ماذا أخذ لبنان من قمة الكويت؟
أمير الكويت الشيخ صباح مارس دور الاطفائي للأزمات بدءاً من البيت الخليجي وإن تأجل القرار!
كان الشاغل الكبير في قمة الكويت العربية يوم الثلاثاء الماضي هو: هل يعطى رئيس الائتلاف السوري الوطني أحمد الجربا مقعد سوريا في اجتماع الملوك والرؤساء، أم يكتفي الحضور بسماع كلمة لأحمد الجربا، وكان الله يحب المحسنين؟ ذلك أن هناك انقساماً حول تسليم هذا المقعد لرئيس المعارضة السورية. فالمملكة السعودية والامارات ومملكة البحرين ترى بأن يشغل الائتلاف الوطني المعارض مقعد سوريا الشاغر في الجامعة، وهكذا طالب رئيس الوفد السعودي في القمة الأمير سلمان بن عبد العزيز، فيما رفضت مصر والعراق والجزائر ولبنان طرح هذا الموضوع خلال المناقشات، خاصة وأن لبنان التزم بسياسة النأي بالنفس، وتأييد انتقال المقعد السوري في الجامعة الى الائتلاف الوطني السوري يعني ان لبنان اختار جانب المعارضة السورية ضد نظام الأسد، ومثل هذا القرار له ارتدادات أمنية على لبنان.
وقد قال نائب الأمين العام للجامعة محمد بن حلي (ممثل المغرب) ان الأمين العام الدكتور نبيل العربي حسم هذا الأمر بدعوته الى ابقاء المقعد السوري شاغراً لوجود قواعد واجراءات ضمن النظام الداخلي يتعين التعامل معها.. وأضاف ان أهم القضايا التي عرضت لها القمة للمناقشة مجموعة رؤى حول موضوع تطوير الجامعة العربية، كان قد رفعها الى الأمانة العامة كبار المسؤولين والسفراء الدائمين لدى الجامعة العربية.
ومما قاله بن حلي أيضاً ان الكويت، دولة رئاسة القمة، هي التي وضعت <اعلان الكويت> ويتناول التأكيد على عدد من المبادئ والأسس والمواقف الثابتة للجامعة العربية تجاه قضايا المنطقة مثل الوضع في ليبيا وضرورة انتشاله من الوهدة التي يوجد فيها بعد ظهور حكم الميليشيات، والمسار الديموقراطي في اليمن، ووضع النازحين السوريين في لبنان، وموضوع الجزر الاماراتية المحتلة من إيران، اضافة الى الوضع في السودان والارهاب الذي تواجهه بعض دول المنطقة.
وكان الارهاب هو أحد الملفات الساخنة في قمة الكويت بدءاً من اعادة النظر في الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب التي صدرت في العام 1998 وجرى تجديدها عام 2006، ذهاباً من اقتراحات لتفعيلها على نطاق أوسع، لأن الارهاب لا يهدد المواطن والاستقرار فقط، بل هو عائق هام لمسيرة التنمية.
في رأي بن حلي، نقلاً عن موقف أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، ان الارهاب أصبح الآن أحد الأنماط التي تهدد الثقافة العربية الاسلامية، وان هناك أوساطاً خارجية تشوّه الاسلام من خلال التركيز على الاعمال الارهابية للذين يرفعون راية الاسلام ولا يمتون الى الاسلام بصلة.
عباس والمئة مليون دولار
وكان موقف الرئيس الأميركي <باراك أوباما> حاضراً في قمة الكويت من خلال العرض الذي قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقائه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض مؤخراً، واستشرف هذا الموقف كذلك من خلال برنامج الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي اليوم الجمعة للمملكة العربية السعودية. ولفت محمود عباس المجتمعين الى أن القمة العربية في الدوحة خلال العام الماضي قد تعهدت بتوفير مئة مليون دولار شهرياً لدعم فلسطين والقيادة الفلسطينية في ضوء ما تتعرض له من ضغوط مالية، واستمرار اسرائيل في عدم تحويل الأموال الفلسطينية المستحقة الى السلطة الفلسطينية، ويسأل عن التنفيذ.
