لا جعجع سينسحب... ولا عون سيترشح... وحلو مستمر والحصيلة: لا نصاب للجلسات... ولا رئيس للجمهورية!
مع صدور عدد «الأفكار»، يكون قد بقي من عهد الرئيس ميشال سليمان 16 يوماً، وسط معطيات تشير إلى أن الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية لن يسلّم الرئيس الثالث عشر مقاليد الرئاسة ولن يتمكن من أن يقلده الوسام اللبناني الأرفع: وسام الأرز الوطني من رتبة القلادة الذهبية... ذلك أن الرئيس سليمان سيغادر قصر بعبدا ليسلمه إلى الفراغ مكرراً بذلك تجربة سلفه الرئيس العماد اميل لحود الذي ترك القصر منتصف ليل 23 ــ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 وبقي القصر من دون رئيس حتى 25 أيار (مايو) 2008 حين انتخب العماد سليمان رئيساً للجمهورية نتيجة «تسوية» تمت في العاصمة القطرية الدوحة بمبادرة عربية وإقليمية ودولية.
والمشهد الرئاسي، قبل أسبوعين من انتهاء ولاية الرئيس سليمان، لا يوحي بأن مجلس النواب قد يتوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية طالما أن الأفرقاء المعنيين بالعملية الانتخابية أسرى مواقفهم المعلنة، ما جعل لبننة الاستحقاق الرئاسي حلماً صعب المنال حتى إشعار آخر، علماً أن ما كان صعب التحقيق خلال المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس التي تنتهي في 25 أيار (مايو) الجاري، لن يكون سهلاً في ظل شغور الموقع الرئاسي الأول ما لم يتدخل الخارج لـ«إقناع» القادة اللبنانيين برئيس «صنع خارج لبنان» سواء سمي «الرئيس التوافقي» أو «الرئيس الوسطي»، أو رئيس «لا لون له ولا طعم»، كما يقول المعترضون على الخيار الخارجي... ولعل «تباشير» هذا التدخل قد بدأت تلوح في الأفق نتيجة الحركة المتزايدة لعدد من السفراء العرب والإقليميين والأجانب أبرزهم في هذا المجال السفير السعودي علي عواض العسيري الذي عاد إلى بيروت بعد غياب وكثّف نشاطه، والسفير الأميركي في بيروت «ديفيد هيل» الذي ما إن يحط في مطار رفيق الحريري الدولي حتى يغادره إما إلى السعودية (كما حصل الأسبوع الماضي) وإما إلى باريس (كما حصل قبل أسبوعين) أو إلى واشنطن. في وقت يتحرك فيه أيضاً، بعيداً عن الأضواء، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان السفير الأميركي «ديريك بلامبلي» والسفير البريطاني «طوماس فليتشر» والسفير الفرنسي «باتريس باولي»، في وقت يستغل السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي زياراته الوداعية للمسؤولين والسياسيين اللبنانيين لمناسبة انتهاء مهمته في بيروت، ليردّد أمام مستقبليه مواقف بلاده حيال الاستحقاق الرئاسي ومواصفات الرئيس العتيد من منظار إيراني!
أما أفرقاء المواجهة الرئاسية من القادة اللبنانيين فيلتزمون مواقفهم المعلنة من دون زيادة أو نقصان ويترقبون ما ستسفر عنه التحركات الديبلوماسية داخل لبنان وخارجه من نتائج كي يبنى على الشيء مقتضاه، والقاسم المشترك بين هذه القيادات «أنا أو لا أحد» مع اختلاف حجج كل فريق تبعاً لاختلاف حساباته الداخلية والخارجية، ناهيك عن الارتباطات والالتزامات والوعود.
«14 آذار» تنتظر قرار الحريري...
