بقلم خالد عوض
[caption id="attachment_85358" align="alignleft" width="401"] أبو الاشتراكية كارل ماركس رأس المال سيتوحش كل ما تسنح له.. الفرصة.[/caption]كل دول العالم تهرول نحو مناعة القطيع ومعظمها أصبح لديه تاريخ محدد للوصول إليها. الهدف هو محاصرة الوباء والعودة التدريجية إلى الحياة "الطبيعية" أو ما سيعنيه ذلك بعد الانتهاء من الـ"كورونا"، ولكن هيهات بين عالم ما قبل ٢٠٢٠ وعالم ما بعده، ليس فقط صحياً وفيما يخص العادات الاجتماعية المفقودة ولكن في الشكل الاقتصادي الآتي إلينا.
لقاح.. القطيع
رغم غياب تام للدراسات والأبحاث التي تؤكد خلو اللقاحات من أي عوارض جانبية على المدى المتوسط والبعيد فإن التهافت على كل أنواع اللقاح عالمياً في أوجه.
إسرائيل ما زالت في الطليعة في السباق إلى مناعة القطيع، بعد أن لقحت أكثر من ٣٠ بالمئة من مواطنيها بجرعة واحدة على الأقل من لقاح "بفايزر". تليها مباشرة الإمارات العربية المتحدة التي تجاوز فيها الملقحون بـ"سينوفارم" الصيني ٢٥ بالمئة من عدد السكان. الدولتان تعتزمان تلقيح أكثر من ٧٠ بالمئة من سكانهما، وهو المعدل الذي يعني الوصول إلى مناعة القطيع خلال ثلاثة أشهر أي مع بداية الربيع عندما تصبح موجة الوباء أساساً في المسار الانحداري. النتائج الأولى من إسرائيل تؤكد أن اللقاح ناجع بنسبة عالية جداً، إذ إن شخصاً واحداً من كل عشرة آلاف شخص تلقوا اللقاح أصيب بالفيروس. ولم تظهر على هؤلاء القلائل الذين اصيبوا أي عوارض خطيرة من التي تصيب عادة مرضى الـ"كورونا". النتائج المطمئنة نفسها تأتي حالياً من بريطانيا والإمارات. يعني أن القضاء على الجائحة، ولو بنسب متفاوتة بين دولة وأخرى، أصبح ممكنا جداً خلال الستة أشهر المقبلة. ولكن حتى لو تحققت مناعة القطيع الصحية عام ٢٠٢١ كيف يمكن تفادي الأوبئة الاجتماعية والاقتصادية التي لن ترحم أي دولة، بما فيها التي ستحقق قبل غيرها مناعة القطيع ضد "كوفيد"؟
الوباء... الرقمي
[caption id="attachment_85360" align="alignleft" width="200"] سمو الشيخ محمد بن راشد رئيس مجلس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي يتلقى اللقاح الصيني الإمارات أولاً حتى في...المناعة.[/caption]نمو الاقتصاد الرقمي عام ٢٠٢٠ فاق كل التوقعات. وبدل أن يتطلب انتقال العالم إلى مفاعيل الاقتصاد الرقمي خلال سنوات تم ذلك في بضعة أشهر تحت ضغط الوباء. مئات شركات التكنولوجيا تضخمت اعمالها هذا العام وآلاف جديدة غيرها تتحضر اليوم لدخول المعترك الرقمي بقطاعاته المتعددة. هذا يعني أن لا عودة إلى الوراء. العمل عن بعد والانتقال إلى خارج المدن بسبب إمكانية العمل من المنزل واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل صغيرة وكبيرة والتسوق عبر الإنترنت وغيرها من الأمور التي سرع في انتشارها الفيروس موجودة اليوم لتبقى و..تنمو. الوباء جعل الرقمنة هي القاعدة للنمو الاقتصادي ولم تعد استثناء أو ضرباً من الحداثة. اللقاح نفسه أتى من رحم هذا العالم الجديد إذ إن لقاحات "بفايزر" و"مودرنا" وغيرهما من اللقاحات الآتية قريباً تعتمد على رسائل فيها معلومات جينية منسوخة من الحمض النووي ويمكن صناعتها بسرعة مدهشة. هذا النوع من اللقاحات لم يكن ممكناً لولا التطور الرقمي في العلم الجيني. ولكن مقابل الرقمنة هناك كارثة اجتماعية حقيقية تتحضر.
