لم ينتظر لبنان نتائج المؤتمر الدولي لعودة النازحين السوريين الى بلادهم الذي عقد قبل أسبوعين في دمشق، ولا هو تريث لمعرفة مدى تجاوب المعنيين مع القرارات التي صدرت عن المؤتمر، لأنه على قناعة بأن هذه القرارات لن تبصر النور على الأرض نتيجة معارضة دول الغرب لهذه العودة الى حين الوصول الى اتفاق على حل سياسي للوضع في سوريا، وهو امر قد يطول قبل ان يصبح امراً واقعاً. لقد قابل لبنان قرارات مؤتمر دمشق بإيجابية وبارتياح، لكن ذلك لا يمنع من ان السلطات اللبنانية تتعامل بواقعية مع قضية النازحين السوريين الذين تجاوز عددهم في الربوع اللبنانية المليون و500 الف نازح، كبدوا الدولة اللبنانية حتى نهاية 2019 اكثر من 45 مليار دولار، خسائر مباشرة، ما عدا الخسائر غير المباشرة التي نتجت عن توقف حركة التصدير اللبنانية عبر الحدود البرية السورية التي اقفلها الحرب...
صحيح ان الجانب اللبناني اعتبر ان تبني مؤتمر دمشق الخطة التي وضعها لبنان لعودة النازحين تشكل خطوة متقدمة في هذا الملف الحساس، الا ان الصحيح أيضا ان قدرة لبنان على تحمل المزيد من النازحين السوريين او عدم مغادرة اعداد منهم أراضيه لم تعد واردة في الحسابات اللبنانية وسط الانهيار الذي يهدد الواقع الاقتصادي والمالي، لذلك فقد لجأ الى تشجيع هؤلاء النازحين بالعودة الى بلادهم، لاسيما أولئك الذين يسكنون في مناطق آمنة لم تعد فيها مناوشات مسلحة وباتت تحت السيطرة الكاملة للنظام والقوى المسلحة النظامية، من هنا وبعد اشهر من الجمود تقرر إعادة تفعيل اللجنة المكلفة بالموضوع والتي تضم أساساً وزارات الشؤون الاجتماعية والداخلية والبلديات والخارجية التي ستعود الى الاجتماع للعمل على الخطة التي وضعت في شهر تموز (يوليو) الماضي بعد اشهر من التوقف بسبب جائحة "كورونا" والانشغال بانفجار المرفأ وطبعا استقالة الحكومة وتحولها الى حكومة تصريف اعمال، والعمل على الخطة كان ينتظر تشكيل حكومة جديدة، الا ان لبنان ما عاد يملك ترف الوقت ورفاهية الانتظار، لذلك سيستكمل العمل انطلاقاً من الخطة مع التركيز بداية على إزالة العقبات وترتيب قاعدة البيانات وتحفيز العودة والتنسيق مع الدولة السورية من اجل ضمانات امنية لعودة آمنة، وذلك بهدف العودة الجماعية وبصفة طوعية.
وكان مجلس الوزراء اللبناني اقر قبل استقالة الحكومة "ورقة السياسة العامة لعودة النازحين" السوريين التي كانت أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية، وترتكز على 8 مبادئ أساسية، ابرزها التمسك بحق النازح السوري في العودة ورفض التوطين، وفق ما نص عليه الدستور اللبناني، وعدم الإعادة القسرية او ربط عودة النازحين بالعملية السياسية في سوريا، كما ذكرت الخطة بــ "ترحيب الدولة السورية بعودة السوريين كافة واستعدادها لبذل ما يلزم لتسهيل إجراءات هذه العودة، علماً ان 70 في المئة من المواليد السوريين في لبنان منذ 2011 غير مسجلين رسمياً.
وملف عودة السوريين شهد أيضاً جموداً على ضفة الامن العام الذي كان رعى ومن خلال آلية خاصة عمليات لاعادة النازحين عبر دفعات متتالية، آخرها كان قبل اكثر من شهرين، حسب ما أوضح مصدر مسؤول في الامن العام، لفت الى ان سبب التوقف كان بشكل أساسي متعلقاً بجائحة "كورونا" التي اعاقت تأمين اللوجيستيات اللازمة.
وقال المصدر "ان جمود العودة مؤقتاً ضمن آلية الامن العام لا يعني ابداً ان العودة توقفت، فالاجراءات المسهلة على الحدود مستمرة لمن يريد ان يعود طوعاً الى سوريا اذ يمكنه حتى تسوية أوضاعه على الحدود من دون أي عوائق". ولفت الى ان "هذه التسهيلات أعطت نتيجة جيدة اذ تجاوز عدد الذين عادوا الى بلادهم منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 حتى 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عبر الحدود بصفة شخصية 12 الفاً".
بالتزامن أفادت مصادر عسكرية ان القوات السورية دفعت بنحو 80 آلية من الفرقة الرابعة الى الحدود اللبنانية لاقفال معابر التهريب غير الشرعية وملاحقة اللبنانيين القاطنين في تلك المناطق داخل الأراضي السورية، وذلك اثر اشكال وقع بين مهرب لبناني وقوات حرس الحدود (الهجانة) من جهته شدد الجيش اللبناني رقابته على الحدود اللبنانية ومعابر التهريب غير الشرعية في شرق لبنان وشماله وملاحقة الضالعين بعمليات التهريب.
وقالت المصادر ان القوات السورية تشدد الرقابة على كل اللبنانيين العابرين الى الأراضي السورية عبر المعابر غير الشرعية، ويجري استهدافهم عبر اطلاق النار وتوقيف أي لبناني على الأراضي السورية دخل بطريقة غير شرعية لافتة الى انه يجري اقتياد هؤلاء الى الفروع الأمنية في دمشق وقالت : "اللبنانيون داخل الأراضي السورية في وضع ارتباك غير عادي".
ويقفل الجيش السوري الحدود مع لبنان منذ الأسبوع الماضي، في مقابل تشديد من قبل الجيش اللبناني لتقييد حركة المهربين على المعابر غير الشرعية، كامتداد للتدابير التي تتخذها السلطات اللبنانية لمنع تهريب المازوت والأدوية والسلع المختلفة الى الداخل السوري، والتهريب المعاكس للسلع والمواد الغذائية الى داخل الأراضي اللبنانية.
ويكرر المسؤولون اللبنانيون مطالبهم باقفال المعابر الحدودية غير الشرعية مع سوريا.
وقالت مصادر ميدانية في شرق لبنان ان الجيش اللبناني شدد الرقابة من الجهة اللبنانية واقفل سائر المعابر غير الشرعية، فيما قالت مصادر أخرى في الشمال ان الحدود مقفلة منذ أسابيع بشكل كامل، حيث لا يمكن اجراء أي عملية تهريب الى الداخل السوري. ولفتت المصادر الى ان الإجراءات على الضفة اللبنانية من الحدود، تقابلها إجراءات مشابهة على الضفة السورية، حيث يعجز المهربون عن تهريب المازوت وسلع أخرى الى الداخل السورية وبالعكس، بينما تعمل مخابرات الجيش اللبناني تلاحق المطلوبين والمهربين أيضاً الى جانب تشديد الرقابة على الحدود.