بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_83307" align="alignleft" width="396"] السفير الامارتي حمد بن سعيد الشامسي .. امتعاض إماراتي واضح.[/caption]لم يعد الوضع اللبناني المتشعّب، يسر عدو ولا حبيب، فالأزمات التي تتزايد يوماً بعد يوم بشكل غير مسبوق وسط تهاوي الوضعين الاقتصادي والمالي بشكل دراماتيكي، تُنذر بعواقب وخيمة قد يشهدها لبنان في المدى المنظور خصوصاً بعد تراجع الدور العربي والدولي فيه، وليس أبلغ من هذا التراجع، سحب كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية سفيريهما من لبنان ولو تحت عنوان "إنتهاء الخدمة" أو "الإجازة". والأبرز، أن تراجعاً معنوياً واجتماعياً سُجّل في اليومين الماضيين للدور الفرنسي في لبنان، ما خلا بعض النقاط المتعلقة بالمبادرة الفرنسية.
عدم رضا خليجي
منذ فترة اسبوعين جرى تناقل أخبار ومعلومات تتعلق بعمل السفارتين السعودية والإماراتية في لبنان تُشير إلى مغادرة السفيرين السعودي وليد البخاري والاماراتي الدكتور حمد سعيد الشامسي البلاد، وذلك كتعبير عن عدم وجود رضا خليجي عن الأوضاع الحاصلة في لبنان وتحديداً لجهة عملية تأليف الحكومة. وقد لفتت بعض الأحاديث المتداول بها سواء عبر وسائل إعلامية أو في الشارع أو في المطابخ السياسية إلى أن مغادرة السفير الإماراتي تعود لأسباب تتعلق بتعيينه سفيراً لدى مصر وأن السفير السعودي في إجازة، إلّا أن ثمة كلاماً جانبياً يتعلّق بانزعاج الدولتين من تقاعس اللبنانيين والمسؤولين على وجه التحديد بالتخلّص من سلاح حزب الله ومن الوصاية الايرانية، ومن هيمنة "الحزب" على عملية التأليف التي ما زالت تراوح مكانها منذ أكثر من شهر، على الرغم من التأييد الدولي لإنطلاق العمل الحكومي.
وفي السياق، تُشير المعلومات المتوافرة إلى أن دولة الإمارات سوف تغضّ الطرف خلال الفترة المقبلة عن تعيين سفير لها في بيروت، وستقوم بخفض تمثيلها الدبلوماسي من سفير إلى قائم بالأعمال. ويُحكى عن أن الخطوة هذه سوف تنسحب أيضاً على عدد من دول الخليج التي ستحذو حذو الإمارات والسعودية اللتين لم تتوانا عن التعبير في أكثر من مناسبة، عن رفضهما للمسار الذي يتم فيه التأليف، واتهام "الحزب" ومن خلفه ايران، بمحاولة إبعاد لبنان عن محيطه العربي واشقائه التاريخيين وتحكّمهما في مفاصل القرار خدمةً لمشروع ايران في المنطقة.
انزعاج الملك سلمان
[caption id="attachment_83309" align="alignleft" width="350"] مجلس التعاون الخليجي.. اي قرارات سيصدر بشأن لبنان؟[/caption]لعل الموقف الابرز من "الانزعاج" الخليجي كان عبّر عنه العاهل السعودي الملك سلمان عبد العزيز خلال القاء كلمة في الجمعية العامة للامم المتحدة الشهر الماضي، حيث شنّ هجوماً حاداً على حزب الله، واصفا إياه بأنه "حزب إرهابي تابع لإيران"، لافتاً الى ان انفجار مرفأ بيروت يأتي نتيجة هيمنة حزب الله على اتّخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح ما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية. كما دعا الملك السعودي الى نزع سلاحه.
من جهتها، لم تنم ايران على "ضيمها" عندما ردّ مندوبها لدى الأمم المتحدة "تخت روانجي" على الملك سلمان، داعياً المجتمع الدولي لتحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية ما وصفه بـ"أنشطتها النووية السرية"، معتبراً ان هذا المستوى من العداء من جانب دول مثل السعودية يبعث على الاسف في حين ان إيران طرحت على الدوام مشاريع سلام من اجل توفير الاستقرار في منطقتنا. أضاف: رغم ذلك فإن هذه رفضت دعوات السلام هذه، وبدلاً من ذلك واصلت سياساتها الفاشلة باعتماد الحلول العسكرية او التوسل بالآخرين لمواجهة إيران فضلاً عن جهودها لتوجيه الاتهامات الباطلة لإيران.
لا عودة لسفيري السعودية والإمارات!
