بقلم عبير أنطون
[caption id="attachment_83737" align="alignleft" width="335"]
من عبد الرحمن الباشا الى إبراهيم معلوف وغي مانوكيان وجاهدة وهبي وفاديا طنب وعبير نعمة وغادة شبير وماتيو خضر فضلاً عن أسماء أجنبية بينها التينور باولو باوليلو من البرازيل، وعازف التشيللو هنري دي ماركيت من فرنسا، ودانييلا كمارانو على الكمان وكزافييه دي ميتر على "الهارب"، يرتدي اللقاء الثالث عشر الممتد من الثالث من كانون الاول حتى الثالث والعشرين من الجاري لاحتفاليات "بيروت ترنم" طابعاً مختلفاً هذه السنة. صحيح ان السنوات السابقة لم تدرّ المن والسلوى على اللبنايين، ولا هي أنعمتهم بالطمأنينة وراحة البال، الا ان هذا العام كان الحزن اشد والاسى اعمق. فما الذي غيّره الاحتفال بـ"بمهرجان بيروت ترنم" في العاصمة الثكلى؟ ما الذي تنقله كنائس بيروت وجامعاتها وأسواقها من أناشيد ومعزوفات تمتزج مع أصوات الملائكة لتقول في شهر الميلاد "على الارض السلام، وفي القلوب المسرة"؟ وهل ما يسر او يبلسم الجراح اليوم؟
الاجوبة قطفناها في لقاء "الأفكار" مع مؤسسة "بيروت ترنّم" ميلشين ابي سمرا بدءاً من السؤال:
- وسط هذه الظروف هل تردّدتم بإحياء الموسم الثالث عشر؟
بعد الرابع من آب المشؤوم، ولما لم يبق لنا ما نتمسّك به من حولنا قررت ان نحيي بعد حوالي الشهر على الانفجار حفلة عبير نعمة تحت عنوان "صوت الامل" من قلب كنيسة مقابلة لموقع انفجار مرفأ بيروت المروّع، وتحت سقفها المهدد بالسقوط ووسط جدرانها القديمة التي تزعزت. حينها نشرت في كل شوارع العاصمة تجهيزات صوتية من خلال سبع نقاط في وسطها بشكل يتيح لسكان بيروت وزوارها الاستماع على مدى خمسين دقيقة إلى برنامج يضم اغنيات وطنية وترانيم دينية. وما بين صوت عبير نعمة والأغاني الوطنية مع الصلاة الطالعة من كنيسة مار مارون، كانت كل العاصمة من الحمرا إلى الأشرفية والجميزة ورملة البيضا ووسط بيروت تستمع، بهدف أن يتسلل صوت الموسيقى الى آذاننا وننسى ربما صوت الدمار المدوّي الذي خلّفه الانفجار واستقر فيها.
وتزيد أبي سمرا:
للحقيقة فكّرت بحفلة عبير نعمة حينها لأداوي نفسي اولاً ، اذ كنت محطّمة لدرجة لا توصف. تمسّكت بالموسيقى التي اعرف انها تعبر لي في قمة الحزن كما في أوقات الفرح. ولما رأيت التأثير الذي نشرته هذه الحفلة، شعرت كأننا قمنا بعلاج نفسي جماعي، نغني ونرنم ونبكي ونحكي ونعبر. كنت اشعر وكأنّنا رهائن، وليست لدينا خيارات. الا انه ليس لنا إلا الأمل، هذا ما علمتنا إياه بيروت. فقرّرت ان ابقى في وطني، في عاصمتي، في
[caption id="attachment_83735" align="alignleft" width="448"]
- وما كان دور السفارات المتعاونة ؟
السفارات الغربيّة ساعدت جداً، ولعبت دوراً بارزاً في دعمنا، وفي تسهيل مجيء نجوم من بلادها للمشاركة في هذا الحدث. كما اننا نعمل بشفافية كبيرة جداً، ونقدّم احتفالاتنا مجاناً، والدليل الأبرز ان هذه السفارات وقفت الى جانبنا في أيام مماثلة حيث عيونها مفتحة، وهذا يعني أنها مؤمنة بعملنا ورسالتنا. وقد حضرت كل من السفيرات الفرنسية والإيطالية والأميركية والسويسرية، فلبنان الثقافي يعني الكثير، والجوهر يكمن هنا، حتى لا يفقد لبنان مركزه وهويته، مع شعارنا الدائم بأن الثقافة ليســت ترفــاً بل حاجة دائمة.
