بقلم رئيس التحرير وليد عوض
نحن المرآة التي تعكس صور الآخرين أو البلدان الأخرى. وأغبى رجال السياسة ذلك الذي يتصور أن بلده في أمان، حتى إذا انشغل العالم بالحروب والانتفاضات، مجارياً بذلك المثل الشعبي القائل <حايدة عن ظهري.. بسيطة>.
أبداً.. ليس بسيطاً ما يحدث في العالم، ويخالجنا الظن أننا في منأى منه، وبعيدون عن خطره.
وأول ما تعكسه المرآة عندنا هو ما توصلت إليه مباحثات الملف النووي الإيراني بين وزير خارجية إيران <محمد جواد ظريف> من جهة والسداسي المؤلف من الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا و.. ألمانيا من جهة ثانية في فيينا. لقد شد كل فريق الحبال صوبه، فأسفرت النتيجة عن تأجيل هذه المباحثات الى تموز (يوليو) 2015. وكجائزة ترضية لإيران، حتى تبقى الى طاولة المباحثات ولا تخرج منها، قررت مجموعة الستة أن تسمح لإيران بالحصول على خمسة مليارات دولار من قفص العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وسيف العقوبات بتار. وها هي روسيا تخسر من جراء عقوبات الغرب الاقتصادية ما لا يقل عن 32 مليار يورو (حوالى 39 مليار دولار)، والمبلغ جسيم وليس بسيطاً.
وكان وزير الخارجية الأميركي <جون كيري> على اتصال مباشر بالتليفون الخاص للرئيس <باراك أوباما> ليضعه في مسار المباحثات مع <محمد جواد ظريف>. فالرئيس الأميركي يعوّل على نتائج هذه المباحثات حتى يستطيع بالوصول الى اتفاق نهائي مع إيران الى تحسين ظروف الحزب الديموقراطي الحاكم في الانتخابات الرئاسية خريف 2016، وتكون الغلبة لمرشح أو مرشحة هذا الحزب، كما يأمل بالاتفاق الأميركي ــ الإيراني قبل ترك سلطته في البيت الأبيض فيكون قد حقق إنجازاً تاريخياً، وهو منع إيران من الوصول الى انتاج قنبلة نووية، وحصر تجاربها النووية وعمليات تخصيب <اليورانيوم> في الأغراض السلمية.
بدوره يستطيع وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> الذي كان على تواصل تليفوني مع الرئيس الإيراني <حسن روحاني>، إذا ما توصل الى اتفاق مع واشنطن، أن يضمن انكسار العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وإعطاء حكومة <روحاني> الفرصة لتتنفس الصعداء، وعدم الخوف من ضغوط الحرس الثوري الإيراني <الباسندران> الذي يتولى رئاسته اللواء <قاسم سليماني> (57 سنة)، وكان خبيراً في استخراج المياه قبيل الثورة الإيرانية عام 1979.
كل منهما مستفيد إذا وضعت المباحثات الغربية ــ الإيرانية أوزارها، علماً بأن روسيا التي هي إحدى الدول الست في المفاوضات مع إيران، تعاني من العقوبات الاقتصادية بسبب تدخلها في أوكرانيا، وتفتح خطوطاً اقتصادية مع طهران.
ووجود المفاوض الروسي الى طاولة مباحثات فيينا، يعني وجود حليفين للمصالح السورية طهران وموسكو، فإذا اكتمل النقاش حول النووي، وانتقل الى دور إيران في الشرق الأوسط أمكن لموسكو وطهران أن تخرجا الورقة السورية، وتقولا: تعالوا نتفاوض!
سلام فكلام بين الحريري ونصر الله
وهكذا يبقى على لبنان أن ينتظر حتى تموز (يوليو) 2015، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الموقف الإيراني من قضايا الشرق الأوسط ومنها لبنان. وهذه الحقيقة يعرفها الرئيس نبيه بري، ويتحرك على أساسها في الوساطة التي يبذلها بين الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله. كان في البداية يراهن على الـ<سين سين> (أي السعودية وسوريا) للخروج من النفق اللبناني، فخرجت السين الثانية من المشهد، بعد الحرب السورية، ولم تعد صاحبة التأثير السابق في مجريات لبنان، وهو الآن يراهن على شعار الـ<سين حاء> أي سعد الحريري والسيد حسن نصر الله. وإذا اجتمع الاثنان كان في استطاعتهما تفكيك عقد الانتخابات الرئاسية والوصول بمرشح وطني مقبول الى قصر بعبدا، وكذلك في استطاعتهما تعطيل أي تداعيات يمكن أن تنشأ من خلال شهادات الشهود الجدد في محكمة <لاهاي>.
وإذا توصل الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله الى سلام فكلام فاتفاق، فلا يعود حزب الله متمسكاً مئة بالمئة بمرشحه الرئاسي ميشال عون، ولكن سيتمسك بأن يكون حليفه في اتفاق كنيسة مار مخايل الشياح ناخباً كبيراً، وصاحب قرار في المرشح التوافقي الموعود. وبدوره لن يكون الرئيس سعد الحريري متمسكاً بمرشح 14 آذار للرئاسة، أي الدكتور سمير جعجع، بل يراعي خاطره في اختيار المرشح الرئاسي الوفاقي الآتي.
