بقلم علي الحسيني
حتى اليوم ما زالت جرود بلدة عرسال البقاعية المتاخمة لجرود القلمون السورية أرض نزاع ملتهبة بين الجيش اللبناني التي تسانده وحدات مقاتلة من حزب الله من جهة وبين الفصائل السورية المسلحة وفي طليعتها تنظيم <داعش> من جهة اخرى، من دون ان تبرز سيطرة واضحة لأي فريق على تلك المساحات الشاسعة.
جدل حول مخيمات النزوح
الدخول الى بلدة عرسال يقودك تلقائياً الى مخيمات النزوح المخصصة للنازحين واللاجئين السورين وهي الأمكنة التي يكثر حولها الجدل بين من يرى فيها دعامة فعلية للارهاب بأشكاله وألوانه المتعددة وصولاً الى حد اتهام العديد من شبان هذه المخيمات بالانتماء الى <جبهة النصرة> و<داعش> والجيش الحر ووقوفهم خلف العمليات التي تستهدف الجيش اللبناني في بعض النقاط التي ينتشر عليها، وبين من يعتبرها آخر حصن يمكن ان يلجأ اليه المدنيون السوريون الهاربون من ريف دمشق الذي تحوّل الى كتلة نار مشتعلة يتم تقاذفها بين الجهات المتقاتلة.
المخيم الفالت
لا اسم فعلياً لهذا المخيم ولا حتى هو مدرج على لوائح المؤسسات المعنية بشؤون اللاجئين السوريين الى لبنان وتحديداً مؤسسة الامم المتحدة. كل شيء داخل هذا المخيم الذي اكتسب اسم المخيم <الفالت> نتيجة تفلته الى حدٍ ما من معظم القيود والضوابط الامنية يدل على صعوبة الوضع الميداني على هذه البقعة الصغيرة جغرافياً والكبيرة لجهة ترابطها مع جرود عرسال الواسعة. فمن هذا المخيم يمكن التواصل مع المسلحين بشكل سريّ اذ يمكن لهؤلاء التسلل اليه ليلاً وتحديداً في مثل هذا الطقس الرديء حيث يصعب رصد بعض التحركات الليلية خصوصاً وأن الجيش لا يمتلك لغاية اليوم اعتدة <لوجستية> تمكنه من رؤية أهداف متحركة بشكل واضح، ما عدا بعض المناظير الليلية والتي يمتلك الطرف الآخر مثلها، ولذلك يعمد الجيش بين الحين والآخر الى اطلاق قذائف مدافعه على نقاط وطرق يشتبه بتسلل الارهابيين عبرها الى حدود بلدة عرسال او الى المخيم المذكور.
تأييد الجيش السوري الحر واضح داخل المخيم
يعلن عدد غير قليل من سكان المخيم تأييدهم العلني للجيش السوري الحر، ويصل حجم التأييد الى حد اعترافهم به كممثل شرعي لهم. كما يدعمون الخطوات العملانية التي يقوم بها الإئتلاف الوطني في الخارج. يشرح الاهالي هنا معاناتهم التي لا تعد ولا تحصى بدءاً من ازمة الطعام مروراً بعامل التدفئة حيث تصل درجة الحرارة عندهم اثناء الليل احياناً الى اربعة او خمسة تحت الصفر وصولاً الى ازمة الدواء والطبابة وصعوبة العبور الى جهة المخيمات الاخرى التي تقع في الطرف اللبناني عند الحاجة. وهنا تقول احدى السيدات إن شقيقتها الحامل حاولت مع زوجها الدخول الى احد المخيمات من الطرف اللبناني أثناء الليل وذلك بعدما شعرت بالمخاض لكنها بقيت لفترة تزيد عن الساعتين وهي تنتظر عند احدى النقاط التابعة للجيش حتى سمح لها بالدخول.
محاولتا تسلل باءتا بالفشل
نحاول العبور من المخيم الفالت بإتجاه الجرود حيث قيل لنا إن وصـولنـا الى تـلال بدت واضحة وقريبة منا جداً سوف يُمكننا من رؤية تحركات عناصر <جبهة النصرة> و<داعش>. في تلك الاثناء يحتدم القصف بين الجيش اللبناني من جهة وبين الفصائل السورية المسلحة لنقرر العودة الى حيث كنا على ان نعاود المحاولة لاحقاً عندما يهدأ القصف، إلا ان المعارك استمرت حتى فجر يوم الاحد. المفاجأة الاكبر تكمن في معرفة عدد من أهالي المخيم بكل ما يجري على أرض المعركة بشكل تفصيلي. يخبر أحد الشبان ان عناصر من الثوار تمكنوا من إسقاط موقع متقدم لحزب الله في جرود بلدة فليطا السورية وقد تزامن هذا السقوط مع محاولة أخرى للثوار من الوصول الى نقطة قريبة من مشارف بلدة عرسال الا ان الجيش اللبناني قد أحبط المحاولة وهناك إصابات مؤكدة في صفوف عناصر الحزب. وفي اليوم ذاته نعى الحزب خمسة من عناصره هم (علي بكري، فضل فقيه، فضل عباس، محمد الحاج حسن وهادي حسن نور الدين). وأثناء حديثنا مع الشاب تقول لنا احدى السيدات <لقد فشلتم أنتم والثوار بالتسلل>.
