الشارع اليوم يتحوّل وللأسف الى باب رزق للمتسوّلين والمتجوّلين الذين يتفرّجون ولا يشترون. التجّار الذين يأملون بعودة الأيام الذهبية التي عاشها الشارع اللبناني في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أتتهم الأحداث الأمنية من مشكلة عرسال، وحرب <داعش>، وخطف العسكريين، وما رافقها من تحذيرات الدول لرعاياها من السفر إلى لبنان، لتشكّل مفاجأة غير سارة لآلاف المحال التجارية في لبنان.
الشارع اللبناني الذي لطالما سميّ بـ«شانزيليزيه الشرق» زمن الخمسينات، يفتقد زواره من العرب والأوروبيين، وعلى الرغم من زحمة المارة الاعتيادية التي ترافق العابر للشارع هذه الأيام، فإن هذه الزحمة ليست دليل عافية هذه المرّة، فأصحاب المحال يرفعون الصوت من جراء التراجع الواضح في الحركة التجارية للسنة الثالثة على التوالي، علماً أن التراجع كان أكثر حدّة في هذا العام.
مأساة حقيقية يعيشها القطاع التجاري في ظل تراجع الحركة في الاسواق الى أدنى مستوياتها، ولعل ما أجمع عليه عدد من رؤساء لجان الاسواق والجمعيات التجارية هو أن موسم الصيف وموسم الأعياد كانا سيئين جداً، وأكثر من اللازم، وان القطاع يعيش مأساة حقيقية، ويشكل أفضل تعبير عن هذه المأساة، حال المؤسسات التجارية التي بدأ الكثير منها بالاقفال، وأخرى على شفير الاف
لاس..
وإذا كان التراجع الاقتصادي لا سيما التجاري، لا يشكل مفاجأة كبيرة للمتابعين للشأنين السياسي والاقتصادي، جراء التشنجات السياسية والاحداث الامنية المتنقلة والمتكررة، فإن حادثة خطف العسكريين شكلت <القشة التي قصمت ظهر البعير>، لأن هذه العملية وبحسب كل المعنيين لن يبقى أثرها محدوداً بمنطقة واحدة او لفترة قصيرة، بل سيتفاعل وسيترافق مع خضات امنية متنقلة، مما سيرتد سلباً على القطاعين السياحي والتجاري..
والمتتبع للأمور يرى ان التطورات الأمنية والسياسية في لبنان والمنطقة تتسارع، مما يبشر بصعوبة تحسن المؤشرات الاقتصادية والمالية خلال وقت قريب، نظراً لحجم التراجع الذي أصاب معظم القطاعات الاقتصادية والمالية على صعيد القطاعين الخاص والعام في آن معاً، على الرغم من محاولات الترقيع على صعيد تنشيط المؤسسات العامة والإدارات شبه المعطلة، من المجلس النيابي إلى الحكومة الغائبة عن مقاربة الأزمات الحياتية المتصاعدة في المالية العامة، والتي ستصطدم حكماً بصعوبة تمويل المستحقات للعام 2015، بين سندات بالعملات وديون وسندات بالليرة تفوق الـ 15 مليار دولار، من ضمنها عجز الموازنة المقدر بحوالى 5,2 مليارات دولار. يضاف الى ذلك قطاعات الكهرباء والخدمات، وصولاً إلى الشؤون الحياتية والاجتماعية المغيبة عن البحث أو مجرد المقاربة.
وكان ينقص لبنان تأخر معالجة أزمة العسكريين المخطوفين، التي انعكست مزيداً من الحذر وقطع الطرقات احتجاجاً، مما زاد من تفاقم الأزمة الحياتية، إلى جانب الأزمات الأمنية المتنقلة من منطقة إلى أخرى، في غياب المعالجات المقنعة لأهالي المخطوفين اولاً، ولرفع الضرر عن المتضررين ثانياً.