- ماذا عن الاقبال، وهل الناس متخوّفة؟
الإقبال كان كثيفاً جداً، وليت الاماكن كانت تتسع للجميع، ولأجل ذلك استخدمنا شاشات كبيرة في الخارج لمن لم يستطع او يتهيّب الدخول، فضلاً
[caption id="attachment_83734" align="alignleft" width="366"]
- وهناك تحية ارمنية ايضاً ؟
طبعاً. فنحن نلون برنامج المهرجان لهذا الموسم بتحية تكريمية لأرمينيا من لبنان، يحييها عازفون أرمن على آلات الكمان والتشيللو والفيولا في 22 ديسمبر (كانون الأول) في كنيسة القديس نيشان وسط بيروت .
بيت الوسط...
- تتوزّع احتفالاتكم على مختلف انحاء بيروت ومنها ما تضرّر عقب الانفجار. اين كنت في لحظة الانفجار، وما اكثر مكان خشيت عليه؟
يوم الانفجار كنت في الصيفي مع ابني الواصل منذ يومين وقتها من نيويورك وهو يقيم فيها منذ حوالي عشرين عاماً. لم اره منذ عام، وكنا في بيته الذي لا يسعني ان اخبركم حجم الدمار الذي لحق به .امر يدمي القلب فعلاً . لكنه في الوقت عينه لم يصبه اي مكروه وكأنها اعجوبة تُرسخ ايماني اكثر واكثر. كان ذلك دافعاً اضافياً لاحياء "بيروت ترنم" ، وسوف تبقى بيروت حية، وكل منها يعطيها على قدر طاقته، ومن موقعه باتقان وضمير، وهي لا تطلب منا اكثر من ذلك. والثقافة ليست مكلفة، وليس من الضروري ان تتطلّب انفاق المال، كما اننا في لبنان رائدون في مواهبنا أكان في الرسم او النحت او الاصوات او الموسيقيين او الكتّاب وهذا ما يجب ان نبرزه ونبقي عليه.
وتضيف أبي سمرا في معرض ردها عن سؤالنا:
[caption id="attachment_83736" align="alignleft" width="444"]

- الأسماء المشاركة مختلفة ومنها ما هو عالمي، واجنبي، ولم يقتصرعلى الفنانين اللبنانيين. هل واجهتكم صعوبات لاقناعهم في هذا الاطار؟
لا يمكنكم ان تتخيلوا كم هم مستعدون للوقوف الى جانب لبنان. فمنهم من قدّم مهاراته تكريماً لبيروت من دون أي مقابل مادي وبعضهم الآخر طلب مبالغ مالية رمزية لإحياء حفلاته. ويكفي أنّهم لبّوا دعوتنا رغم كل ما يجري.
وتستطرد أبي سمرا:
اسمحوا لي في مجال آخر أن اقدّم التحية لأرواح الضحايا الذين سقطوا. فنحن لو اننا نزيّن ونرنم ونغني حتى تعود عاصمتنا وتستنهض نفسها وتبقى مشعّة بين العواصم ، فإن قلبنا يدمى والحزن يملأ نفوسنا. صحيح ان هناك ورشة ترميم المنازل من حولنا لكننا نحتاج الى ترميم القلوب الموجوعة. ولهؤلاء قدّمنا كتحيّة مقطوعة القدّاس الجنائزي لموزار وهو ابرز ما عزف في هذا الاطار على مر التاريخ ، وسوف يبقون في وجداننا.
- هل بين أهل الضحايا من حضر واحدة من حفلاتكم في الشهر المجيد؟
لقد تواصلت مع اهالي ضحايا الدفاع المدني واحداً واحداً. كذلك فإن بين من فقدتهم صديقة أعزّ الصديقات على قلبي هالة طياح وكانت خسارة كبيرة . لكنّها ستكون كما الآخرين معنا دائماً، فتحمي كما كل الضحايا عاصمتنا بيروت من السماء.