المحامية صونيا عطية: إلغاء الإعدام ينقذ حياة شخص وتطبيق الإعدام يحمي مجتمعاً بحاله!
ان عقوبة الاعدام أو تنفيذ حكم الاعدام هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتعرف الجرائم التي تؤدي الى هذه العقوبة بجرائم الاعدام أو جنايات الاعدام. وقد طبقت عقوبة الاعدام في كل المجتمعات تقريباً، ما عدا المجتمعات التي لديها قوانين مستمدة من الدين الرسمي للدولة التي تمنع هذه العقوبة. وتعد هذه العقوبة قضية جدلية رائجة في العديد من البلدان، ومن الممكن أن تتغير المواقف في كل مذهب سياسي أو نطاق ثقافي. وثمة استثناء كبير بالنسبة لأوروبا حيث أن المادة الثانية من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي تمنع تطبيق هذه العقوبة. واليوم ترى منظمة العفو الدولية أن معظم الدول المؤيدة للاعدام تسعى لابطال هذه العقوبة، مما أتاح للأمم المتحدة أن تعطي صوتاً بتأييد صدور قرار غير ملزم لإلغاء عقوبة الإعدام.
ويختلف الناس في تأييد تطبيق عقوبة الإعدام. ففي الدول الديموقراطية التي تؤيد إبطالها والتي تعارضها، يلقى موقف الحكومة تأييداً واسعاً ولا ينال الا حظاً قليلاً من اهتمام السياسيين ووسائل الاعلام. وفي بعض الدول الرامية الى إبطال عقوبة الإعدام، يوجد تأييد من غالبية الشعب للعمل بهذه العقوبة. وغالباً ما كان سبب إبطال تطبيق العقوبة هو التغيير السياسي مثل أن تتحول دولة من النظام الديكتاتوري الى النظام الديموقراطي، أو عندما تدخل دولة الاتحاد الأوروبي. وتعتبر الولايات المتحدة استثناءً جديراً بالذكر فقد حظرت بعض الولايات تطبيق تلك العقوبة لعقود عدة، بينما تطبقها بعض الولايات الى حد كبير حتى الآن.
أما لبنان فلا يزال من الدول التي جمّدت تطبيق العقوبة دون الغائها. لقد انتهجت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ سنوات عدة منحى يرمي الى عدم تنفيذ الأحكام التي تلحظ عقوبة الاعدام والعمل. وكانت قد تبنت وزارة العدل في العام 2008 اقتراح قانون لالغاء عقوبة الاعدام تقدم به عشرة نواب، إلا ان غياب التوافق السياسي أدى الى دفن المشروع في ادراج اللجان النيابية ولاحقاً تذرعت وزارة العدل بأن مسألة الغاء عقوبة الاعدام ستكون من ضمن سلة متكاملة لتعديل العديد من المواد المنصوص عنها في قانون العقوبات. لكن الوزارة لم ترفع بعد مشروع قانون حول هذه التعديلات الى مجلس الوزراء. وينص اقتراح القانون على ان يتم استبدال عقوبة الاعدام بالسجن المؤبد وتكون غير قابلة للتخفيض ولا تشملها قوانين العفو.
المحامية عطية والإعدام
وأمام كثرة حوادث القتل والاجرام التي تقع في مجتمعنا اللبناني بشكل لافت يرى البعض ان تنفيذ أحكام الاعدام قد يردع مرتكبي الجرائم ولو بنسبة مقبولة للحد من الجرائم... اذ تبين الدراسات ان البلدان التي تنفذ فيها عقوبة الاعدام تتراجع نسبة الجرائم فيها. فما هي المواد التي تنص على عقوبة الاعدام في التشريع اللبناني؟ وهل تنفيذ أحكام الاعدام يؤدي الى ردع مرتكبي الجرائم؟ وما هي مبررات المطالبين بالغاء عقوبة الاعدام في لبنان؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على المحامية في الاستئناف الأستاذة صونيا ابراهيم عطية التي لها باع طويل في مجال الحقوق، كما انتخبت لدورتين متتاليتين عضواً في مجلس نقابة المحامين في بيروت، وفي العام 2008 جرى تكريمها في منتدى المحاميات العربيات في البحرين. ونسأل الأستاذة صونيا عطية أولاً:
ــ ما هي المواد التي نصت على عقوبة الاعدام في القانون اللبناني؟
- أولاً: صدر قانون العقوبات سنة 1943، وفي جملة مواده المادة 547: القتل قصداً وعقوبته الاشغال الشاقة من 15 الى 20 سنة. المادة 548: القتل قصداً مع أسباب محددة وعقوبته الاشغال الشاقة المؤبدة. المادة 549: القتل قصداً مع أسباب محددة وعقوبته الاعدام. وقد أجاز القانون عينه بموجب المادة 253 منه للقاضي أن يمنح أسباب التخفيف بحيث يمكن تحويل عقوبة الاعدام الى الاشغال الشاقة المؤبدة أو حتى الاشغال الشاقة المؤقتة من سبع سنوات الى عشرين سنة. ثانياً: الا أن القانون الصادر في 16/2/1959 والذي ظل ساري المفعول حتى 3/6/1965 حين اُلغي بالقانون رقم 26/65 علق أحكام كل هذه المواد، وقد جاء فيه:
المادة الأولى: يعلق مؤقتاً تطبيق أحكام المادتين 547 و 548 من قانون العقوبات وتستبدل بالاحكام التالية:
المادة الثانية: تنزل عقوبة الاعدام بمن يقتل انساناً قصداً. المادة الثالثة: لا يجوز منح فاعل الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة وفي المادة 549 من قانون العقوبات أسباب التخفيف.