اذاً لا سياحة، والتجارة في أدنى مستوياتها، مع انخفاض الحركة الى حدودها الدنيا رغم التنزيلات الكبيرة التي جرتها المؤسسات التجارية والتي تجاوزت الـ70 في المئة.
ابتسم أنت في شارع المقدسي
للاطلاع على هذا الوضع المأساوي بدأت <الافكار> جولتها من «شارع الحمراء» وتحديداً شارع المقدسي، لتفقّد الحركة التجارية فيه، وتنطلق بعدها إلى أسواق أخرى، يبدو أن معاناتها تتماهى كلياً مع معاناة تجّار الحمراء، في ظل الأوضاع الأمنية التي ألقت بأثقالها على كاهل الاقتصاد، من دون رحمة.
ليس في شارع المقدسي سوى رواد المقاهي الذين تراجع عددهم ايضاً، والكثير من الاطفال المتسولين، فيما حركة التسوق تتدنى يوماً بعد يوم، هكذا يصف علي السيد صاحب متجر السيد للالبسة الوضع ، مشيراً لـ<الأفكار> ان الحركة تكون جيدة في بداية النهار، ولكن فجأة يحصل حدث أمني معين، كقطع اهالي العسكر المخطوفين للطريق في اي منطقة من لبنان، ليخاف الاهالي ويعودوا الى بيوتهم وتتوقف الحركة.
ويتابع السيد:
- التراجع هذا العام تضاعف عن السنة الفائتة التي كانت سيئة بدورها، فالمشكلة الاساسية هي غياب السياح في موسم الصيف وموسم الاعياد لا سيما الخليجيين الذين يشترون اكثر من قطعة ويختارون اغلى الملابس.
لا يبدو رئيس «جمعية تجّار الحمراء» زهير عيتاني متفائلاً بما آلت إليه الأوضاع في السنوات الثلاث الاخيرة، مفيداً «لـ الافكار» بأنّ «تراجع الحركة التجارية لا يقلّ عن 60 في المئة خلال هذه الاعوام، علماً أنّ الشارع كان يستقطب في سنواتٍ سابقة أكثر من 30 ألف سائح يومياً»، وتسبق الغصّة عيتاني عندما يتذكر أن «هذا الشارع التجاري الذي انطلق كسوق تجاري منذ العام 1950، واستضاف نجوماً بارزين من فيروز وعمر الشريف وعبد الحليم حافظ وغيرهم يقع ضحية الأوضاع الأمنية»، فـ«الزبون يريد أمناً واستقراراً، ولا يمكن أن يتسوّق ويتابع حياته براحة ما دام كل يوم يصحو على خبرٍ سيئ»، ويلحظ عيتاني أن «التراجع بلغ بشكلٍ أساسي الخليجيين، علماً أن قدرتهم الشرائية ممتازة»، لافتاً الانتباه إلى أن «معظم الزبائن هم من العراقيين والأردنيين، والسوريين النازحين، وعدد قليل من الأميركيين>.
إقفال محال... وحسومات
وفي قراءة متشائمة، يتوقّع التاجر محمد حرب إقفال المزيد من المحلات التجارية في شارع الحمرا، بسبب تعرضها لخسائر كبيرة نتيجة تفاقم الأوضاع، لا سيما المحلات التي تخضع لإيجارات جديدة، مشيراً لـ«الأفكار» إلى أن حركة الزوار الأجانب تراجعت حوالى 75 في المئة.
ويرى أنّ «المشكلة ليست في عدد السياح الذي يتسوّقون في شارع الحمراء، بل في نوعيّتهم»، مشيراً إلى أن «التجّار اليوم يعتمدون على السوريين الذين هربوا من بلدانهم ، وأوضاعهم المادية متواضعة من جهة، وعلى العراقيين الذين يأتي معظمهم للاستشفاء من جهة أخرى>. ويعتبر حرب أن «غياب السائح الخليجي يشكّل ضربة قاسية جداً للحركة التجارية»، مفيداً بأن «كل المحلات التجارية بدأت بتقديم الحسومات منذ مطلع تشرين الاول/ أكتوبر وهذا أمر لا يبشّر بالخير أبداً». وفي السياق ذاته يشير حرب إلى أنّه «اضطر مرغماً الى تقديم حسومات كبيرة لعلّ الزبائن يتشجعون على الشراء علماً انه في السنوات العادية، لا يمكن أن تبدأ الحسومات من شهر تشرين»، ويؤكد حرب أنّ «الحركة تعتمد على السياح واللبنانيين المغتربين الذين فضل معظمهم عدم المخاطرة والمجيء إلى لبنان... مما جعلنا كتجّار الخاسر الأكبر>.
