يبقى لها عالمها الخاص، عالم تبنيه بكلمة ولحن وتدعو أحباءها الكثر الى الانتقال معها إليه، فيطيرون سوياً صوب دنيا، العشق فيها أنواع والمصب واحد.الى روح الروح تدخل، في اعماقها تحركش، ومنها تنبت ازهاراً واقماراً وبحاراً من عسل .. البومها الاخير «شهد» كان خير ردّ على مقولة خربت الفن أعواماً «الجمهور عايز كده» وكتابها «الأزرق والهدهد» ــ عشق على الفايسبوك ــ احتل المراتب الأولى في المبيعات، من جمهور الشباب تحديداً. كذلك، تم اختيارها العام الماضي من جامعة كامبريدج ــ لندن ــ لتكون من ضمن 2000 شخصية مثقّفة في هذا القرن يخصَّص عن سيرتها ملف كامل ضمن صفحات معجم الجامعة العالمي.
جاهدة وهبي، ابنة بلدة عانا البقاعية، حيث الماء والصفصاف يعانقان الأزل تغرد في سرب بعيد عن عالم اليوم «المتمعدن» كما تقول... صوتها خلاصة العشق، فهل تعيشه؟ وماذا تقول عن جديدها؟
في لقاء «الأفكار» الممتع معها كما دائماً، كانت هذه الأجوبة الشعرية في أكثر من صورة.. وسألناها بداية:
ــ الدعوات الى «الجهاد» كثيرة في أيامنا، والكبير وديع الصافي لقبك بـ«المجاهدة» في سبيل الفن الأصيل. متى شعرت بالتعب في الرحلة الغنائية الصعبة التي اخترتها؟ في أية محطات؟
- التعب موجود منذ سلوكي في الفن طريقاً مغايرة عن السائد في زمن أصبح فيه الطرب ترفاً والشعر «دقّة قديمة». أتعب لأني أنتج أعمالي بنفسي وهي أعمال تستلهم الأدب والشعر وتنشد الاختلاف والبقاء لأني في بلد ليست فيه الثقافة والفنون من الأولويات
وأنا أبذل جهداً كبيراً في سبيل إيصال أغنياتي للناس ــ المرتكزة على مبدأ الموسيقى العالمة التي تُمتع وتثقّف وتنير ــ في ظل «داعشية» موسيقية هجمت علينا من كل حدب وصوب ظلامية في الموسيقى التي هُرّبت إلى الابتذال والتسليع والاستهلاكية وإرهاب في الفنون التي تغوغأت جراء أحداث سوسيوسياسية مما يدخلني أحياناً في صومعة من الإحباط والتصحّر.
وأضافت:
- كل هذا وغيره يتعبني لكني على طريقة محمود درويش أجتهد في تربية الأمل. وعندما أسمع من الناس عن إعجابهم وشغفهم بعملي أنسى التعب وأشعر بالطيران وبخفّة الكائن التي تُحتمل على غير ما ذهب إليه الكاتب الكبير «كونديرا» في روايته الشهيرة.
كلامولوجي..
ــ أصبح الشعر اليوم مادة تندر أحياناً، فنسمع السياسيين أو غيرهم ممن يدعون العملانية يقولون «ما بقا تحكوني شعر».. ألهذه الدرجة الشعر في أيامنا بات برأيك مفصولاً عن الواقع؟ باتت الجماليات التي يحملها من غير عصرنا وسرعته وربما القرف الذي فيه؟
- الشعر ملاذنا وملجؤنا من البلادة والتفاهة وهو تعويذتنا ضد كلّ ما يحصل حولنا من همجية وقبح هو وقود الحلم لهذا ربما يحاولون إقصاءه .. وإلا كيف سيستمرّون في إقناع الناس بمهازلهم واتحافنا بـ«كلامولوجياتهم» السّفيهة.
ــ من علّمك حب الشعر لهذه الدرجة وتقولين «أنا مريضة قصائد وغناؤها يشفيني». مم يشفيك تحديداً؟
- والدي زرع فيّ حب الشعر وذائقة القوافي القصائد التي أهوى تحترف هي تلحيني وتقليبي على شتى أنواع نيرانها وعذاباتها.. في كل مرة رائحة حرق جديدة طبقاً لمنسوب المشاكسة بيننا .. كأنما القصيدة كائن من نور ونار، الآخر المغرمة به أقلق منها حد الوسواس.. بعض كلماتها يتحول الى ما يشبه المقصلة إلى أن أجد لها معادلاً نغمياً جميلاً يرضي هواجسي وقلقي فتتحول عندها إلى أراجيح، ويعبرني وأنا أعدّ ألحاناً لهذه القصائد ما مرّ بي وبصمني ويعبرني ما سيأتيني وسيدمغني يخرمشني ويدميني.. تعبرني حياتي يمتشقني موتي ثم يعفيني يقول سوف أؤجل حتفك هذه المرّة ويعدني بميتات أخرى أشهى لذا تجدينني كلّ مرة أقرأ فيها نصّاً جميلاً أبحث عن مرض جديد يحييني.