ثالثاً: ثم بموجب القانون رقم 302/94 الصادر بتاريخ 21/3/1994 أعيد تعليق أحكام المادتين 547 و 548 عقوبات، وفيه المادة الأولى: خلافاً لاحكام المادة 198 من قانون العقوبات يقضى بعقوبة الاعدام اذا حصل القتل بدافع سياسي أو كان له طابع سياسي. المادة الثانية: يعلق مؤقتاً تطبيق أحكام المادتين 547 و 548 من قانون العقوبات وتنزل عقوبة الاعدام بمن يقتل انساناً قصداً. المادة الثالثة: لا يجوز منح فاعل الجريمة المنصوص عليها في المادتين السابقتين وفي المادة 549 من قانون العقوبات الأسباب المخففة.
وأخيراً، أعيد العمل بموجب المادتين 547 و 548 بعد ان الغي القانون رقم 302/1994 وذلك بموجب المادة الأولى من القانون رقم 338 بتاريخ 2/8/2001. وعليه تبقى عقوبة الاعدام قائمة سنداً لنص المادة 549 عقوبات.
هذه هي المبررات
ــ ما هي مبررات المطالبين بالغاء عقوبة الاعدام والمطالبين بابقائها؟
- تقول الفئة المطالبة بالغاء عقوبة الاعدام في المطلق وأياً كان الجرم، انه لا يجوز للمجتمع المتمثل في الدولة وقضائها ازهاق روح انسان أياً كان السبب الداعي الى ذلك، فالحياة هبة من الخالق ولا يحق لمخلوق انهاؤها. أما الفئة القائلة بالابقاء على عقوبة الاعدام فانها تسند رأيها الى منطلقات عملية، اذ هي تعتبر أن العقوبة ليست جزاءً للفاعل واقتصاصاً منه فقط، بل هي تشكل رادعاً للغير، وان التضحية بحياة فرد يبررها الحفاظ على حياة الآخرين.
ــ هل عقوبة الاعدام عقوبة رادعة للمجرمين أم لا؟
- يقول المحامي الشهير السير <مكسويل>: <من خبرتي الطويلة كمحام رأيت عدداً كبيراً من المجرمين واقتنعت اقتناعاً راسخاً بأن المجرمين يخافون عقوبة الاعدام أكثر من الاشغال الشاقة المؤبدة>. وبنظري فإن أحقية الاعدام هي في تأثيره على الاشخاص الذين يخشونه، الأمر الذي يجعله في مقدمة العوامل التي تحول دون ارتكاب الجرائم، فالناس يخشون الموت الذي يثير فيهم رهبة، في حين أن العقوبة المؤبدة لا رهبة لها في النفوس لا سيما بالنسبة الى فرص العفو المرتقبة.
وتتابع الأستاذة عطية:
- وفي لبنان، يتبين من الاحصاءات الصادرة عن الاجهزة الأمنية حول جرائم القتل ومحاولات القتل من سنة 1992 وحتى سنة 1999 انه بعد صدور القانون رقم 302/94 بتاريخ 24/3/1994 الذي صدر كردة فعل على سنوات العنف التي مر فيها لبنان والذي منع منح الاسباب المخففة، ان اثره كان ايجابياً وفاعلاً في الحد من الجرائم. كما يتبين من الجدول الاحصائي حول جرائم القتل ومحاولات القتل الصادر عن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي. ان مضمون هذا الجدول يؤيد وجهة نظر القائلين بالابقاء على عقوبة الاعدام كونها تشكل رادعاً للمجرمين ولان حماية المجتمع والحفاظ على حياة افراده فوق كل اعتبار. هنا تجدر الاشارة الى أنه في عدد لا يستهان به من الدول التي ألغت عقوبة الاعدام كانت تعيد العمل بهذه العقوبة على أثر اضطرابات حصلت فيها. وهذا ما حصل في لبنان أيضاً على أثر أحداث سنة 1958، وانتشار الفوضى بحيث صدر قانون بتاريخ 16/2/1959 الذي منع منح القاتل أسباب التخفيف. فحكم الاعدام تتبناه الدول حين تجد نفسها مضطرة للدفاع عن أمن المجتمع.