<... حتى تجّار الذهب»
يرتفع الأنين كلما انتقلت من محل إلى آخر... حتى تجّار الذهب، فعاطف حيدر (صاحب متجر للذهب)، يبادر «الأفكار» قائلاً: «الناس تشتري الضروريات، لن يتشجعوا لشراء المجوهرات»، مؤكداً أنّ «هذه السنة هي الأسوأ على الإطلاق>.
عاطف يوضح أنه «إلى جانب الأحداث الأمنية التي تسهم بشكلٍ كبير في تراجع الحركة والتسبب بخسائر، هناك تراجع في حركة الأعراس والأفراح، ونحن نعتمد بشكلٍ كبير على هذه المناسبات لنحقّق أرباحنا». ويخلص للقول: «إننا في موقف محرجٍ جداً هذا العام، لا نحسد عليه».
من الحمرا الى الزلقا ومع جو خليل الذي أشار الى ان الحركة التجارية في الزلقا ضعيفة بشكل لافت، رغم التنزيلات التي أجراها التجار والتي تجاوزت الـ70 في المئة، عازياً ذلك الى عدة عوامل ابرزها تراجع عدد السياح والمغتربين واللبنانيين الذين يعملون في الخارج وضعف القوة الشرائية لدى اللبنانيين في الداخل، وقال خليل <المزعج ان الانكماش التجاري يأتي في ظل ارتفاع الكلفة التشغيلية، الأمر الذي ينعكس سلباً على ربحية المؤسسات التجارية، التي باتت جميعها على شفير الهاوية>.
وأضاف خليل:
- اما الاخطر فهو استغلال بعض المصارف هذا الواقع لوضع يدها على عقارات تعود لمؤسسات متعثرة بدلاً من الوقوف الى جانبها في محنتها لتمكينها من الوقوف على رجليها من جديد. وكشف خليل عن إقفالات بدأت تظهر بقوة في الاسواق، محذراً من ان الأمور متجهة نحو الاصعب.
من الزلقا الى مار الياس ومع سهى الفاكهاني التي قالت: <لم نشهد بتاريخ سوق مار الياس، اي منذ نحو 40 عاماً، اسوأ من السنتين الماضيتين، فالحركة معدومة والتجار على الارض يا حكم>.
واضافت الفاكهاني:
التجاذبات السياسية والاحداث الامنية وعمليات الخطف والفلتان الامني كلها عوامل ساهمت بشكل أساسي في ضرب الاقتصاد الوطني لا سيما القطاع السياحي الذي يعتبر الركيزة الاساسية لحركة الأسواق، بالاضافة الى الهموم الحياتية والنفسية التي تضغط على المواطنين اللبنانيين التي تجعلهم يحجمون عن الشراء.
وأشارت الفاكهاني الى ان الكثير من المناسبات السعيدة تم الغاؤها، لافتة في هذا الاطار الى اعراس المغتربين أو اللبنانيين الذين يعملون في الخارج التي كانت تتم سنويا بكثرة بين آب/ أغسطس، وايلول/ سبتمبر وتحرك الاسواق، ولكن المناسبات هذه السنة للأسف شبه معدومة، وهذا الموسم سيئ جداً، أكثر من اللازم، ونحن نعيش مأساة حقيقية، لافتة الى انه رغم التنزلات الكبيرة غير المعهودة التي تصل الى 80 في المئة، فإن الناس غير قادرة على الشراء كما يجب، وإذ كشفت فاكهاني الى ان الكثير من المؤسسات التجارية في مار الياس والحمرا تقفل أبوابها، أشارت الى ان الحركة التجارية لا تتعدى الـ10 في المئة مما كانت عليه في الاحوال الطبيعية رغم التنزيلات الكبيرة التي أجراها التجار منذ مطلع موسم الصيف وحتى في فترة عيد الاضحى، مبدية تخوفها من حصول انفجار اجتماعي يطيح الاخضر واليابس.