وفي السياق، ترى مصادر سياسية بارزة أنه مع وصول الدول الخليجية الى قناعة بأن حزب الله يخطف لبنان لمصلحة المشروع الايراني ضارباً عرض الحائط بهويته العربية وسط عجز محلي عن مواجهته، بدأت تتحرّك "دبلوماسياً" من اجل ايصال رسالة الى المسؤولين تعبّر فيها عن عدم رضاها عما يحصل للبنان الذي يفقد تدريجياً دوره المتميّز في المنطقة، بعدما كان مستشفى العرب ومدرستهم ومقصداً للسيّاح الخليجيين. وكشفت المصادر أن السفير البخاري لن يعود قريباً لممارسة عمله في السفارة، وهو اخذ إجازة طويلة. ويبدو ان تاريخ إنتهائها مرتبط بتغيير اتّجاه
[caption id="attachment_83308" align="alignleft" width="354"] السفير السعودي وليد البخاري.. خرج ولم يعد.[/caption]البوصلة في لبنان لتعود الى وجهتها العربية الطبيعية.
أضافت المصادر: اما الامارات ومع مغادرة سفيرها حمد سعيد الشامسي الى مصر للالتحاق بمركز عمله الجديد في القاهرة، فتتّجه الى عدم تعيين سفير بديل لها في بيروت. وأكثر من ذلك، فهناك ميل إماراتي لتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي في هذه المرحلة من سفير الى قائم بالاعمال، لافتة الى ان هذا الامر سينسحب ايضاً على دول خليجية اخرى.
هل نفضت الخليج يدها من لبنان؟
هذه الرسائل الدبلوماسية من قبل الدول الخليجية لا تعني وفق نظرية قوى الرابع عشر من آذار، نفض اليد من لبنان والتخلّي عنه كليّاً، بل تعكس عتباً خليجياً على السلطة والمسؤولين والحكومات المتعاقبة التي لم تفِ بما وعدت به، خصوصاً اعتماد سياسة النأي بالنفس ووقف الحملات عليها، لاسيما على السعودية وملكها وولي عهدها، فضلاً عن وقف تدخل حزب الله في شؤون الدول العربية. والعتب الخليجي الاكبر بحسب المصادر، هو على فريق مسيحي محدد، اذ كيف يدعم تنظيماً مسلّحاً قوّض سلطة الدولة وعطّل مؤسساتها الدستورية وادخل لبنان في صراع المحاور في وقت كان المسيحيون ولا يزالون يتمسّكون بمنطق الدولة والمؤسسات الشرعية وناضلوا عبر التاريخ من اجل تثبيت سلطتها وسيادتها.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن دول الخليج تنتظر ولادة الحكومة الجديدة التي كُلّف الرئيس سعد الحريري تشكيلها للوقوف على هيكليتها وتركيبتها بعدما اعلن الرئيس الحريري انها لن تكون سياسية وانما ستضمّ وزراء من اصحاب الاختصاص ومستقلّين تكون مهمتها تنفيذ المبادرة الفرنسية ضمن مهلة ستة اشهر كما قال الرئيس الفرنسي"ايمانويل ماكرون" عندما اجتمع مع الكتل السياسية في قصر الصنوبر.
اليوم يبدو أن المملكة العربية السعودية قد اختارت أن تراقب الحركة السياسية الداخلية من بعيد بانتظار ما ستؤول اليه الأمور، فتبني موقفها وتقرر طبيعة تعاطيها بناء على طبيعة التطورات والمستجدات، ومدى توافقها مع مصلحة الاستقرار والتوازنات الداخلية في لبنان، وانعكاسها على استقرار المنطقة وسلامة دولها وأمنها القومي. وكان لافتاً أن مغادرة السفير البخاري لبنان، جاءت بعد أيام قليلة على تسريبات صحافية
[caption id="attachment_83306" align="alignleft" width="395"] الترويكا الرئاسية : ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري .. وأزمة الحكم.[/caption]تولتها بعض الجهات اللبنانية في محاولة لتصوير ما يتم العمل عليه من تسويات وصفقات في ملف تشكيل الحكومة وغيرها من الملفّات السياسية، وكأنه بغطاء سعودي أو بمباركة المملكة.
هل يُرضي الاعتذار دول الخليج؟
واقع الحال لا يدل على أن الانزعاج الخليجي ينسحب أيضاً على الرئيس الحريري، فبرأي الخليجيين كما تنقل عنهم أوساطهم، يأسفون لإصطدامه بعقبات المحاصصة والشروط التي تحول دون ولادة حكومته، مع انه يجازف بهذه المهمة. والأوساط هذه، لا تستبعد ان يأتي وقت ويعتذر الرئيس الحريري عن مهمة تشكيل الحكومة، خصوصاً انه يصرّ على تركيبة حكومية متجانسة بمهمة محددة، وقد برز هذا الأمر خلال الاسبوع الماضي من خلال امتعاض رئيس الجمهورية ميشال عون، أولاً من الطريقة التي قدم بها الحريري التشكيلة الحكومية، وثانياً: من الشروط التي وضعها بما يتعلّق بتسمية الوزراء المسيحيين.