ــ يقول المعارضون لعقوبة الاعدام انها لا تتناسب مع الجريمة، فما هو رأيك بهذه المقولة؟
- ان القول ان عقوبة الاعدام لا تتناسب مع الجريمة يصح بشأن كل عقوبة. فالمجرم في أكثر الاحيان تقوده الى الجريمة عوامل خارجة عن ارادته، منها ظروف الجريمة، عامل الوراثة، البيئة التي نشأ فيها، المجتمع الذي حرمه من حقه في الثقافة والعلم ومن حقه في حياة كريمة الى آخره... فاذا ما أخذنا كل ذلك في الاعتبار نصل الى نتيجة أن المجرم لا يساهم في ارتكاب الجريمة الا مساهمة ضئيلة لا يستحق عليها عقاباً ووجب وضعه في اصلاحية، الأمر الذي يقودنا الى المطالبة بالغاء جميع العقوبات التي نص عليها قانون العقوبات والعمل على دراسة السبل الآيلة الى اصلاح المجرمين. الا ان القانون يعبر في الحقيقة عن فكر ومعتقدات مجتمع معين وواقعه في زمان ومكان معينين.
وأضافت:
- لذا وجب الاخذ في الاعتبار واقع المجتمع اللبناني على كل الصعد دون أن نعمد الى الاقتداء بمجتمعات أخرى ونتقيد بقوانينها تقليداً لا اقتناعاً. فالاخذ بالثأر في لبنان يوقع عشرات القتلى، والاعدام يمنع الانتقام الفردي وما يتبعه من سلسلة جرائم قتل لا حصر لها، وحق الانسان في الحياة يجب أن لا يطغى على حق الهيئة الاجتماعية في منظور العلامة الفرنسي <غارو>، والتضحية بحياة فرد يبررها الحفاظ على حياة الآخرين.
ــ ما هو البعد الديني لعقوبة الاعدام؟
- ان البحث في هذا الموضوع هو أمر زمني لا علاقة له بالأديان، ويجب أن يبقى بعيداً عن المنطلقات الدينية.
ــ لماذا أنت مع تطبيق هذه العقوبة؟
- انني مع تطبيق هذه العقوبة لانني بعد التمحيص توصلت الى الاستنتاجات الآتية:
ان عقوبة الاعدام هي عقوبة تردع المجرمين عن ارتكاب الجرائم وخصوصاً في لبنان. كما يثبت الجدول الصادر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المشار اليه وان عقوبة الاعدام أقبح من الجرائم التي يرتكبها المجرمون والتي يتأذى منها الشعور الانساني. اذا كان المطالبون بابدال عقوبة الاعدام بالاشغال الشاقة المؤبدة يتوخون الرأفة بالمجرم، فإن بقاءه في السجن مدى الحياة أشد قساوة وقد يؤدي به الى الخمول أو الى الجنون ولن يكون له أو للمجتمع فائدة ترجى من وجوده في السجن. وإذا كانت عقوبة الاعدام لم تخفف من الاجرام لدى كبار المجرمين فهي خففت كثيراً من عدد المجرمين وهؤلاء أكثر عدداً. والتضحية بحياة فرد يبررها الحفاظ على حياة مجموعة من الأشخاص. ان الغرض من عقوبة الاعدام ليس معاقبة الشخص على فعل وقع بل منع وقوع مثل هذا الفعل مستقبلاً.
وتتابع:
- ان تأثير عقوبة الاعدام على الأشخاص الذين يخشونه يجعله في مقدمة العوامل التي تحول دون ارتكاب الجرائم. ان حماية حقوق الانسان وحريته وحقه في الحياة لا تمنح المجرمين حق وضع حد لحياة الآخرين. في المقابل، أرى انه عند النطق بحكم الاعدام، يجب أن يكون لهذه العقوبة أدلة إدانة واضحة وان لا تطبق الا اذا كان احتمال ظهور البراءة يكاد يكون مستبعداً. بالاضافة الى ذلك ألفت الى أن حكم الاعدام يصدر بالدرجة الأولى عن محكمة الجنايات ثم هو خاضع لرقابة محكمة التمييز، وبعدها يأتي دور لجنة العفو وهي لجنة قضائية مؤلفة من بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى التي تعطي رأيها بالعقوبة وترفع الأمر الى رئيس الجمهورية.
وتختم قائلة:
- وهنا يجدر برئيس الدولة أن يجعل من سلطته في إصدار العفو الخاص وسيلة لتفادي تنفيذ الاعدام في غير الحالات التي تقتضيها مصلحة المجتمع. بالرغم من كل ذلك أقول ان المسألة تثير نقاشاً عميقاً بين أصحاب الرأيين، ولكل من الفريقين حججه المرتبطة حيناً بمنطلقات فلسفية انسانية وحيناً آخر بأسباب عملية منطقية، الا أنني في الظروف الراهنة، وفي الواقع الاجتماعي السياسي في لبنان، أرى وجوب الابقاء على عقوبة الاعدام وحتى زمن آخر تتبدل فيه ظروف مجتمعنا وواقعه.