وفي مقدمة مشاغل رئيس القمة العربية الأمير صباح الأحمد الصباح الذي تسلم مقاليد رئاسة القمة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، القيام بمبادرات ضد أي تصدع في البيت العربي، بدءاً من البيت الخليجي الذي واجه انقساماً بسبب سياسة قطر التي لم تردع القوى التكفيرية على أرضها دون مهاجمة السعودية والامارات والبحرين، بدءاً من الخطب العدوانية لحامي حمى الاخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي. ويستعين أمير الكويت في هذا السبيل بسلسلة اجراءات تصحيحية للسياسة القطرية، ومنها الاستعاضة عن قناة <الجزيرة> بقناة <المواطن العربي>، وتوجيه انذارات بمغادرة البلاد الى الشيخ القرضاوي، رغم انه يحمل الجنسية القطرية، والى قيادات الاخوان المسلمين الناشطة على أرض قطر. وكان في مراد الشيخ صباح أن يجمع من جديد الملك عبد الله بن عبد العزيز أو ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز مع أمير دولة قطر، كما فعل في اجتماع جدة خلال الخريف الماضي. وقد تلقت الحكومة البريطانية عدداً من طلبات اللجوء الى أراضيها من الشيخ القرضاوي وقيادات الاخوان المسلمين في قطر.
وكان طبيعياً أن تنعكس رياح الخلاف الأميركي ــ الروسي حول أوكرانيا على اعمال قمة الكويت، باعتبار أن روسيا تمثل السند الأكبر مع إيران لنظام الرئيس بشار الأسد، وذهاب الجانب الأميركي بعيداً في الانفتاح على إيران فيما هي لا تكف عن التدخل في الخليج، بدءاً من البحرين. ولا يغيب عن البال في هذا السياق الموقف العدائي الذي اتخذه رئيس وزراء العراق نوري المالكي من السعودية وقطر باتهامهما بتشجيع الارهاب داخل العراق، وذلك لمداراة الاسقاطات التي يعانيها في الداخل. إلا ان موضوع المصالحات مؤجل الى حين.
وقد أشاد وزير الإعلام الكويتي الشيخ سلمان الحمود بمستوى التمثيل الخليجي في قمة الكويت العربية الخامسة والعشرين، إذ حضرها 13 رئيس دولة اضافة الى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وبدلاً من الشيخ خليفة بن زايد ترأس وفد دولة الامارات حاكم الفجيرة الشيخ حمد الشرقي، وهي حالة تقدير للشيخ الشرقي.
وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها الكويت قمة عربية، منذ بداية القمم العربية عام 1964 في القاهرة بدعوة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. وقد سبق للكويت أن استقبلت القمة العربية ــ الافريقية، وقمماً اقتصادية بالجملة، وكان فيها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد هو المرجع والشيخ العود الذي تؤول إليه اتخاذ القرارات، اعتماداً على خبرة خمسين سنة لسموه في العمل الديبلوماسي، ومن مآثره في اطفاء الأزمات العربية، ذلك المؤتمر الذي استضافه للقيادات اللبنانية عام 1983 داخل دارته في تونس. ويلتقي كل المعلقين السياسيين في القمة العربية على أن الشيخ صباح الأحمد يملك قدرة اطفاء الأزمات، وكان اطفاء الأزمة الناشبة داخل البيت الخليجي بين السعودية والامارات ومملكة البحرين من جهة، ودولة قطر من جهة ثانية، هو المهمة التي كان أهل الخليج يعلقون عليها الآمال.
لبنان في قمة الكويت
وقد سجل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل انتصاراً سياسياً في اجتماع وزراء الخارجية العرب باستصدار الوزراء قراراً بمساندة الجيش اللبناني بناء على اقتراح الوزير باسيل، وكان قرارهم بالاجماع، وهو أمر ينسحب كذلك على قادة قمة الكويت الذين كان منتظراً منهم أمس الخميس في الجلسة الختامية اعلان دعم القمة لجيش لبنان في مواجهة مسؤولياته خلال هذه المرحلة، الى جانب دعم لبنان في ملف النازحات والنازحين السوريين.
وقد لعب وزير الخارجية المصري نبيل فهمي ووزير خارجية الكويت الشيخ صباح الخالد دوراً مميزاً في مساندة لبنان، وقد كان الوزير فهمي يوم الجمعة الماضي في طائرة واحدة متجهة على خطوط <الشرق الأوسط> الى الكويت مع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي أحاط الوزير المصري بكل المطالب اللبنانية، بدءاً من دعم الجيش اللبناني، ومشاركة الأخوة العرب في معالجة ملف النازحين السوريين.
وقمة الكويت هي آخر قمة عربية يحضرها الرئيس ميشال سليمان الذي يتعين عليه أن يسلم مفاتيح قصر بعبدا لخلفه يوم 25 أيار (مايو) المقبل، إذا توفر الخلف في ذلك التاريخ!