بقلم علي الحسيني
منذ ان صدر الحكم على الوزير السابق ميشال سماحة بالحبس والذي قضى بسجنه أربع سنوات ونصف السنة فقط لا غير، والقضية الى تفاعل متزايد ووسط آراء متضاربة. ففي حين رأت فئة من الشعب اللبناني ان الحكم غير متطابق مع الجرم الذي اقترفه سماحة، عبرت فئة أخرى عن رأيها إما بالصمت أو بدعمها لقرار المحكمة العسكرية.
على قاعدة 6 و 6 مكرر
من الصعب جداً إيجاد قضية مشتركة يمكن ان تجتمع عليها فئات الشعب اللبناني بتلاوينها السياسية وتعدداتها المذهبية كافة، حتى أصبح اللبناني يوصف بأنه يمتهن فن النزاع وسياسة المناكفة والمضي على قاعدة ستة وستة مكرر، أي المجرم من هنا يجب ان يقابله مجرم من هناك، والحكم هنا يجب ان يقابله حكم مماثل هناك. وهذا ما ينطبق على واقعنا الحالي خصوصاً في قضية سماحة عندما طالبت قوى 14 آذار وعدد كبير من السياسيين بإعادة الحكم كونه حكماً سياسياً على حد تعبيرهم، عندئذٍ راحت القوى الأخرى تقارن بين جرم سماحة وما اقترفه الموقفون الاسلاميون الذين لم يحاكموا لغاية اليوم بالرغم من مرور سبعة أعوام على اعتقالهم اي أكثر من المدة التي أوقف بها سماحة.
تاريخ توقيف سماحة
في الشهر الثامن من العام 2012 اوقفت شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة التخطيط لتفجيرات متنقلة وذلك خلال إقامة إفطارات رمضانية في عدد من مناطق الشمال، وليعترف لاحقاً خلال التحقيقات التي أجريت معه بأنه نقل المتفجرات بسيارته من سوريا الى لبنان بأوامر من شخصيات نافذة في النظام السوري وانه كان ينوي استهداف شخصيات سياسية ودينية. الاسبوع الماضي وعقب إصدار الحكم بحق المتهم (سماحة) أخرج الى العلن شريط <فيديو> مصور يتضمن اعترافات صوتية لسماحة وهو يرشد معاونه ميلاد كفوري الى كيفية استعمال المتفجرات والاماكن والشخصيات التي يجب استهدافها بالاسماء، بينما كان يتناول ثمر <الصبار> غير آبه بالضحايا الذين كانوا سيسقطون لو لم يكن كشف أمره، وهو الأمر الذي أعاد الى أذهان فئة كبيرة من اللبنانيين ايام التفجيرات المتعاقبة التي طالت اكثر من منطقة لبنانية مثل الضاحية الجنوبية والشمال والبقاع وما اذا كانت لسماحة علاقة بها أو اقله بجزء منها.
ماذا لو نجح مخطط سماحة؟
سؤال قد يكون تبادر الى اذهان من يعتبرون أنفسهم حلفاء لسماحة وهو ماذا لو كان نجح مخطط التفجيرات؟ قد يبدو من الصعب الغوص في تفاصيل جريمة لم تنفذ، لكن من السهل التكهن بردة الفعل في ما لو كانت وقعت فعلاً. من المؤكد ان قتل شخصية سياسية او رمز ديني يتبع لجهة سياسية او مذهب معين، كان سيقابله قتل مماثل داخل أطراف أخرى، ونحن في لبنان البلد الذي تعودنا فيه على اتهام بعضنا البعض وتوجيه اصابع الاتهام بحسب أهوائنا السياسية لا من خلال تفكيرنا عن طريق المنطق لدرجة اننا أصبحنا في زمن بات فيه مقتل شخص ينتمي الى مذهب محدد تهمة مباشرة توجه الى المذهب الآخر والعكس صحيح، وهذا يبدو ما كان يسعى سماحة اليه ولو من دون علم حلفائه الذين صدم معظمهم بمخططه خصوصاً اللواء السابق جميل السيد الذي وصفه بأبشع النعوت بعد إشاعة اخبار تقول ان سماحة نقل في احدى المرات متفجرات في سيارته اثناء مرافقة اللواء السيد له من دون علم الأخير.