وننتقل الى جبيل ومع حمزة حمود صاحب مؤسسة حمود لبيع الحلويات الذي اعتبر ان الحركة التجارية في جبيل في أدنى مستوياتها، بسبب التشنجات السياسية والاحداث الامنية وقال: <الناس في أزمة مادية وضائقة معيشية، كما أننا لم نشهد هذا الصيف حركة سياح، في حين ان عدد المغتربين اللبنانيين كان أقل بكثير مما هو معتاد>، معتبراً ان كل هذه العوامل أدت الى ضرب الموسم السياحي والى جمود الاسواق وتراجع الحركة التجارية بشكل لم يسبق له مثيل، وأشار حمود الى انه رغم تجاوز ظاهرة <داعش> في جبيل، فإن حركة الاسواق في الاعياد كانت سيئة، لافتاً الى تراجع الحركة بنسبة 50 في المئة مقارنة مع موسم العام الماضي، وكشف حمود عن توجه الكثير لدى العائلات في جبيل الى إرسال اولادهم الى الخارج بسبب الضائقة الاقتصادية والمعيشية، وهذا وضع مستجد على جبيل والجوار ولم نعهده في السابق.
ولم تكن سوق مدينة عاليه بعيدة عن التأثيرات السياسية والأمنية التي عانى منها لبنان في السنوات الأخيرة، فقد بات بعض محالها التجارية مهدداً بالإفلاس، وأغلقت محال أخرى أبوابها نهائياً، واكتفى أصحابها بالجلوس في منازلهم حتى لا يترتب عليهم المزيد من الخسائر، وهذا ما يرجع أساساً، إلى عجزهم عن تأمين قيمة أيجار هذه المحال، وهي ايجارات تتناسب، في ارتفاع أسعارها، مع السمة السياحية للمدينة.
أراء ومعاناة في عاليه
تعددت وجهات نظر تجار مدينة عاليه، الذين التقتهم <الافكار>، حول أسباب الركود التجاري في المنطقة، إلا أن أكثرهم أجمع على أن للأسباب السياسية وتداعياتها الأمنية الدور الأكبر في الوصول إلى هذه الحال، فليس مستبعداً أن تُشل الحركة التجارية في لبنان بعد أن أصبح مصيره في مهب الريح، خاصة بعد التهديدات الأمنية من قبل <داعش> التي أرهبت الناس وعطلت العجلة السياحية التي هي أساس حركة سوق عاليه، على حد قول فريد الاعور، صاحب محل الاعور للحلويات، وهو يذكر أنه في بداية كل موسم اعياد او موسم سياحي معين يحصل ما يعكر الجو العام، (خطف عسكريين، تفجيرات... )، مضيفاً أن سوق عاليه أصبحت راهناً مقصداً لأبناء المنطقة فحسب، وهم في معظمهم من ذوي الدخل المحدود، وقد باتت الحركة التسوقية مرتبطة بمواسم معينة، كموسم بداية المدارس كما يحصل حالياً وبحفلات الزفاف والراغبين بشراء ضروريات الحياة.