أي لقاح.. للاقتصاد
منذ أيام أعلنت منظمة العمل الدولية أن مفاعيل الوباء كالإغلاقات والقيود على الحركة أطاحت بحوالي ٨،٨ بالمئة من مجموع ساعات العمل في العالم مما يساوي خسارة ٢٥٥ مليون وظيفة. هذا معدل بطالة يفوق بأربع مرات النسبة التي نتجت عن أزمة ٢٠٠٨ المالية. النتائج الكارثية لكل ذلك لم تظهر بعد لأن الحكومات تدخلت بشكل غير مسبوق عبر برامج تحفيز مالية قياسية وصلت إلى توزيع المال مباشرة إلى الناس ولم تقتصر على خلق العملة من قبل البنوك المركزية كما حصل عام ٢٠٠٨. هذا الضخ المباشر للمال حافظ على نسبة مرتفعة من الاستهلاك، وصل في بعض القطاعات إلى مستويات قياسية. فالناس حصلت على مال من دون أن تتكبد عناء الانتقال إلى العمل مع كل ما يتطلب ذلك من نفقات ولم تذهب إلى المطاعم ومراكز التسوق ودور السينما وغيرها من الأمكنة التي كانت تستنفذ مداخيلها. ولذلك زاد حجم مدخراتها خلال فترة الحجر والإغلاق وتحولت إلى الإنفاق عبر الإنترنت. هذا الإستهلاك زاد من أرباح الشركات مثل "امازون". طالما أن الحكومات ترسل المال إلى الناس لن يشعر الاقتصاد بحجم البطالة المتزايد. ولكن ما أن تتوقف المساعدات سيستيقظ الاقتصاد على واقع جديد سيصعب التعامل معه. والكلام عن عودة سريعة إلى النمو بعد الوصول إلى مناعة القطيع تفاؤل ربما في غير محله. فالناس انفقت ما يمكنها انفاقه بمال الحكومات وجزء من القطاع الخاص استفاد من ذلك. لا ضمانة أن يستمر الاستهلاك على المستوى نفسه إذا اوقفت الحكومات الحزم التحفيزية. صحيح أن بعض القطاعات مثل قطاع السفر والترفيه والسياحة يمكن أن يشهد انتعاشا ولكن مفاعيل البطالة ستكون أكبر من أن يستوعبها نمو هذه القطاعات.
الحل الكوري: اشتراكية الوباء
[caption id="attachment_85359" align="alignleft" width="444"] رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إين إعادة توزيع الثروات المالية التي تحققت عام ٢٠٢٠.[/caption]في منتدى "دافوس" السويسري منذ أيام عرض الرئيس الكوري الجنوبي "مون جاي إين" حلاً "اشتراكياً" للتصدي للتفاوت الاجتماعي والمالي الذي زاد خلال تفشي الوباء. فهو يعتبر أن هناك شركات استفادت كثيراً من الوباء مثل شركات التكنولوجيا الرقمية وشركات التجارة الإلكترونية والتواصل الاجتماعي وغيرها. مداخيلها زادت عشرات المليارات وهي لم تكن لتنمو بالنسبة نفسها لولا برامج الحكومات التحفيزية ولولا الإغلاقات، في المقابل تضررت فئات كثيرة من المجتمع ولا تزال تعاني من تراجع حاد في مستوى معيشتها. يقترح الرئيس الكوري الجنوبي أن تشارك الفئات التي اغتنت سنة ٢٠٢٠ جزءاً من ثروتها المستجدة مع الناس المتضررين. هكذا يمكن أن تتحقق بعض العدالة الاجتماعية وتتراجع الهوة الكبيرة التي وسعها الوباء.
كلام الرئيس الكوري ليس خارج سياق حكومات العالم الرأسمالية مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة أخرى تلجأ اليوم إلى حلول أقرب إلى الاشتراكية. فالنظام الرأسمالي الحر ازداد توحشاً مع وباء "كوفيد" لأنه عندما يصبح مجموع ثروة أغنى شخصين في العالم أي "جيف بيزوس" رئيس "امازون" و"ايلون ماسك" رئيس "تسلا" حوالي ٣٧٠ مليار دولار بزيادة حوالي ١٨٠ مليار دولار خلال عشرة أشهر فقط بينما يخسر مئات ملايين الناس وظائفهم ويزيد عدد الناس الذين يرزحون تحت خط الفقر حوالي ٢٠ بالمئة في بلد مثل الولايات المتحدة، لا بد من حلول مستوحاة من "كارل ماركس"، الذي كان عندما أصدر كتابه "رأس المال" عام ١٨٦٧ ربما يقرأ في أحداث سنة ٢٠٢٠.