هذا إذا استطاع الرئيس نبيه بري أن يلبنن الاستحقاق الرئاسي ويخرجه من تحت عباءة الجانب الاقليمي، مع حفظ حق التشاور والطرف الاقليمي في شخصية الآتي الى قصر بعبدا، بحيث لا يكون موضع اعتراض من المملكة العربية السعودية ولا محل رفض من الجمهورية الاسلامية الإيرانية، فمن هو صاحب الحظ العتيد؟! ولا نقف عند هذا السؤال حتى لا نحرق الأسماء.
ولا تسقطوا في هذا السياق الدور التركي من الحساب.. فالرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> صاحب تأثير واضح على تنظيم <داعش> خاطف العسكريين اللبنانيين في جرود عرسال. ومن أجل عدم التورط التركي ضد <داعش>، عاد نائب الرئيس الأميركي <جوزف بايدن> من اسطمبول خالي الوفاض. لقد ذهب الى تركيا لإقناع <أردوغان> كحليف أطلسي بالانضمام الى حرب الولايات المتحدة وحلفائها ضد <داعش>، لأن الغارات الجوية لم تستطع أن تقطع دابر هذا التنظيم، بل زاد تمدده في العراق وصار عصياً على أي محاولة لإخراجه من <عين العرب> عند الحدود السورية ــ التركية.
أنا... <أردوغان>!
لماذا هذا الموقف التركي؟
لأن انتصار الأكراد في <عين العرب> أو <كوباني> سيزيد من خطر إنشاء الدولة الكردية ويقضم جزءاً من الأراضي التركية، وسيفسح في المجال أمام حزب العمال الكردستاني أن يرفع بيارق الانتصار، وكل ذلك على حساب الكيان التركي. ولا ندري ما إذا كان نائب الرئيس الأميركي <جوزف بايدن> قد اقتنع بهذا الرأي التركي، أم حاول أن يبلع الموسى، على أساس أن قوات <داعش> تسهل دخول النفط العراقي والنفط السوري بأبخس الأثمان الى تركيا، وتفتح أبواب الحدود للقوافل التجارية الآتية الى تركيا من العراق والخليج، وتوفر على الدولة التركية مليارات الدولارات. وأن يكون <أردوغان> حليفاً أطلسياً لا يعني أن يضرب بمصالح تركيا عرض الحائط.
وفهم <بايدن> أن <أردوغان> يريد أن يفرض نفسه كزعيم اقليمي، ويكون صاحب رأي وقرار في مجريات المنطقة، ومثلما حاول <بايدن> أن يقنعه عبثاً بالانضمام جوياً الى الحملة الدولية ضد <داعش>، كذلك لم يملك <أردوغان> فرص إقناع <بايدن> بإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، لمصلحة نظام جديد بعدما اكتشف أن الرئيس <أوباما> لم يعد في وارد التخلص من الرئيس الأسد، ويريد استخدامه في الحرب ضد <داعش>، وعدم استفزاز الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> حليف الأسد في هذه المرحلة، وإن كانت هناك مؤشرات تدل على أن موسكو التي رشحت نفسها للحلول مكان <جنيف واحد> في الحل السوري، لم تعد تعارض انتقال السلطة في سوريا كما ينص مؤتمر <جنيف واحد>.
ولعل الخطر الارهابي هو الذي يتعين على لبنان أن يقيم له الحساب قبل أي شاغل آخر، خصوصاً بعدما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق أن توالي شهود جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أمام محكمة <لاهاي> سوق يترك تداعيات في الأمن اللبناني.
شعار <نون باء>!
وراقبوا مسار الأحداث..
كانت جريمة اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميّل وحرب الإلغاء طريقاً الى مؤتمر الطائف ولو استغرق التحضير سبع سنوات.
وكانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الحدث الذي أخرج الجيش السوري من لبنان..
وكان التدخل العسكري لقوات حزب الله في 7 أيار (مايو) 2007 مدخلاً الى انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية عبر اتفاق الدوحة.
وكانت جريمة اغتيال الوزير السابق الشهيد محمد شطح مدخلاً الى قيام حكومة المصلحة الوطنية.
والخوف كل الخوف أن لا يأتي رئيس الجمهورية الجديد إلا على جناح كارثة أمنية، قد تكون من تداعيات شهادة شهود محكمة <لاهاي>.
وبفعل تلك الاعتبارات مجتمعة، تبدو مبادرة الرئيس نبيه بري للجمع بين الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله هي الورقة السياسية المرشحة لربح المعركة، وعليها يجب أن تصب كل الجهود لتحويلها من مشروع بالقوة ــ كما التعبير الفلسفي ــ أي تملك القدرة على أن تربح المعركة، الى مشروع بالفعل، فيكون الرئيس بري قد مسح غبار معركة التمديد لمجلس النواب، وأنشأ صيغة جديدة للإنقاذ بشعار <نون باء> أي <نبيه بري>، وهي مبادرة شجع عليها السفير السعودي علي عواض عسيري خلال زيارته لرئيس المجلس النيابي يوم الثلاثاء الماضي.
وإذا عدنا الى اتفاق كنيسة مار مخايل الشياح في شباط (فبراير) 2006 بين السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون، سوف نرى سيبة ثلاثية من الرئيس الحريري، والسيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون، وهو أمر كانت تتمناه جهات بالجملة في اتفاق كنيسة مار مخايل الشياح، ولم يتحقق..
وفي هذا التحالف الــذي يتمثـل فيــه الرئيس بــــري بحزب الله.. لا تنسوا الزعيم وليد جنبلاط، أو بيضــة القبـان!