في الوقت الذي يواصل فيه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون تحرّكه السياسي والشعبي الرافض للتمديد للقيادات الأمنية والعسكرية في قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي، تؤكد مراجع رسمية مسؤولة لـ<الأفكار> ان مسألة تمديد تأجيل تسريح كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان العامة اللواء وليد سلمان باتت محسومة، وسيعلن هذا التدبير المزدوج في مهلة أقصاها الأول من آب/ أغسطس المقبل لمناسبة عيد الجيش، وسيتم - كما حصل في السابق - بموجب قرار يصدره وزير الدفاع سمير مقبل عشية ذكرى تأسيس الجيش اللبناني ولن تتم هذه السنة إقامة حفل تخريج الضباط في ثكنة شكري غانم في الفياضية، وذلك للسنة الثانية على التوالي نتيجة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية.
وعلى الرغم من أن الوزير مقبل يحرص على القول انه سيتخذ الموقف المناسب <من دون استعجال ما دام موعد الاستحقاق في القيادة لم يحن بعد>، فإن المراجع نفسها تؤكد ان لا إمكانية لتعيين قائد جديد للجيش داخل مجلس الوزراء <المغيّب> منذ ثلاثة أسابيع نظراً لوجود خلاف أساسي بين مكوناته حول التعيين بالمطلق، والتعيين المبكر تحديداً، وبالتالي فإن خيار تمديد تأجيل تسريح العماد قهوجي واللواء سلمان لا بديل له حفاظاً على معنويات الجيش والامرة فيه، لاسيما في هذه الظروف الأمنية والعسكرية الدقيقة التي يمر بها لبنان ودول الجوار. وتضيف المراجع نفسها ان الأجواء السياسية باتت مهيئة لاتخاذ قرار تمديد تأجيل التسريح بدليل وجود توافق على ذلك داخل مكونات 14 آذار من دون استثناء، إضافة الى موافقة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط و<المستقلين>... فضلاً عن موقف الرئيس نبيه بري الذي لم يعد يحتمل أي تأويل، وفق مصادر نيابية قريبة من رئيس مجلس النواب الذي ذكّر العماد عون بأنه في العام 1986 تم تأجيل تسريح رئيس الأركان آنذاك اللواء الراحل محمود طي أبو ضرغم بموافقة العماد عون نفسه ودعم من رئيس الجمهورية آنذاك الرئيس أمين الجميل. كذلك - يضيف بري - اعتبر العماد عون ان المجلس العسكري الذي كان يرئسه آنذاك هو شرعي على الرغم من استقالة ثلاثة من أعضائه المسلمين...
إجازات تسبق التقاعد
وللتدليل على ان ملف تمديد تأجيل تسريح العماد قهوجي واللواء سلمان بات من باب <تحصيل الحاصل>، تتحدث مصادر عسكرية معنية عن جملة إجراءات تتخذها القيادة الحالية بعد سقوط اقتراح تأجيل تسريح 10 ضباط (5 مسيحيين و5 مسلمين) بينهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، وتعذّر السير بمشروع تعديل سن التقاعد للضباط في الأسلاك العسكرية كافة <النائم> في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعدما قيل ان العماد قهوجي <تحفّظ> عليه نظراً لما يحدثه من خلل في هيكلية ضباط الجيش.
ولعل أبرز هذه الإجراءات الطلب الى العمداء الذين سيحل أوان تقاعدهم خلال آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ اكتوبر أخذ الإجازات المستحقة لهم والمتراكمة أو تلك التي تغطي السنة الحالية، وذلك استناداً الى الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء التي تفرض على الضابط قبل حلول موعد تقاعده أن يأخذ إجازاته المستحقة كي لا يطالب في ما بعد بتعويضات مادية بدلاً عنها. وتورد المصادر نفسها ان وضع هذا الإجراء موضع التنفيذ يعني ان لا مجال لتأجيل تسريح هؤلاء الضباط أسوة بما حصل مع قائد الجيش ورئيس الأركان ومدير المخابرات، علماً ان من بين هؤلاء من يتبوأ مراكز قيادية حساسة في الهيكلية العسكرية الراهنة.
<معركة مبكرة> حول مدير المخابرات
أما التطور الأبرز فتمثل في <فتح معركة> تعيين مدير جديد للمخابرات خلفاً للعميد إدمون فاضل الذي تنتهي مفاعيل تأجيل تسريحه يوم 20 أيلول/ سبتمبر المقبل، ولا يحق لوزير الدفاع إضافة أي مهلة جديدة لأن العميد فاضل يكون قد أنهى كل سنوات خدمته في السلك العسكري، أي 42 عاماً، وقانون الدفاع لا يجيز للوزير تمديد تأجيل تسريحه أكثر من ذلك. وبدا واضحاً ان <التسريبات> التي نشرت في الأسبوع الماضي حول أسماء ضباط يمكن ترشيحهم لتسلّم هذا المنصب الحساس هدفت الى أمرين:
الأول، <حرق> بعض الأسماء من خلال الإشارة الى جهات سياسية أو روحية تدعمها وتؤيد تعيينها، و<تسويق> أسماء أخرى على أساس انها <مقبولة> من جميع الأطراف وتحظى بـ<تأييد> الضباط وكبار المسؤولين العسكريين.