ريفي: الشعب اللبناني هو الحكم
وزير العدل أشرف ريفي اكد عبر <الافكار> انه اول مرة شاهد فيها الافلام المصورة المتعلقة باعترافات سماحة كانت مع بداية القضية. يومئذٍ أخبرني الشهيد اللواء وسام الحسن ان لديه إشارات عن امكانية التحضير لعمل إرهابي، مع العلم انني في ذلك الوقت كنت في حيرة من أمري بين مشكك لما رأيته وبين مصدق لاعترافاته، اذ سألت نفسي عن السبب الذي يجعل هذا السياسي يدخل في اللعبة الأمنية وان يصل الى حد ارتكاب الجرائم. وما شاهدته وشهده جميع اللبنانيين وقائع كافية لنقض الحكم الذي صدر والذي أدى الى ردة فعل قاسية لأنه لم يكن مقبولاً نهائياً. وأعتقد ان علينا ان نأخذ برأي اللبنانيين بعد مشاهدتهم لهذا الشريط، اذا كان سماحة مظلوماً او ارتكب جريمة غير مكتملة او تورط في جريمة إرهابية كبرى.
أضاف ريفي: أنا معني بالعدالة والقضاء ودائماً أسعى الى رفع معنويات كل مؤسسة أكون فيها، وأنا دائماً الى جانب معنويات القضاة وكرامتهم واقدر جهودهم، لكن لم يكن مقبولاً لا وطنياً ولا شعبياً ان يصدر حكم كهذا في جريمة كبرى إرهابية، وأريد ان أقول ان المنظومة التي وقفت وراء الحكم بحق العميد المتقاعد فايز كرم هي نفسها التي خرّجت حكماً غير طبيعي لميشال سماحة، من دون ان ننسى ان المحكمة العسكرية كانت قد أخلت سبيل عمر بكري فستق حين كان وكيله المحامي نائب حزب الله نوار الساحلي بعدما ناشد فستق السيد حسن نصر الله. وعندما أخلي سبيل شادي المولوي كان رئيس الحكومة حينذاك نجيب ميقاتي الذي استقبله في مكتبه. وشدد الوزير ريفي على اننا ذاهبون في قضية سماحة الى التمييز وعلى المستوى الاشمل أنا ذاهب باتجاه تقديم مشروع اقتراح بتعديل قانون المحكمة العسكرية ضمن منظومة صارت محضرة بكل جزئياتها الاساسية وتبقى لمسة اخيرة.
وختم بالقول: الحس الوطني عندي يغلب كل الاحاسيس تماماً وليكفوا عن استخدام <أبواقهم> لأنهم اذا كانوا يعتقدون ان بإمكانهم تهويلي سواء بتقديم الاستقالة او بمقاضاتي، فأنا أؤكد انني مناضل واتحمل مسؤولية عملي ولن أقبل وأنا في هذا الموقع اي حالة شاذة او نافرة او مستفزة للرأي العام او للاستقرار الاهلي والعيش المشترك.
القادري: المحاولة أحبطت لكنه باشرها
اما عضو كتلة <المستقبل> النائب زياد القادري فقد شدد على ان الكتلة تقف وراء الوزير ريفي، فاحكام المحكمة العسكرية أظهرت ازدواجية بين إرهاب وإرهاب.وخير مثال حالة الإرهابي ميشال سماحة والعميل فايز كرم وقاتل النقيب الطيار سامر حنا، وبرأيه ان الحكم على سماحة بهذه الطريقة قد شرع الجريمة، وبالتالي لن نستكين إلا بقبول التمييز ونقض هذا الحكم وإعادة محاكمة سماحة من جديد خصوصاً وانه ظهر في الاشرطة انه كان منظماً للإرهاب ومخططاً للجريمة وأعطى أمراً مباشراً للتنفيذ.
ولفت الى ان سماحة كان يريد تفجير البلد بأكمله وأقر بالأمر فهل يعقل أن يحكم عليه بالسجن أربع سنوات؟ صحيح ان المحاولة أحبطت لكنه باشرها وشرع فيها وحمل متفجرات من سوريا الى لبنان، اي انه كان يؤسس لعمل إرهابي تنطبق عليه احكام القانون 11/1/1958 الذي جاء ليعدل بعض المواد في قانون العقوبات واستبدل عقوباتها بعقوبات اشد. اليوم نحن نتحدث عن عمل إرهابي خطير وعن اغتيال شخصيات سياسية ومؤامرة كان من شأنها إحداث فتنة مذهبية في لبنان ولذلك كان يجب ان يأتي الحكم منسجماً مع الجريمة التي كانت سترتكب.