التأفف الدائم الذي يبديه سكان المخيم من عمليات الدهم المستمرة على أيدي القوى الامنية اللبنانية يزيد من شعورهم بالإهانة. هذا على حد وصف بعض المسؤولين عن المخيم. لكن من جهة اخرى تؤكد مصادر امنية ان عمليات الدهم تسفر في غالبيتها عن كشف اعتدة عسكرية ومناظير ليلية وايضاً عن مطلوبين للقضاء اللبناني لهم علاقات بإعتداءات على عناصر الجيش وعلى نقاط عسكرية، ومن بين هؤلاء سوريون وفلسطينيون ولبنانيون، وهناك ايضاً عناصر مسلحة من الجرود تتسلل بين الحين والآخر الى داخل هذه المخيمات إما بهدف ايصال بعض الاسلحة وإما بهدف زيارة عائلاتهم او أشخاص لهم ارتباط بهم. ويكشف مصدر أمني آخر انه في احدى عمليات الدهم التي حصلت منذ فترة عثر على كمية من الاسلحة داخل خيمة تعود لسيدة عجوز في الثمانين من عمرها، ولدى استجوابها داخل الخيمة أنكرت معرفتها بها وبالجهة التي وضعتها داخل خيمتها، وهذا يؤكد ان هناك محاولات مستمرة للتمدد الى داخل خيم النازحين، علماً ان هذا الأمر ينعكس في الغالب بشكل سلبي على جميع النازحين وليس على جهة او شخص محدد.
عرسال جبهة قلق دائمة
من نافل القول ان المخيمات الموجودة داخل بلدة عرسال وجرودها لا تزال تشكل مصدر خطر لما تحويه هذه المخيمات من مجموعات حاضنة للمسلحين. وهنا يبرز كلام خطير لمرجع أمني لبناني حيث أكد <ان الجبهة هذه سوف تبقى جبهة قلق دائم للبنان خصوصاً وان الخطر الاكبر يكمن في تحويل تلك المخيمات وخصوصاً المتقدمة منها الى فتائل تفجير، بدليل تكرار عمليات إطلاق النار على مروحيات الجيش وعلى نقاط عسكرية من داخلها. وهناك صور جوية تؤكد وجود مخازن أسلحة في عدد من المخيمات>. ويضيف المرجع ان خطر الارهاب في لبنان ليس محصوراً فقط في مخيمات عرسال بل يتوزع في مناطق لبنانية مختلفة، ولذلك تتكثف عمليات التوقيفات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والعسكرية في مختلف المناطق.
وجزم المرجع الامني أن الجيش حالياً يمسك بالمفاصل كافة عند السلسلة الشرقية وهو في حالة جهوزية دائمة وقادر على التصدي لأية مغامرة للإرهابيين الذين لن يتوانوا بدورهم عن تكرار محاولاتهم للدخول الى مناطق في الداخل اللبناني سواء عرسال او غيرها من أجل توفير منطقة آمنة لهم. والجيش لم يعد بعيداً عن أن يكون مالكاً لزمام المبادرة بالكامل في كل تلك المناطق خصوصاً في ظل المعلومات الواردة حول تعجيل تسليح المؤسسات العسكرية بالسلاح والأعتدة والذخائر التي يفتقر إليها الجيش تحديداً. ويمكن القول في هذا المجال إن المبادرة صارت تقريباً كاملة بيد الجيش وعلى أساس ذلك سيبنى المقتضى والمبادرات التي تؤدي إلى تحرير العسكريين.
الحجيري: لا خوف منهم ولا عليهم
رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لا يبدو متخوفاً من عمل ما قد يقدم عليه بعض النازحين السوريين في بلدته، وهو يقلل ايضاً من تلك الروايات التي تتحدث عن وجود أسلحة فيها وإلا لكان الجيش تمكن من انتزاعها ولو بالقوة. ويقول لـ<الأفكار>: <لا شيء يدعو الى الخوف على عرسال، لكن هناك خشية دائمة من توسع رقعة الحرب الدائرة الى داخل البلدة التي ما عادت تحتمل هي وأهلها المزيد من النكبات. أما اذا ظل الوضع على هذا النحو في الجرود فقط فنحن سنكون في أمان رغم أصوات القذائف التي نسمعها باستمرار. أما في حال توسعت رقعت الحرب فهذا يعني أن جميع الاهالي سيكونون تحت التهديد والخطر وقد يتطور الأمر الى مذبحة خصوصاً وأن هناك جهات معروفة تنتظر حصول أمر كهذا لتُشفي غليلها من البلدة>.