ــ هل شفى ألبوم «شهد» غليلك في تقديم أجمل الهمسات للعشاق وما الذي يمكن ان تقوليه بعد في العشق بغير الموسيقى، كتابة فيلم مثلاً، كتابة شعر، قصة حب؟
- في ألبوم «شهد» حققت حلماً قديماً بتقديم هدهدات للكبار من خلال قصائد حب من العالم حاولت فيه لمس الحميمي في الإنسانية من خلال الموسيقى... النغم... مداعباً أوتار الآه.. مغزولاً في عتمة الحواس الفجر متسللاً بخيوط رقيقة إلى مسام الليل...دوار العشق محفوفاً بالمطر، محتفلاً بالعطر.. بالقمر.. بوهج النار.. بوميض الماء.. بخفق الموج .. .بخاصرة الشوق..بمرايا وأهداب، وهذا حلم سيتجدّد دوماً وسأظل أكتب وأرتكب الأغنيات والقوافي بكل ما أوتيت من عشق.
أنا والعازفون الأوروبيون
ــ الألبوم الذي جمعت فيه قصص الحب من حول العالم كان من ألحانك ومن إنتاجك الخاص ومع عازفين أوروبيين. لماذا أوروبا وأين وجدت الفارق مع التسجيل في بلد عربي، لبنان بشكل خاص؟
- نعم.. هذا الألبوم قمت بتسجيله في بلجيكا مع موسيقيين كبار تحت إدارة الموسيقي العراقي أسامة عبد الرسول الذي أشرف على الإنتاج وشارك في توزيع بعض الأغاني مع المايسترو «ديك فان درهرست» و«فيليب توريو» (أكورديون)، وسأذكر هنا الموسيقيين: على الكمان مروان فقير، على التشيللو «لودة فيركامت»، على الكلارينت «ماتياس لاغا» وعلى الإيقاعات «فرنسوا تايلوفر»، كما شارك كعازفين ضيوف كلّ من بدرو غوريدي على الكلارينت، إيلي معلوف على التار والبزق وحسن حسنوف ــ صولو كلارينت والشعراء: بابلو نيرودا، محمود درويش وأدونيس إلى طلال حيدر، فرّوغ فرخزاد، ولّادة بنت المستكفي وأنسي الحاج. أما لماذا في أوروبا فلأنني أحببت أن أتعاون مع هؤلاء الموسيقيين وهم من أهم موسيقيي أوروبا ولأني أردت أن أمزج ما بين صوتي وبعض الآلات الشرقية مع بعض الآلات الغربية وبخاصة لأني التقيت بمبدعين عليها ولأني وجدت أيضاً ــ وهذا مهم كوني منتجة مستقلة ــ أن كلفة التنفيذ الموسيقي والتوزيع والتسجيل والطبع في أوروبا أرخص من لبنان والجودة عالية من كل النواحي.
جبران وميّ..
ــ أين أنت من الانتشار في مصر مثلاً، وهل لك جمهور كبير فيها؟
- لي انتشار فيها أتمنى أن يكبر ويكبر حتى يغطي كل مصر الحبيبة.
ــ هل تعتبرين انك تغامرين مع إطلاقك أسطوانتك «شهد» فمثلاً فيها نص عن «ولادة بنت المستكفي» وأخرى عن فروغ فرخزاد، هل تثقين بجمهور جاهدة الذي سيتابعها في أي جديد؟ ومن هو هذا الجمهور؟
ــ أنا على يقين أنه إذا ما أتيح للجمهور أن يسمع هذه القصائد مغناة مع النمط التوزيعي الجديد الذي اعتمدناه فإنه سيتلقّفها بشكل جد جميل، لقد تم اعتساف مخيّلة الناس وتسطيح ذائقاتهم بمقترحات الفضائيات وشركات الإنتاج التي باتت تتحكّم بالذوق العام، ففي كل مرة نقدّم أغنية مختلفة عن السائد مغامرة لكنها مغامرة ولا أبهى، فليس أحلى من أن نأتي بالناس والشباب الى منطقة الشعر. وأنا أثق بأن الجيد والأصيل سيفرض نفسه، وألبوم «شهد» وللأسبوع السابع على التوالي على قائمة الأكثر مبيعاً.. وهذا يفرحني كثيراً وقد علمت أن الكمّ الأكبر من المشترين شباب.. بالنسبة لي هذه سعادة لا توصف.
ثنائيات... الحب
ــ في الأدب والشعر العربيين ثنائيات حب رائعة. أيها تحفظها ذاكرة جاهدة وهبه وما الأسباب؟
- غادة السّمان وغسان كنفاني جبران ومي زيادة، جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار ثنائيات رائعة ومبدعة أهمها برأيي ثنائية جبران ومي وتلك الرسائل الرائعة المتبادلة بينهما وذاك الحب السماوي الصوفي الذي جمعهما على مدى عشرين عاماً مع أنهما لم يلتقيا أبداً.
