوافق على الآلية التي ستعتمد في مقاربة صلاحيات مجلس الوزراء عندما يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية مجتمعاً بالوكالة، وطالما ان هذه المسألة لم تبتّ، فإن المراسيم ستبقى عالقة أسوة بغيرها من المراسيم التي أعدت قبيل الإشكال حول الآلية أو بعده.
حل وسط لمديرية المخابرات
في غضون ذلك، أكدت مصادر متابعة لـ<الأفكار> ما نُشر في العدد الماضي عن وجود توجه لإبقاء العميد الركن إدمون فاضل في موقعه كمدير للمخابرات بعد انتهاء ولايته الممددة في أيلول/ سبتمبر المقبل بعد تعذر الاتفاق على اسم المدير الذي سيخلفه في الموقع الأكثر حساسية في هرمية الجيش. وقالت المصادر نفسها ان رغبة العماد قهوجي بتعيين مدير مكتبه العميد كميل ضاهر مديراً للمخابرات اصطدمت برغبات أبدتها مرجعيات سياسية منها الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الذي مارس ضغطاً على الوزير مقبل لعدم التجاوب مع تعيين العميد ضاهر مقترحاً اسماً آخر لم يحظَ بموافقة قائد الجيش ومرجعيات سياسية أخرى، فامتلأت <البورصة> بالكثير من أسماء العمداء وكثُرت المراهنات السياسية الى ان حسم العماد قهوجي الموقف معتبراً ان عـــــدم تعيين العميـــــد ضـــــاهر يجعلـــــه يتمسك ببقــــــاء العميد فاضل الملمّ بكل الملفات التي تعمل عليها مديرية المخابرات ولاسيما منها ملف الإرهاب، وليكن وضع مدير المخابرات مثل باقي القادة الأمنيين من حيث تمديد تأجيل تسريحهم الى حين ينتخب رئيس جديـــــد للجمهوريــــة يتولى مع رئيس حكومته الجديـــــد الاتفــــاق على سلة تعيينات في الأجهزة الأمنية كافة.
وفي المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> ان خيار تمديد تأجيل تسريح العميد فاضل اصطدم بكونه استنفد سنوات خدمته في الجيش أي 42 سنة، فكان لا بد من مخرج قانوني سرعان ما تأمّن لأن الحاجة الى حل وسط بدت ضرورية. ويقضي هذا المخرج باستدعاء العميد فاضل من الاحتياط بعد تقاعده في أيلول/ سبتمبر المقبل، وتكليفه بمديرية المخابرات ستة أشهر تتجدد طالما استمرت الحاجة إلى ذلك... وسيسبق استدعاء فاضل من الاحتياط صدور مرسوم بإحالته على التقاعد وفقاً للأصول القانونية وتصفية حقوقه، على أن يصدر الوزير مقبل بعد ذلك قرار الاستدعاء من الاحتياط. وخلال الفترة الفاصلة بين صدور المرسوم والقرار، تناط مسؤوليات مدير المخابرات وكالة الى المساعد الأول للمدير، تماماً كما يحصل خلال وجود المدير الأصيل خارج لبنان أو في إجازة.