فعلى جبهة «14 آذار» تبدو الصورة ذاتها منذ أن بدأت الدعوات لعقد جلسات مجلس النواب، فالمرشح المعلن رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ماضٍ في ترشحه للرئاسة الأولى غير آبه بالأرقام التي تؤكد استحالة حصوله على أكثرية 65 صوتاً ليضمن فوزه، رافضاً بالتالي الانسحاب والإفساح في المجال أمام مرشح آخر من القوى نفسها سواء كان الرئيس أمين الجميل الذي يعتبر نفسه «المرشح الطبيعي» وإن لم يعلن ترشيحه رسمياً، أو الوزير بطرس حرب الذي سرّبت مواقع سياسية وإعلامية معلومات تشير إلى أن اسمه سيكون البديل عن جعجع، أو النائب روبير غانم الذي يواصل لقاءاته طارحاً ترشيحه في خانة «قوة الاعتدال». وإذا كان استمرار موقف جعجع بعدم الانسحاب من المعركة الرئاسية يُحرج الحلفاء في «14 آذار» لا سيما أولئك الذين يدركون أن فوز جعجع غير وارد لاعتبارات معروفة، فإنه في المقابل يعطي لعدد من قادة «14 آذار» مجال «المناورة» والتريّث في تحديد الموقف النهائي في انتظار بلورة الاتصالات الجارية إقليمياً ودولياً لإيجاد مخرج يؤدي إلى انتخاب الرئيس اللبناني العتيد.
ويأتي في مقدمة هؤلاء «المنتظرين» الرئيس سعد الحريري الذي لم يحضر إلى بيروت للمشاركة في الجلسات الانتخابية في انتظار تحديد «موعد جدي» لانتخاب الرئيس، والذي يتابع «مفاوضاته» المباشرة وغير المباشرة مع رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون من دون الوصول إلى نتيجة حاسمة بعد مع رغبته في أن يكون الخيار الرئاسي مسيحياً بدرجة أولى وأن يتوافر شبه إجماع حول شخص الرئيس. صحيح أن الرئيس الحريري لم يعلن رسمياً بعد تأييده للدكتور جعجع أو للرئيس الجميل أو غيرهما من مرشحي «14 آذار»، إلا أن نواب كتلته صوتوا لجعجع وهم يعلنون عشية موعد كل جلسة أن خيارهم لم يتغير بعد. ولعل ما يلفت في هذا السياق أن الحريري حرص على الاتصال بالرئيس الجميل لاطلاعه على أجواء لقائه مع الوزير جبران باسيل في باريس الأسبوع الماضي، فيما لم يُعلن عن اتصال مماثل مع الدكتور جعجع الذي لا يخفي عتبه لغياب تأييد صريح وعلني من الحريري شخصياً لترشحه. ولم تختمر بعد في رأي الحريري فكرة عقد اجتماع بين الجميل وجعجع للاتفاق على «المخطط ب» لمواجهة المرحلة المقبلة من الاستحقاق الرئاسي لا سيما في حال شغر موقع الرئاسة الأولى... كما هو مرجح!
... و«8 آذار» مع عون ثم فرنجية
أما على جبهة «8 آذار»، فإن الموقف لم يتبدل في ظل عدم إعلان العماد ميشال عون عن ترشحه رسمياً ما جعل الأوراق البيضاء تتساقط في صندوقة الاقتراع في الجلسة الأولى في 23 نيسان (ابريل) الماضي، ثم يحل الغياب مكانها ومعه عدم اكتمال نصاب الجلسات التي دعا إليها الرئيس بري وتلك التي سيدعو إليها مجدداً حتى انتهاء المهلة الدستورية في 25 أيار (مايو) الجاري. صحيح أن العماد عون هو «المرشح غير المعلن» بعد لقوى «8 آذار»، لكن الصحيح أيضاً أن «الجنرال» لن يعلن ترشحه ليكون في مواجهة مع جعجع، وهو ينتظر ما ستؤول إليه الاتصالات القائمة مع الرئيس الحريري ليكون هو «المرشح الوفاقي» الذي تتوافر له غالبية الثلثين لانعقاد جلسة مجلس النواب، وإن لم تتوافر الغالبية نفسها لانتخابه. وما يعزز موقف عون أن «المرشح غير المعلن» الآخر في قوى «8 آذار» أي زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية يكرر دائماً ما أعلنه منذ اليوم الأول، أن الأولوية في الترشح هي للعماد عون وإذا استنكف «الجنرال» عن ترشحه، يصبح هو ــ أي فرنجية ــ مرشح «8 آذار» وإن كان «أبو طوني» استبعد حصول اتفاق لبناني ــ لبناني على انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال شهر أيار (مايو) الجاري لأن المشكلة تكمن في طريقة انتخاب الرئيس والدستور الذي أنجز في العام 1990 على أساس وجود «وصي»، والمشكلة اليوم ــ أضاف فرنجية ــ أن هناك «20 وصياً» مقترحاً تعديل الدستور في شأن نصاب انتخاب رئيس الجمهورية.