ــ كيف ولدت فكرة كتاب «الأزرق والهدهد» عشق على «الفايسبوك» الذي يشكل حواراً ما بين حبيبين؟ ماذا قصدت به وهل وصلت الى هدفك المنشود مع بلوغه المراتب الأولى في المبيعات؟
- أنا فقط «رميتُ بقنديلي في البستان ليُبصر جليّاً ثمّ هجعــتُ..» كما يقول إيلوار.. ولدَت من رحم هذا العالم الإلكتروني.. من قصص ألهمتني.. من ذاكرة هدهدتني وآتٍ وعدني.. من قدر بعثرني.. ولدت من شهقات تلك الشّهب السّرية الرّهيفة.. ولدت من يناع الأحلام. ثم إني أردت الكتاب برموز وإشارات معلوماتية متماهياً تماماً مع صفحة «الفايسبوك» وبطريقة فتح كما «اللابتوب» ربما ليكون سبّاقاً في طرح شكل جديد للكتاب العصري وربما لكي يصل بشكل أسرع لشريحة الشباب التي ابتعدت عن القراءة نوعاً ما وانخرطت بجدارة في العالم الرّقمي أو لأنّ شخصيّتيه تقطنان بيئة افتراضية حيث الواقع ملتبس ومتلبّس بالمجاز والمجاز مسربل بالواقع..
ثم أردفت:
- لقد كنت سعيدة جداً أنه احتلّ المرتبة الأولى في مبيعات معرض بيروت كما في عدة معارض عربية. كما رشّح لجوائز عديدة وبات يدرّس كمادة أدبية في غير مدرسة لبنانية.
في ظل أم كلثوم
ــ لماذا حرصت على أغنية «النوم يداعب عيون حبيبي» للسيدة أم كلثوم ولو كنت في عصرها أية أغنية لها كنت ناضلت لتحصلي عليها قبلها في منافسة حلوة بينكما؟
- حرصت على تقديم أغنية «النوم يداعب» لأم كلثوم لأنها تتماهى مع تيمة الألبوم ولأنها من أجمل أغانيها التي ألفها أحمد رامي ولحّنها رياض السنباطي وقد قام الموزّع «ديك فاندرهارست» بتوزيعها بشكل جميل ومبتكر وبرؤية موسيقية فذّة علماً بأني حافظت فيها على أداء كلاسيكي. أحب لها كثيراً أغنية: جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح.
ــ إلى من تستمع جاهدة وهبه من مطربي اليوم؟ ماذا عن كاظم الساهر الذي يغني القصائد أيضاً ولماذا لا نسمعك في قصائد لنزار قباني؟ الموسيقار ملحم بركات يقول إنه لا يصدق كثيراً شعر نزار قباني هل توافقينه الرأي؟
- أستمع لبعض أغنيات حسين الجسمي وكاظم الساهر وعلي الحجار وظافر يوسف وللراحلتين ذكرى وربى الجمال، وأنا غنيت لنزار سابقاً وكثيراً في حفلات حية.. قد أسجّل مستقبلاً أغنية من كلماته. وأنا أصدّق ملحم بركات عندما يلحّن ويغنّي أكثر مما أصدّقه عندما يعطي رأيه بشعر نزار قباني.
أبحث عن منتج
ــ ماذا عن الأسطوانة الشعبية التي تحضرينها الآن. مع من تتعاونين فيها وهل ستكون من إنتاجك؟
- أتمنى أن أجد منتجاً لها وإن لم أجد سأنتجها بنفسي كالعادة وسأضمنها نصوصاً كثيرة بالعامية ولن تكون كلها من ألحاني وأفضل عدم الخوض في تفاصيلها الآن.. علماً أنه سيصدر لي بعد شهرين تقريباً ــ ألبوم ديني جديد بعنوان «مزامير» من ألحاني ومن إنتاج تلفزيون «سات 7»
ــ والعمل عن رابعة العدوية كيف يحضر له، مع من ومتى سيبصر النور؟
- هذا العمل الموسيقي الشعري الغنائي من كلمات رابعة العدوية ومن ألحان صديقي أسامة عبد الرسول وليس فيه سوى أغنية أو اثنتين من إعدادي وقد قدمناه سابقاً في عدة مدن أوروبية وسنسجله قريباً مع ألمع موسيقيي أوروبا وتركيا وهو في طريقه للتحول الى عمل مسرحي غنائي.
ــ ماذا عن الحفلات في لبنان وخارجه؟
- سأحيي عدداً من الحفلات في لبنان مع فرقتي الأوروبية خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) كما أسافر الى فرنسا مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر)لأقدّم مع الفنان ملحم زين احتفالاً تكريمياً للكبير وديع الصافي على مسرح «لا سيغال» والحفلة من تنظيم شركة «كومنبرود» العالمية وبعدها لدي عدد من الحفلات والأمسيات الشعرية في كلّ من دبي والكويت وبلجيكا.