<أريد توفير حياة أفضل لأجيالنا القادمة، وهذا لن يتحقق في حال استمر تزايد الدين>. هذا ليس الكلام المرتجى من رئيس جمهورية لبنان الذي لم ينتخب بعد، بل هو كلام الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي في احتفال التخريج في الكلية الحربية. تحدث السيسي عن التحديات الاقتصادية وطالب المصريين بالتقشف وأعلن أنه سيتنازل عن نصف مرتبه البالغ ٤٢ ألف جنيه وجزء من أملاكه <في سبيل مصر>. في كلام الرئيس المصري بعض <الكليشيهات> وربما المقصود منها شحن العواطف حوله. فتنازله عن نصف راتبه هو مجرد رسالة معنوية طالما أن كل مصاريف الرئيس مؤمنة. كما أن مطالبة المصريين بالتقشف عندما يكون أكثر من ثلثهم تحت خط الفقر هو قفز فوق الواقع. ولكنه أراد دعوة المصريين إلى التقشف من باب <إبدأ بنفسك>. مصر تواجه مشاكل بالجملة وأخطاراً متعددة أمنية واقتصادية واجتماعية. الوضع الأمني لا يزال تحت مرمى الإرهاب والمتعاطفين مع الإخوان المسلمين. الاقتصاد المصري لا يزال يترنح بسبب تراجع السياحة ومنافسة الإستيراد للصناعة المحلية. الوضع الاجتماعي يشبه القنبلة الموقوتة في ظل وجود أكثر من ١١٠٠ منطقة مصنفة في خانة العشوائيات يقطنها أكثر من ١٥ مليون إنسان أي سدس الشعب المصري. رغم تعدد وت
شعب التحديات، اعتبر الرئيس المصري الدين العام أكبر الأخطار وربط بين وقف ارتفاعه والوصول إلى مستقبل أفضل.
ماذا يعني التقشف ووقف نمو الدين العام في مصر؟ لم يعلن ذلك السيسي بعد ولكن المقصود هو رفع الدعم عن المحروقات. وهذا هو قرار غير شعبي يتهيأ الرئيس المصري لإتخاذه من دون معرفة كيف سيتلقاه الشعب. فالدعم الحكومي لأسعار الطاقة وبالتالي الخبز يكلف الخزينة المصرية أكثر من مئة مليار جنيه سنوياً. ورفع الدعم ولو تدريجياً سيؤدي إلى رفع سعر الرغيف. هذا كان خطاً أحمر عند المصريين في الماضي، فهل يتقبلونه مع السيسي؟
مصر أمام منعطف اقتصادي خطير. فهي من جهة بحاجة إلى مساعدات دولية. ومعظم الدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية تشترط رفع الدعم الحكومي عن الطاقة. ومن جهة أخرى، تواجه أكبر حالة تذمر شعبي في تاريخها بسبب تعاطف جزء غير بسيط من الشعب مع الإخوان المسلمين. ورفع الدعم عن الرغيف سيكون كصب الزيت على النار.
السيناريو اللبناني يشبه الوضع المصري في بعض جوانبه. عندنا المشاكل الأمنية وملحقاتها الاقتصادية نفسها، ولكن هذا يجب أن لا يحجب حقيقة أن عجز الموازنة عندنا يتأتى أيضاً من الكلفة التي تتحملها الخزينة بسبب الدعم المالي المتواصل لمؤسسة الكهرباء والذي سيصل الى أكثر من 7,1 مليار دولار هذه السنة. هناك بعض الأرقام المزعجة بحق :
- ٩٣ بالمئة من الدعم المالي للكهرباء يذهب لشراء <الفيول اويل> أي يجد طريقه إلى شركات استيراد النفط التي تشبه مغارة علي بابا.
- أكثر من ربع الدين العام اللبناني أي ما يزيد عن ١٦ مليار دولار مصدره مؤسسة كهرباء لبنان.
- معدل إنفاق الدولة في الكهرباء هو حوالى ٣٧٥ دولار سنوياً للشخص الواحد، بينما لا يزيد معدل الإنفاق الصحي عن ١٠٠ دولار لكل لبناني.
إذا اردنا وقف العجز السنوي في الموازنة،وبالتالي لجم نمو الدين العام، فلا بد من إصلاح مسألة الكهرباء. مهما كان معارضو الخصخصة على حق من الناحية الاجتماعية والعمالية، لا يمكن التعايش مع الفشل المتواصل في وقف نزف الكهرباء وعدم إمكانية تحقيق إصلاح جدي بسبب النظام السياسي المعقد. ومن هنا تبدو مسألة تنازل الدولة للقطاع الخاص عن جزء من إدارة ملف الكهرباء أمراً لا بد منه ومن الأفضل البدء في التوجه الجدي إليه ووضع الضوابط له إذا اردنا التخلص من العجز المالي السنوي.- معدل حصول المواطن على التغذية الكهربائية من الدولة لم يتجاوز الخمسين في المئة خلال العشر سنوات المنصرمة.
ليس مقبولاً أن تحضر الحكومة لموازنة مبنية على سلة ضرائب لتمويل السلسلة من دون أي إجراء إصلاحي لوقف العجز اللامتناهي في مؤسسة الكهرباء، وليس مطلوباً من الرؤساء والنواب والوزراء التنازل عن نصف مرتباتهم كما فعل الرئيس المصري. ولكن المطلوب أن يتفقوا على التصدي الجدي للخطر الداهم الذي يشكله الدين العام في وجه الجيل المقبل... هذا إذا كانوا ما زالوا يؤمنون هم أنفسهم أن هناك إمكانية مستقبل أفضل في لبنان.