وكعادته كان فرنجية صريحاً في إعلان رأيه من أن الرئيس سعد الحريري ليس مع جعجع «وهو يريد تقطيع المرحلة من أجل استغلال هاجس البطريرك الراعي وخوفه من الفراغ للذهاب نحو رئيس تسوية بدلاً من رئيس قوي لأن رئيس التسوية هو «رئيس سيئ»»...
جنبلاط مع حلو... و«التسوية»!
وفيما تبدو قوى «8 آذار» في حالة انتظار ما ستسفر عنه «مفاوضات» مرشحها غير المعلن العماد عون والرئيس الحريري ولن تبادر إلى أي موقف من دون التنسيق مع «الجنرال»، فإن الوضع على «جبهة» النائب وليد جنبلاط لن يتغير هو أيضاً في المدى المنظور لا سيما وأن «أبو تيمور» واضح في عدم تأييده عون أو جعجع، ما دفعه إلى ترشيح عضو كتلته النيابية النائب هنري حلو الذي حصل على 16 صوتاً في الدورة الانتخابية الأولى، وهو أعلن تكراراً استمراره في الترشح لمنع حصول «فراغ» في الموقع الرئاسي، ويعمل جنبلاط على توفير أوسع دعم ممكن لمرشحه لأنه ــ أي جنبلاط ــ لا يؤمن بـ«مرشح التحدي» لأن البلاد لا تعيش «إلا على تسوية ووفاق» وأن مرشحه (حلو) هو وفاقي بامتياز، رافضاً ما يلجأ إليه البعض من انتظار السفارات والاتصالات الخارجية «ليأتي متوّجاً».
لائحة «الوسطيين» إلى ازدياد
أما على جبهة «الوسطيين»، فتبدو «الواقعية» لدى البعض منهم طاغية، فيما هي متراجعة لدى البعض الآخر... ذلك أن الأوفر حظاً من «الوسطيين» وهو الوزير السابق جان عبيد الذي زار السعودية الأسبوع الماضي، يدرك أن لا حظوظ له ولغيره من الوسطيين قبل انتهاء العهد الرئاسي، وأن أي اتفاق على دعمه هو أو غيره من أترابه لن يحصل إلا حتى حلّ الفراغ في الرئاسة الأولى، وارتفعت الأصوات الداعية إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية. ويقول معنيون من «الوسطيين» إن حظهم يصبح وارداً إذا ما أسفر الحراك الإقليمي والدولي عن نتائج إيجابية، لذلك نشط بعضهم في زيارة عواصم عربية وإقليمية ودولية لجس النبض من جهة وللتسويق من جهة أخرى على أمل أن يتفق المعنيون على واحد من هؤلاء الذين لم يدرجوا في «لائحة الأقوياء»، علماً أن من التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في روما وباريس سمعه يستبعد وصول أي من «الأقوياء» إلى قصر بعبدا ورغبته في الاتفاق على مرشح من خارج «نادي الأقوياء» ليكون رئيساً وفاقياً. ولائحة «الوسطيين» لا تزال مفتوحة وهي تضم إلى الوزير السابق عبيد، حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، قائد الجيش العماد جان قهوجي، الوزراء السابقين زياد بارود وناجي البستاني ودميانوس قطار وفارس بويز وروجيه ديب.
