تابع السياسيون والرسميون ورجال القانون على حدٍ سواء باهتمام صدور الدفعة الأولى من المراسيم التي وقعها رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء الـ22 (غاب الوزير ارتور نظريان عن جلسة التوقيع نتيجة وجوده خارج لبنان) بصفتهم يمارسون مجتمعين صلاحيات رئيس الجمهورية الذي شغر موقعه منذ 24 أيار/ مايو الماضي مع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، وذلك للتدقيق في أول ممارسة لهذه الصلاحيات منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي آلت إليها صلاحيات رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود بعد انتهاء ولايته يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، لاسيما وأن كلاماً كثيراً قيل حول طريقة ممارسة هذه الصلاحيات و<التنازلات> التي قدمها رئيس الحكومة في حقه في وضع جدول الأعمال و<اطلاع> الوزير عليه قبل 4 أيام من موعد الجلسة، وإعطاء كل وزير حق الاعتراض على بند أو أكثر ليصار الى إسقاطه من الجدول، على أساس أن الاتفاق تم بتشجيع من الرئيس سلام نفسه، على أن تؤخذ كل القرارات بالتوافق ولا يلجأ مجلس الوزراء الى التصويت خلافاً لما ينص عليه الدستور.
وقد اتضح للذين اطلعوا على الدفعة الأولى من المراسيم الـ143 التي وقعت في جلسة واحدة أن ثمة ملاحظات لا بد من تسجيلها حول هذه المراسيم، وبروز سوابق في العمل الحكومي تضاف الى سلسلة السوابق التي تميزت بها <حكومة المصلحة الوطنية> منذ تشكيلها. ومن هذه الملاحظات ما يأتي:
أولاً: وجود نوعين من المراسيم التي تحمل تواقيع الوزراء الـ23، بمن فيهم رئيس الحكومة، الأول هو <المراسيم العادية> التي لا تحتاج عادة الى موافقة مجلس الوزراء بل تصدر بتواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير (أو الوزراء) المختص، وقد ذيلت هذه المراسيم بعبارة <صدر عن رئيس مجلس الوزراء الإمضاء تمام سلام> وبعدها تواقيع الوزراء الـ22. أما النوع الثاني فهو يتعلق بالمراسيم التي تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء، وقد أضيفت إليها عبارة <وبعد موافقة مجلس الوزراء بتاريخ...>.
ثانياً: خلت كل المراسيم التي صدرت من الإشارة، في الحيثيات التي بنيت عليها والتي تسبق عادة تسلسل المواد، الى مرسوم تشكيل الحكومة التي تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، واكتُفي بإدراج عبارة <ان مجلس الوزراء> (بدلاً من <ان رئيس الجمهورية>)، وعبارة <بناء على الدستور لاسيما المادة 62 منه> (وهي التي تنص على انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة الى مجلس الوزراء مجتمعاً). وفي هذا الإطار، يقول قانونيون ان الإشارة الى مرسوم تشكيل الحكومة في متن حيثيات المرسوم ضرورة يفرضها الدستور والقوانين المرعية الإجراء لأنه بموجب هذا المرسوم تم تشكيل الحكومة التي باتت تتولى مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهوريــــــة، وبالتــــــالي فــــــإن عدم الإشارة اليه في الحيثيات يشكل مخالفة يقتضي على الدوائر المعنية تصحيحها لإضفاء الصفة الدستورية علـــى المراســــيم الموقعة من قبل رئيس الحكومة والوزراء الذين ما كانت لهـــــم هـــــذه الصفة لولا مرسوم تشكيل الحكومة الذي كرّس مهامهم دستورياً.
توقيعان لمقبل...
ثالثاً: حملت معظم المراسيم الصادرة - وفي سابقة ملفتة - توقيعين لنائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع سمير مقبل، مرة بصفته <نائب لرئيس مجلس الوزراء>، ومرة بصفته <وزير للدفاع الوطني>، كما لوحظ أن بعض المراسيم حمل توقيع واحد لمقبل تحت الصفتين مجتمعتين من دون الفصل بينهما، وهذه المرة الأولى التي يتم فيها <تكريس> صفة <نائب رئيس مجلس الوزراء> منفصلة عن الحقيبة الوزارية التي يتولاها وذلك بموجب مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء. وفي هذا السياق، يقول القانونيون أنفسهم ان الدستور لم يلحظ موقعاً لـ<نائب رئيس مجلس الوزراء> ولا صلاحيات محددة له، إلا أن العرف قضى بإسناد هذا المنصب الى شخصية أرثوذكسية، خلافاً لما هو وضع نائب رئيس مجلس النواب (الأرثوذكسي) الذي يتولى ممارسة صلاحيات رئيس مجلس النواب كاملة في غيابه. وفي رأي القانونيين ان منصب <نائب رئيس مجلس الوزراء> لم يعطِ، خصوصاً بعد اتفاق الطائف، صلاحية دستورية في ظل رئيس الحكومة كما في غيابه أو أتيح له الحلول محله، وقد كان هذا الأمر دائماً موضع أخذ ورد في كل الحكومات التي تعاقب عليها الرؤساء ميشال المر وعصام فارس وعصام أبو جمرة والياس سابا وغيرهم، ممن شغلوا هذه المواقع منذ اتفاق الطائـــــف. ونتيجــــــة هــــــذا التوقيــــــع - يضيف القانونيــــــون - فإن السابقة يمكن أن تتكرر في الحكومات المقبلة، علمــــــاً أن ثمـــــــة من يتحدث عن ان الرئيس مقبل كان قد أبلغ قبل أيام بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي أن الطائفة الأرثوذكسية أصبحت - في غياب رئيس الجمهورية الماروني - الممثل الأول للمسيحيين في الدولة اللبنانية، وهو أمر يتم للمرة الأولى منذ أن تولى أرثوذكسي هو الرئيس شارل دباس رئاسة الجمهورية اللبنانية العام 1926 في ظل الانتداب الفرنسي.
شبطيني وقّعت لنفسها...
رابعاً: قضى المرسوم الذي حمل الرقم 1 الصادر يوم 3 تموز/ يوليو الجاري بتجديد رخصة استيراد أسلحة وذخائر ومعدات حربية لصالح القوى المسلحة اللبنانية، في حين قضى المرسوم الذي حمل الرقم 40 في التاريخ نفسه بقبول القاضية السيدة أليس شبطيني (وزيرة المهجرين) في منصب الشرف برتبة مستشار في محكمة التمييز ومنتدبة بقرار من الرئيس الأول لمحكمة التمييز لترؤس محكمة التمييز العسكرية. والملفت أن الوزيرة شبطيني وقعت مرسوم قبولها في منصب الشرف، اسوة بغيره من المراسيم بصفتها وزيرة للمهجرين!
خامساً: تضمنت الدفعة الأولى من المراسيم المتعلقة بالصلاحيات الرئاسية أكثر من 45 مرسوماً قضت بتجديد أو إعطــاء رخص اســـتيراد أســــــلحة وذخــــائر والاتجار بها، الى أفراد ومؤسسات. كما تضمنت مراسيم بنقل اعتمادات مالية لوزارات الأشغال والدفاع والاقتصاد والثقافة.
سادساً: لم يراعَ في توقيع الوزراء ترتيب ورود الأسماء في مرسوم تشكيل الحكومة، بل جاء تسلسل التواقيع عشوائياً واختلف من مرسوم الى آخر...