من جهته ذكر عصام ابو خير صاحب ميني ماركت ابو خير أن 15 متجراً في عاليه أغلقوا خلال هذا العام نتيجة عجزهم عن دفع بدل الإيجار. ويلفت ابو خير إلى أن كل سنة تكون أسوأ من سابقتها، فهذا المحل كان، في الماضي، يعج بالزبائن حتى أننا كنا لا نجد مكاناً لنمر بينهم، أما الآن <فيا دوب> أقدر على تأمين إيجار المحل ورواتب الموظفين>، وأن من يريد الاستمرار في مثل هذا الوضع الاقتصادي الصعب يجب أن يعمل دائماً على زيادة رأس ماله حتى يتناسب حجم الاستثمار مع الأرباح، فإذا كان أي مشروع تجاري يحتاج الى خمسين ألف دولار قبل سنوات، فعلى صاحبه الآن زيادة رأس المال أكثر من النصف ليتمكن من تحصيل أرباح تجنبه الخسارة>.
شماس يشرح الموقف المأساوي
القطاع التجاري في لبنان اليوم في أسوأ سنواته منذ اندلاع الأزمة السورية، هكذا يختصر رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس الواقع الراهن لتّجار لبنان في مختلف مناطقه، والأصعب من الوضع الحالي، هو غياب الأمل بتحسن ما في مستقبل قريب، الهمّ لدى التجار كبير، وعلى رغم مداراة المصارف، فإن التخوف من تعثرات مالية يتزايد أكثر ما يخشونه في المرحلة المقبلة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، <الافكار> التقت الدكتور شماس وكان السؤال المدخل عن الواقع الراهن للوضع التجاري في لبنان؟
- للأسف الشديد لقد وصلنا إلى مرحلة صعبة جداً على مختلف الصعد، ولا تزال كل المؤشرات الاقتصادية والتجارية منذ بدء الأزمة السورية في منحى انحداري سلبي، وقد خسر الاقتصاد اللبناني الذي تأثر بالغ الأثر بالأوضاع السياسية والامنية المتأزمة أغلب قواعده الاقتصادية على مدى أكثر من ثلاث سنوات، أي 12 موسماً سياحياً على التوالي.
ــ كيف تأثرت الحركة التجارية في شكل مباشر جراء ذلك؟
- اليوم الحركة التجارية والاقتصادية شبه معدومة، لم نشعر بأية حركة نشطة أو مزدهرة خلال عيد الاضحى وذلك في مختلف المناطق اللبنانية. فالجمود سمة مسيطرة في شكل كبير على الحركة التجارية، ولا يبدي التجّار أيّ تفاؤل أو حتى بصيص أمل إزاء هذه المرحلة، كما أنّ توقّعاتهم غير إيجابية للمرحلة المقبلة، خصوصاً أنهم في حال حذر خوفاً من تأزم الأوضاع الأمنية نحو الأسوأ، وقد انعكست كل هذه العوامل السلبية مباشرة على قطاعات الألبسة والهدايا والمجوهرات، كما أشرنا سابقاً، الحركة التجارية في تراجع كبير وواضح، وهي لن تتحسّن إلا مع تحسّن المناخ العام في البلد، لقد تراجعت المؤشرات العامة عام 2014 بشكل كبير مقارنة بعام 2013، لذا تعد هذه السنة من أسوأ السنوات التي شهدها القطاع التجاري منذ بداية الحرب السورية.
ــ ما هي أبرز المشكلات التي يعاني منها التجار في لبنان حالياً، وكيف تتم مواجهتها ومحاولة معالجتها؟
- أبرز التحديات التي يواجهها التجار اليوم هي تحديات مالية بالدرجة الأولى، كون حجم المبيعات تراجع بشكل كبير منذ سنتين ونصف ليبلغ نسبة 35 بالمئة مقارنة بالفترات السابقة، إضافة الى ارتفاع الأعباء التشغيلية مثل الرواتب والفوائد المصرفية، اضافة الى مخاطر أمنية محدقة واحتمالات كبيرة مفتوحة تؤثر في شكل كبير على القرار الفردي للناس. وكما هو معلوم، أغلب التجار يقترضون أموالهم من المصارف، وهذا يشكل عبئاً كبيراً عليهم. كجمعية تجار سنسعى لدى حاكم مصرف لبنان ووزارة المالية للمطالبة بتحسين معاملة التجار والافراد من خلال الاستفادة من القروض الميسّرة كباقي القطاعات الاقتصادية. والحق يقال إن هناك دعماً معنوياً يتلقاه القطاع التجاري من قبل حاكم مصرف لبنان، غير أنّ المشكلة تكمن في عدم وجود موازنة في الأساس لهذا النوع من الدعم، أي غياب التشريع المطلوب.