وفي ظل الحديث المتكرر عن إمكانية قيام الجيش بعملية نوعية لتحرير العسكريين المخطوفين، ينقل الحجيري تمني الاهالي على الجيش أن لا تكون عرسال منطلقاً لهذه العملية، خصوصاً وان هناك نقاطاً كثيرة يمكن ان تكون منطلقاً لأي عمل عسكري ضد المسلحين الموجودين في الجرود مثل: طريق بعلبك ونحلة والقاع. وعن وضع اللاجئين وما يتم تداوله حولهم وبأنهم يشكلون بيئة حاضنة للإرهابيين وبأنهم ينتظرون اللحظة المؤاتية للانقضاض على الجيش خصوصاً بعد رفعهم أعلام <داعش> في مرة سابقة، يؤكد الحجيري أن وضع اللاجئين مطمئن جداً ولا خوف منهم ولا عليهم على الإطلاق خصوصاً وأنهم كانوا أول من تضرر يوم دخل المسلحون الى البلدة. وينهي حديثه بالتأكيد على وقوف العراسلة الى جانب الجيش والتعويل عليه في المحنة التي تمر بها عرسال، لكونه المؤسسة الضامنة والوحيدة القادرة على حماية الاهالي من كل متربص سواء كان في الخارج او الداخل.
حكاية <الفالت> من ألفها الى يائها
الاسبوع الفائت أصدرت قيادة الجيش تعميماً منعت بموجبه الصعود باتجاه جرود عرسال إلا بعد الحصول على إذنٍ مسبق من مديرية المخابرات في الجيش يسمح بذلك، وهو الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة في صفوف أهالي البلدة الذين تجمعوا عند حاجز الجيش الاول الذي يفصل بين بلدتي عرسال واللبوة، وقد عبّر الاهالي عن غضبهم بإحراق عدد من الدواليب مطالبين الدولة بالتراجع عن القرار المجحف بحقهم كون معظم العراسلة يعتاشون من الجرود حيث توجد مقالعهم وكساراتهم ومعامل الحجارة إضافة الى كروم الكرز والمشمش. لكن سرعان ما فض الاعتصام بعد تلقيهم وعود بالسماح لهم بالتوجه الى أعمالهم في الجرود ضمن آلية محددة. وفي هذا السياق تؤكد مصادر عسكرية لـ<الأفكار> ان الإجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني من عرسال في اتجاه الجرد هي تماماً بخلاف ما يحاول البعض أشاعته من أنها موجهة ضد أهالي عرسال، فالحركة في اتجاه الجرد يفترض ان تخفّ تلقائياً بسبب أحوال الطقس وانتفاء الحاجة للصعود الى الجرد بحجة جني المحاصيل او العمل في الكسارات ولأن من يقصد الجرد في هذا الوقت إنما يكون لهدف معين، ومن يريد ان يقصد الجرد من أهالي البلدة يمكنه الاستحصال على ترخيص وهذا متاح لإبن عرسال فقط.
من المؤكد ان المنع هذا لن يؤثر على تنظيم <داعش> الذي لديه خطوط إمداد من الداخل السوري، بل على العكس تماماً فهو سيسمح له بمزيد من السيطرة على بقية الفصائل المسلحة التي تعيش على بعض المنافذ المؤدية الى عرسال ومخيماتها، ولذلك تؤكد المصادر نفسها أن الغاية الاساسية هي حماية أهالي البلدة من تسرب المسلحين الى بلدتهم وجوارها بعدما اعتاد بعض قياديي المجموعات الارهابية على التسلل الى منازل معينة في البلدة للمأكل والمشرب والتزود بما يحتاجونه، بالاضافة الى وجود بعض العابرين الذين يهرّبون مواد تموينية الى المسلحين وقد جرى توقيف عدد من منهم حيث اعترفوا بمشاركتهم في عمليات التهريب.
وهنا تكشف المصادر انه بعد المعارك الاخيرة التي وقعت في الجرود بين الجيش والمسلحين تبين ان هناك مخيماً موجوداً في الجرود يرجح انه يضم عائلات مسلحي المجموعات الارهابية، وهو غير المخيم الكائن في عرسال، والتحقيقات مع عدد من المهربين قادت الى اكتشاف هذا المخيم الجديد الذي كانت ترسل اليه ايضاً بعض المواد المهرّبة، ولذلك لم يعد من الجائز ترك الممرات بين البلدة وجرودها سائبة وفالتة كاسم المخيم، كما كانت في السابق>.