محامي سماحة: سيخرج قبل نهاية العام
حتى اليوم يكون قد مضى على توقيف سماحة ما يقارب الثلاث سنوات تقريباً، وبما ان الحكم الذي صدر بحقه اربع سنوات ونصف السنة يعني انه تبقى له سنة ونصف السنة للخروج من سجنه. ولكن اذا احتسبنا السنة السجنية بحسب القانون المختص بالسجناء نجد ان سماحة يمكن ان يخرج الى الحرية قبل نهاية العام الحالي رغم الجرم الكبير الذي ارتكبه بحسب منتقدي الحكم. محامي سماحة الاستاذ صخر الهاشم يؤكد في حديث لـ<لافكار> ان سماحة وقبل انتهاء العام الحالي يكون قد أنهى محكوميته او عقوبته السجنية اي الاربع سنوات ونصف السنة وذلك وفقاً لمنطوق الحكم ولدي ثقة كبيرة بخروجه خلال هذه الفترة.
وقال الهاشم: التشكيك بقرار المحكمة العسكرية يبقى تشكيكاً سياسياً، اما الواقع فإن المحكمة قامت على أكمل وجه وطبقت القانون والمواد التي تحول بموجبها سماحة بموجب ورقة الطلب والمطالعة والقرار الاتهامي الى متهم قضى معظم فترة محكوميته ولم يتبقَ الا القليل. اما في ما خص نقض الحكم الذي سوف تتقدم به بعض الأطراف يتمنى الهاشم ان يرد هذا النقض بالشكل، ويرى انه لن يمر حتى ولو تم قبوله بالشكل لأن التمييز في الاحكام هو فقط لمخالفة تطبيق القانون وليس الوقائع ولا العقوبات خصوصاً ان سماحة لم ينكر ما حصل معه وبأنه استدرج من قبل محرض سوري يدعي ميلاد كفوري قامت بعض الاجهزة الامنية على تدريبه واستطاعوا خرق دماغه في قضية كان يتحدث فيها سياسياً.
اضاف الهاشم: الجميع اعترض على الحكم الصادر لكن احداً لم يقرأه حتى الآن. وأنا أنفي تماماً ان يكون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر قد خضع لضغوط ما في هذه القضية. وأريد ان اؤكد اننا نحن فريق الدفاع لم نتسلم اشرطة <الفيديو> التي عرضت على وسائل الإعلام بطريقة رسمية كما ان وضع رئيس المحكمة العسكرية خليل إبراهيم قانوني مئة في المئة.
المحامي شبقلو:لا بد من
عرض الحقائق بدقة
من جهته اعتبر المحامي فؤاد شبقلو ان هذا الحكم بحق سماحة هو ليس الاول من نوعه وبالطبع لن يكون الاخير، فالقضاء المدني او العسكري له مطلق الحرية بحسب القانون اللبناني ان يصدر حكماً يعلله ويقتنع به وضميره مرتاح. لكن كذلك بالنسبة الى قضية الطعن فهي ايضاً منصوص عنها بأصول المحاكمات الجزائية وذلك من خلال تقديم طلب نقض في حال توفّرت الشروط تماماً كما هو الحال في قضية سماحة وعندها يفسخ الحكم وتعاد المحاكمة من جديد. كما ان عرض القضية برمتها على محكمة التميير يمكن ان تظهر بأن الحقيقة القضائية قد تكون مختلفة عن الحقيقة الواقعية ولذلك لا بد ان تعرض الحقيقة القضائية بدقة وان يستمع الى كل شهود السيارة والشخصيات التي كانت حاضرة فيها، وان تبحث الاتهامات الموجهة الى سواهم مثل رئيس النظام السوري بشار الأسد، فهل صحيح انه كان على علم بذلك، وهل ان السيارة تعود له، وبالتالي هو الذي ارسل الحمولة؟ لذلك فإن القضية أبعد مما جرى.
وبرأي شبقلو انه حتى لو لم يأتِ الرئيس السوري بشار الاسد إلى المحكمة يمكن محاكمته غيابياً، وهناك نصوص قانونية دولية واضحة تعنى بمحاكمة الرؤساء. وينهي حديثه حول جرم سماحة بالقول: لقد ارتكب سماحة مجموعة جرائم فغير نقله حمولة اسلحة ومتفجرات، وغير التصاريح التي أدلى بها وتحريضه على قتل عدد من الشخصيّات وغير توريطه العلاقات اللبنانية السورية بفخ صعب، هناك جريمة إرهاب حاول سماحة ومن معه اغراق لبنان بها وقد قدر الله ان لا يمر هذا المخطط وإلا كنا أصبحنا اليوم في مكان آخر.
هجوم حزب الله على ريفي
لم يخرج عن حزب الله اي تعليق حول الحكم بحد ذاته لا بالسلبي ولا بالايجابي لكنه ومن خلال نائبه نوار الساحلي رد على الوزير ريفي حيث قال <لم تفاجئنا تصرفات الوزير ريفي الذي يبدو انه حتى الساعة ليس مقتنعاً بأنه وزير للعدل في حكومة المصلحة الوطنية ولا المواقف المتشنجة التي أدلى بها تعليقاً على الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية في قضية الوزير السابق ميشال سماحة، معتبراً ان ردة فعل ريفي على حكم صادر عن المحكمة العسكرية هو تصرف مخالف للقانون ولسلوك رجل الدولة ومخالف لتصرف وزير معني بالملف الذي يهاجمه ويتهكم عليه.
