بقلم خالد عوض
[caption id="attachment_78087" align="alignleft" width="343"]
هل تسرع لبنان في الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد قبل التأكد من استعداد الدول المانحة الأخرى للمساعدة في حال وافق الصندوق؟ وهل هناك خطة ألف مع الصندوق وخطة باء في حال تعثرت المفاوضات مع الصندوق؟
ينطبق اليوم على لبنان القول المعروف: الدخول في المفاوضات مع صندوق النقد ليس أبدا كالخروج منها. ففشل المفاوضات مع الصندوق يعني إستحالة أي مساعدة أخرى، والدخول في نفق مزيد من انهيار العملة المحلية، وشح الإستثمارات الأجنبية والتحويلات الخارجية، وعجزاً غير مسبوق في ميزان المدفوعات. ونجاحها يعني في النهاية القبول بشروط سياسية لا الحكومة ولا مكوناتها الحالية قادرة على تطبيقها، أقلها ضبط الحدود مع سوريا بل ربما تصل إلى محاصرة حزب الله سياسيا في لبنان.
الشيطان أصبح فجأة... الحاج خلاص؟
منذ شهرين وخلال تحضير الحكومة اللبنانية للخطة المالية نصح رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحكومة بالذهاب إلى صندوق النقد الدولي للمشورة وأخذ النصائح... فقط. كان الموقف السياسي الضاغط يومها هو ضرورة تجنب أن يكون الصندوق مصدرا للإنقاذ رغم أهمية الإستماع إليه والإستفادة من خبراته، وتلازم ذلك مع إستمرار البحث الجدي عن بدائل. ولكن فجأة ومن دون أي تفسير أو تبرير سياسي أو مصارحة للبنانيين أصبحت الحكومة اليوم في صلب المفاوضات مع الصندوق، رغم أن الأخير لا زال يستوضح ويستفهم ويتحفظ. لماذا تحول الموقف السياسي من معارض شرس للصندوق إلى مفاوض طيع يستمع إليه الوفد اللبناني مثل التلميذ النجيب بل يسبق الصندوق في أقصى ما يمكن أن يطلبه منه؟
هناك واقع مالي ومقاربة سياسية إقليمية لتفسير شبه الإنبطاح اللبناني المالي أمام الصندوق. ماليا، وصلت الحكومة وخاصة رئيسها الدكتور حسان دياب إلى خلاصة مريرة، ليست بالضرورة صحيحة، وهي أن الصندوق هو الملاذ الوحيد المتاح لأن كل البوابات الأخرى موصدة أمامها، وهذا حتى قبل أزمة الوباء. أما سياسيا، فبدأت تظهر منذ مدة ملامح تهدئة بين إيران والولايات المتحدة، منها عدم حجز الأميركيين لإحتياطات مالية إيرانية في بعض المصارف الدولية من جراء بيع النفط والغاز، وتمديد المهلة الزمنية لإستمرار إستيراد العراق للغاز الإيراني لسد الحاجة الكهربائية الملحة، ثم قبول إيران بمصطفى الكاظمي الرئيس السابق للمخابرات والمدعوم أميركيا على رأس الحكومة العراقية. إنعكس تخفيف التوتر الإقليمي على لبنان من خلال قبول حزب الله بالتفاوض مع الصندوق لجس نبض الأميركيين في خياراتهم اللبنانية المستجدة. في هذا الوقت وفي عز الأزمة الوبائية حطت طائرة وزير الخارجية الأميركية "مايك بومبيو" في تل أبيب قبل حتى أن تنال الحكومة الإسرائيلية الجديدة الثقة، لتعكس رغبة الأميركيين في تخفيف التوتر مع إيران من خلال الحد من الضربات الإسرائيلية لسوريا أو ضبطها حتى لا تنزلق إلى حرب، على الأقل خلال الفترة الحالية.
الحكومة تعض أصابعها أم تعد أسابيعها؟
[caption id="attachment_78086" align="alignleft" width="390"]
شوك وعوسج الإصلاح أخف من ساطور الصندوق
الرحلة إلى ومع صندوق النقد الدولي هي الدخول في الرمال المتحركة. "ما حك جلدك مثل ظفرك" هو الطريق إلى الحل. القرار بالمحاسبة يجب أن يصدر عبر الحكومة وليس من أي مكان آخر. هي لا تحتاج إلى صلاحيات فمعها أهم صلاحية وهي حق الإستقالة ومصارحة الناس عندما يعرقلها الذين يعرقلون. من دون ذلك تكون ادخلت البلد كله رهينة عند صندوق النقد الدولي وطلباته التي لن تبقي من السيادة، ولا من العملة الوطنية، أي شيء. لنأخذ برنامج صندوق النقد الإصلاحي فقط، من دون أي مال من الصندوق ومن دون أن نلتزم بكل بنوده بشرط أن نلتزم الخطوات الإصلاحية التي سيتضمنها.
لبنان أغنى بكثير من ٩٠ مليار دولار أي مجموع الدين العام أو ٥ مليارات دولار الذي هو أقصى ما يمكن للصندوق أن يقرضنا إياه. وإذا لم تعرف الحكومة، رغم كل الخسائر على مدى عقود، أي ثروة هي اليوم بيدها من خلال مقدرات لبنان الطبيعية وقطاعاته التي لا زالت كلها في يد الدولة وطاقاته البشرية اللامحدودة والوجود الفاعل لمغتربيه، فمن الأجدى لها أن تتنحى قبل أن تسلم البلد إلى وحش صندوق النقد.