أما الأمر الثاني، فهو صرف النظر عن الجدل حول التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان، و<توجيه> النقاش والمداولات حول موقع مدير المخابرات و<رمي> أسماء ضباط، أسوة بما حصل بالنسبة الى قيادة الجيش، مع العلم ان مثل هذه <الممارسات> تسيء الى الجيش وتجعل التداول في المناصب العسكرية مباحاً من دون حسيب أو رقيب وكأن الأمر يتعلق بمعارك انتخابية أو صراعات نقابية...
وفيما تتساءل مراجع متابعة: لماذا يقتصر تسريب أسماء الضباط لموقعي قائد الجيش ومدير المخابرات من دون المواقع العسكرية الأخرى مثل رئيس الأركان والمفتش العام والمدير العام للإدارة في وزارة الدفاع والأمانة العامة لمجلس الدفاع الأعلى، والعضو المتفرغ في المجلس العسكري، تعتبر ان هذا الأسلوب متعمد بهدف تعريض الضباط الموارنة في الجيش لـ<مغريات> معينة أو دفعهم الى <أحضان> السياسيين والمرجعيات الزمنية والروحية لضمان حصولهم على مواقع قيادية بصرف النظر عن كفاءات البعض وخبرتهم ومناقبيتهم!
اسم مدير المخابرات... محسوم أيضاً
وتحدثت المراجع نفسها عن رغبة واضحة في <تسريب> أسماء ضباط معينين هدفها الإيحاء بوجود خلاف بين وزير الدفاع (الذي قيل انه يدعم أحد العمداء الموارنة) وقائد الجيش (الذي تردد انه حسم خياره في اقتراح الاسم الذي يراه مناسباً لهذا الموقع والذي <يرتاح> معه، كما كانت الحال مع العميد فاضل). وتخشى المراجع من إدخال تعيين مدير جديد للمخابرات في <بازار> أو <مقايضة>، في وقت يعتبر فيه موقع مدير المخابرات في هذه المرحلة الدقيقة من العمل الاستخباراتي لمكافحة الإرهاب من المواقع التي يُفترض ان تكون محصنة من النفوذ السياسي أو <التلاوين> و<الانتماءات>. وفي هذا السياق، تتساءل المراجع نفسها: لماذا الحديث الآن عن تعيين مدير المخابرات قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته مسموح ومبرّر، في حين ان الحديث عن بت وضع قائد الجيش تمديداً أو تعييناً جديداً قبل 3 أشهر من انتهاء ولايته من <المحرّمات> التي لا يجوز التطرق إليها؟ وبالتالي ما الغاية من <الإضاءة> على الاسم الجديد لمدير المخابرات و<التعتيم> على كل ما يتصل بقيادة الجيش. وتخشى هذه المراجع من أن تكون الغاية من إثارة موضوع مديرية المخابرات إضافة عامل جديد الى عوامل الاشتباك مع العماد عون وتكتل التغيير والإصلاح، في وقت تُبذل فيه المساعي لإيجاد مخارج للأزمة الراهنة التي انطلقت من التعيينات وأدت الى تعطيل جلسات مجلس الوزراء.
في أي حال، صار من الواضح ان <ورشة> التغيير على مستوى مديرية المخابرات <ناشطة> في أكثر من اتجاه مع اقتراب موعد إحالة ضباط فيها الى التقاعد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، من بينهم رئيس فرع المخابرات في الجنوب العميد علي شحرور (الذي عُيّن مكانه قائد اللواء العاشر العميد خضر حمود)، والمساعد الأول لمدير المخابرات العميد عبد الكريم يونس الذي يتريث قائد الجيش في تعيين خلف له في انتظار معرفة هوية مدير المخابرات الجديد، فضلاً عن رؤساء فروع وضباط مسؤولين سبق ان نقلوا الى وظائف عسكرية أخرى، أبرزهم رئيس فرع مخابرات الشمال العميد عامر الحسن الذي عُيّن عسكرياً في بريطانيا.
<سلة> واحدة قبل الأول من آب
وتفيد المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> ان تعيين مدير جديد للمخابرات في الجيش سيتزامن مع الإعلان عن تمديد تأجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الأركان بحيث يتم ذلك في <سلّة> واحدة قبل الأول من آب/ أغسطس المقبل، على أن يتسلم المدير الجديد مهامه بعد انتهاء مدة العميد فاضل الذي سيمضي وقتاً غير قصير مع خلفه ليضعه في صورة عمل المخابرات وما تحقق من إنجازات والاستراتيجية المعتمدة في مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تسليمه الملفات التي أعدتها المديرية طوال 8 سنوات من العمل في ظل العميد فاضل، وهي ملفات مليئة بالمعلومات والأسرار والمستندات التي تتطلّب نحو شهر للإطلاع عليها والإلمام بها، لاسيما وان الاسم الذي يقترحه قائد الجيش لخلافة العميد فاضل لم يتسلم سابقاً مهمات استخباراتية.