ورأى الساحلي ان كلام السيد ريفي هو تطاول غير مسبوق على القضاء والقضاة والعدل من شخصٍ يفترض به ان يكون حامياً للقضاء والقضاة ومدافعاً عن العدل، كما وان طلبه من مدعي عام التمييز تقديم نقض للحكم الصادر عن المحكمة العسكرية هو أمر لا يوجد اي نص في القانون اللبناني يجيزه. ونحن لا نستغرب جهل ريفي بالقانون وما ينص عليه في هذا المجال. كما ان تحويل القاضية رعيدي الى التفتيش القضائي بسبب حكم هو تدخل سافر بعمل القضاء وهو فضيحة بحد ذاتها. واعتبر ان تحقير المحكمة والقضاء <كما فعل اللواء ريفي> هو جرم جزائي يعاقب عليه قانون العقوبات اللبناني في المادة /383/ منه والتي تنص على سجن من يرتكب هذا الفعل>.
القاضي صقر يُفجر مفاجأة
بين أخذ ورد في لعبة الحبل السياسية والقضائية وفي ما كانت الاطراف المعنية تتحضر لمرحلة ما بعد الحكم، فجر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مفاجأة من العيار الثقيل بتمييزه الحكم الصادر على سماحة مطالباً بإبطال الحكم برمته وإعادة محاكمة سماحة بجميع المواد المدعى بها عليه. وفي طلب مؤلف من 14 صفحة ذكر صقر أسباباً عدة في طلب التمييز واعتبرها قابلة لنقض الحكم ومنها تبرئة سماحة من محاولة القتل العمد المعاقب عليها في المادتين 549 و201 من قانون العقوبات، واستند صقر في التمييز على المواد 74 و75 و80 من قانون القضاء العسكري طالباً قبول الاستدعاء الحاضر شكلاً لوروده ضمن المهلة القانونية مستوفياً شروطه الشكلية كافة.
وفي السياق نفسه علل صقر بأنه استناداً الى المادة 74 يحق لكل من مفوض الحكومة والمحكوم عليه طلب نقض الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية في الحالات التالية: اولاً: في حال إهمال احدى المعاملات الجوهرية المنصوص على مراعاتها تحت طائلة الإبطال. ثانياً: في حال حصول خطأ في تطبيق المواد القانونية. وقد جاء في طلب التمييز ايضاً ان المادة 75 من قانون القضاء العسكري تنص على ان لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ان يطالب بنقض الاحكام القضائية بالبراءة لانتفاء الادلة او لعدم كفايتها، او القاضية بعدم المسؤولية لانتفاء الصفة الجرمية عن الفعل او لسقوط دعوى الحق العام لأي سبب كان. وعلل صقر في طلبه ان الحكم الصادر قد اخطأ في تطبيق المواد القانونية كما أتى مخالفاً لإجراءات جوهرية يفرض القانون مراعاتها تحت طائلة الإبطال.
ويفترض ان تبت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طوني لطوف الطعن المقدم من النيابة العامة العسكرية في مهلة 15 يوماً وفي حال قبوله تعاد محاكمة سماحة ابتداء من المربع الاول على ان يصدر الحكم خلال فترة شهرين وفق المادة 88 من قانون القضاء العسكري. وفي تعليق مقتضب حول نقض محكمة التمييز للحكم، أكد وكيل سماحة المحامي صخر الهاشم لـ<لافكار> ان النقض <لا يعدو كونه أمراً سياسياً ولن يصل الى اي مكان او نتيجة>.
على خشبات مسارح السياسيين
لا يبدو ان الايام المقبلة ستحمل انفراجاً للأزمة العالقة بين فكي سياسة. لكن الاكيد ان مشهد الاتهامات المتبادلة سوف يتكرر على أكثر من محطة ووسيلة اعلامية، ومن هنا وبما ان البلاد ترزح تحت خط الفراغ الرئاسي والمؤسساتي من الأجدى ان تطلب الدولة اللبنانية من رعاياها النواب والوزراء التفرغ الى عطلتهم السنوية ومغادرة البلاد لقضاء فترات نقاهة ولو على حساب جيوب المواطن الذي يُفضل الجوع والفقر على ان يمضي حياته متنقلاً بين خشبات مسارح السياسيين.