واللافت أن اسماً آخر أضيف إلىاللائحة الأسبوع الماضي كان اســـــم سفير لبنان في الفاتيكان العميد المتقــــــاعد جورج خوري الذي لقي طرح اسمه ارتياحاً داخلياً وإقليمياً وخارجياً نظراً لمروحة واسعة من العلاقات الداخليـــــة والخارجيــــة، إضافـــــة إلى دعم بكركي والفاتيكان، ما يجعله في مقدمة المرشحين الوفاقيين إذا ما استبعد «الأقوياء».
تحرك السفراء... حركة بلا بركة!
حيـــــال هـــــذه الصــــــورة لـ«مواقـــــــع» قــــوى «8 و14 آذار» والنائب وليـــــد جنبــــــلاط و«الوســــــطيين»، تستبــعد مصادر مطلعة انعقاد الجلسات التي سيدعو إليها الرئيس بري قبل 25 أيار (مايو) الجاري نتيجة فقدان نصاب غالبية الثلثين (86 نائباً)، وبالتالي لن يكون هناك رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ لا سيما وأن العائدين من الخارج، سواء من باريس أو السعودية، يؤكدون أن الخيار في عواصم الخارج لا زال متروكاً للبنانيين وأن التدخل الخارجي لم يحن أوانه بعد. ذلك أن باريس لم تحسم موقفها والسعودية منشغلة بإعادة ترتيب بيتها الداخلي وإن كانت القيادة السعودية أعادت السفير العسيري إلى بيروت لإجراء اتصالات مع القيادات اللبنانية. أما في طهران، فالأولوية للملفات العالقة مع المجتمع الدولي من جهة ومع الرياض من جهة ثانية فيما الملف الرئاسي اللبناني موكول إلى حزب الله أقله في الوقت الراهن حيث تراقب طهران مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية والسورية والمصرية على حد سواء إضافة إلى مسار ملفها النووي مع الغرب. أما في واشنطن فالورقة اللبنانية مطوية، والإدارة الأميركية غير معنية مباشرة بالملف الرئاسي اللبناني وهي أوكلت إلى السفير الأميركي في بيروت «ديفيد هيل» متابعته «لتبقى في الصورة» وللتدخل عند الحاجة، علماً أن هامش التحرك عند السفير «هيل» واسع ومتعدد الخيارات بقرار مباشر من الرئيس الأميركي «باراك أوباما» ووزير خارجيته «جون كيري»، لكن هذا الهامش لن يصل إلى حد فرض رئيس على الأفرقاء اللبنانيين وهو كان قد سجل انزعاجه من «مونة» بعض السياسيين عليه وقولهم له أن «يسوّق» للعماد عون رئيساً...
أما الفاتيكان الذي يتابع بـ«هدوء» ما آلت إليه التحركات الرئاسية اللبنانية، فقد أبقى نفسه موقتاً خارج إطار «التأثير المباشر» للإفساح في المجال أمام توافق اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً على هوية الرئيس العتيد، لكن عندما ستحين الساعة سيسمع اللبنانيون صدى صوت الكرسي الرسولي في «الخيار الدولي» للرئيس العتيد الذي سيصوّت له النواب في الوقت المناسب. ولعل في العودة إلى مذكرات عدد من السياسيين اللبنانيين والرؤساء الروحيين المسيحيين الإجابة الكاملة على حجم التأثير الفاتيكاني في اختيار رؤساء الجمهورية في لبنان لا سيما قبل مرحلة الوصاية السورية التي أجريت في ظلها 3 انتخابات رئاسية.
إلى الفراغ... درّ!
وفي انتظار أن تحصل تطورات مفاجئة تقلب موازين القوى وتدفع بالكتل النيابية إلى تبديل مواقفها أو تعديلها تبعاً لأي اتفاق خارجي... فإن المشهد الرئاسي سيبقى على حاله واحتمال الشغور في رئاسة الجمهورية يتقدم على ما عداه من احتمالات.