بقلم خالد عوض
الجميع ينظر إلى اليونان ليس لمعرفة ما إذا كانت اليونان ستخرج من منطقة <اليورو> بل كيف سيكون ذلك، وماذا سيكون مصير هذه المنطقة بعد خروج اليونان.
لاقت نتيجة الاستفتاء اليوناني شعبية لافتة في الجانب <اليساري> من العالم. بالنسبة لهؤلاء، فإن الشعب قال <لا> للمذلة الرأسمالية المتمثلة بشروط الدائنين الذين يطلبون من 11 مليون يوناني أن يتنازلوا عن كل شيء حتى يسددوا الديون المتراكمة عليهم والتي تناهز 350 مليار دولار. ضرائب مهولة وإصلاحات جذرية واقتطاع كبير من صناديق التقاعد ورقابة دولية على الإنفاق حتى يسترجع الدائنون أموالهم من اليونانيين. الـ<لا> لكل ذلك أخرجت رئيس الوزراء اليوناني <ألكسيس تسيبراس> على صورة البطل الإغريقي والأسطوري الذي وقف أمام وحوش المال الأوروبيين.
في المقابل يقول الدائنون ان اليونان وشعبها هما مثال الإستهتار وعدم المسؤولية في تقدير معنى أن تستدين دولة مئات مليارات الدولارات من الغير. يعدون بإصلاحات ليحصلوا على الديون ثم يستمرون بالإنفاق غير المسؤول ويطالبون بالمزيد من الديون، وفي النهاية يعجزون عن الوفاء بإلتزاماتهم فيطلبون شطب جزء من الديون مقابل لا شيء وإلا <لا> حاسمة لأوروبا.
الحقيقة ليست في جهة واحدة. صحيح، اليونانيون استلشقوا بالأنظمة الأوروبية منذ بداية القرن وأخفوا إنفاقهم الحقيقي حتى يظهر للأوروبيين أنهم ملتزمون بسقف نسبة ٣ بالمئة للعجز من الناتج المحلي. كما أنهم لم يحاربوا الفساد كما وعدوا بل غرقوا فيه أكثر وأكثر مع كل حزمة ديون كانوا يتلقونها. الأطباء والمستشفيات كانوا يتلقون رشاوى للإسراع في جدولة العمليات الجراحية. مأمورو الضرائب كانوا يغضون النظر عن مداخيل الشركات مقابل المال الأسود. رخص البناء لا تصدر إلا عندما <يقبض> المسؤولون في التنظيم المدني. حتى ان الفساد أصبح له اسم في اليونان وهو <فكيلاكيا> (FAKELAKIA) وهو مسمى للمغلفات الصغيرة بسبب كثرة التعامل بهذه المظاريف <من تحت الطاولة>.
ولكن جزءاً غير قليل من إنفاقهم كان لشراء السلاح من شركات ألمانية وفرنسية وأميركية خوفاً من البعبع التركي، أي أن بعض أموال دافعي الضرائب اليونانيين ذهبت إلى ألمانيا لشراء غواصات وفرنسا لشراء <فرقاطات> و<هليكوبترات> وحتى للولايات المتحدة لشراء طائرات <F16> مما جعل اليونان أكبر مستورد للسلاح في القارة الأوروبية والثالث عام ٢٠٠٦ على مستوى العالم بعد الهند والصين .
هناك تفسيران لـ<لا> اليونانية: هي أولاً، نعم للقرار اليوناني المستقل. وهي ثانياً، نعم للفساد أي أن اليونانيين ليسوا مستعدين لأن يتصدوا لثقافة الفساد.
في المقابل، هناك تفسيران للتصلب الأوروبي: الأول هو رفض فكرة شطب الديون التي يصر عليها رئيس الوزراء اليوناني لأنها ستشكل سابقة وتفتح الباب على مصراعيه لكل الدول المستدينة حتى تطالب بالمعاملة بالمثل. والثاني هو أن احترام استحقاق الدين يجب أن يكون ثقافة أوروبية تماماً كالديموقراطية. وأي خلل في هذه الثقافة يعني الخروج من أوروبا.
ليس صحيحاً أن لبنان يمكن أن يأخذ العبر من اليونان إلا في أمر وحيد. ليس الدين لأن ديننا داخلي كما أن تاريخ الدولة اللبنانية بالتزاماتها أبيض. كما أنه ليس موازنة الدفاع التي تنتفخ بسرعة عندنا لأن معظم السلاح الذي يأتينا هو مساعدات ومنح. القاسم المشترك هو ثقافة الـ<فكيلاكيا>. فباستثناء مسألة الأطباء والمستشفيات يبدو أنها متجذرة عندنا بالقوة نفسها. الخوف هو أن تؤدي الـ<فكيلاكيا> اللبنانية إلى المفاعيل نفسها التي أطاحت باليونان.