ــ كيف تصف العلاقة بين القطاعين التجاري والمصرفي؟
القطاعان التجاري والمصرفي توأمان لا ينفصلان. وأهمية القطاع التجاري أنه يمثل حوالى ثلث إجمالي الناتج المحلي، ومن خلال هذه العلاقة المتداخلة بين هذين القطاعين الأساسيين في البلد، نجحت المصارف بشكل جيد في تمويل البرامج والمشاريع وذلك إما عن طريق القروض المدعومة أو بواسطة التسهيلات المالية ذات الفوائد المخفضة.
ــ في رأيكم، هل يتلقى القطاع فعلياً دعماً مفيداً؟
- الدعم الحكومي يقصد به الفوائد المدعومة، أي أن تتحمل الدولة جزءاً من عبء هذه الفوائد. ويمكن تسميتها أيضاً بالمساندة المصرفية. من جهة أخرى، أعطى حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة تعليماته للمصارف لتقديم رزمة من التسهيلات، والأهم أيضاً المرونة التي يجب أن تظهر من قبل المعنيين تجاه التّجار، لا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها القطاع، كما البلد. وتتقرّر المرونة المصرفية تجاه التجار من خلال دراسة كل حالة على حدة، أي علاقة كل تاجر مع مصرفه. وللأمانة نقول إنّنا نشهد حالة من التروي والمرونة من قبل المصارف.
ــ هل تعتقد أن طرح زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1 بالمئة ستكون مشكلة إضافية على كاهل المواطن وعلى أصحاب المحلات؟
- زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1 بالمئة أمر منطقي لتحصيل واردات للخزينة، وهي عملية انتقال للموارد المالية من فئة الى فئة اجتماعية أخرى ولكن بالمقابل ستؤثر سلباً على القدرة الشرائية (اذ ستسحب من السوق بحدود400 مليون دولار كقدرة شرائية)، مما سيرتد سلباً على اصحاب المحال التجارية.
ــ هل الضرائب المفروضة على البضائع الكمالية تشكل خطوة جيدة في إطار التمويل المطلوب للسلسلة؟
- الضرائب على البضائع الكمالية تربك لبنان ومكانته كمركز للتسوق. فلبنان ينافس دبي ودولاً عالمية أخرى، وأسعار الكماليات لدينا هي أساساً مرتفعة مقارنة بغيرنا من الدول. التمويل يكون عبر شرطين رئيسين، هما تخفيض حجم النفقات البالغة 21 مليار سنوياً من مجموع نفقات الخزينة من جهة، وحسن التحصيل الضريبي من جهة ثانية. ولكن، للأسف، لا امكانية لتنفيذ هذه المقررات في ظل غياب الموازنة.
ــ ماذا تقول عن حركة الرساميل في لبنان هذه الأيام؟
- الحديث عن الرساميل يكون عبر شكلين: رساميل استثمارية ورساميل استهلاكية. حركة الرساميل الاستثمارية سجلت ضعفاً كبيراً في الفترة الأخيرة، علماً بأن هذه الفئة من الرساميل تتيح إدخال العملات الصعبة والمستثمرين الجدد إلى السوق المحلية. أما الرساميل الاستهلاكية فهي عبارة عن الأموال المنتقلة من المغترب الى ذويه مثلاً، أي الرساميل التي تستفيد منها الأسر اللبنانية المقيمة، وتعتبر هذه الفئة من الرساميل إنقاذية، كونها تؤمن معيشة لشريحة واسعة من اللبنانيين.