بقلم خالد عوض
سعر النفط أقل من ٥٠ دولار للبرميل، مجدداً. توقعات وزير البترول السعودي علي النعيمي بأن تعود أسعار النفط إلى مستــوى ٧٠ دولار للبرميل مع النصف الثاني من ٢٠١٥ لم تتحقق. ورغم إصرار <اوبك> على أن خيار خفض الإنتاج ليس مطروحاً فإن استمرار الأسعار بهذا المستوى أو احتمال نزولها إلى مستويات أدنى ستفرض عليها مراجعة هذا الاحتمال.
لماذا انخفضت أسعار النفط من جديد؟
هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك. أولاً، تراجع الاقتصاد الصيني الذي أدى إلى تراجع الطلب عند ثاني أكبر مستهلك للنفط عالمياً. السبب الثاني هو الفائض في المعروض والذي يقدر بحوالى مليون برميل يومياً. هذا الفائض نجم عن استمرار زيادة إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة والذي تمكن من المحافظة على مستويات الإنتاج بفضل تطور تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي (hydraulic fracking) وتمكن هذه الشركات من الاستفادة من ذلك لخفض كلفتها والمحافظة على إنتاج يقارب ٩،٧ مليون برميل يومياً. السبب الثالث هو إنتاج السعودية والعراق الذي وصل إلى مستويات قياسية في حزيران (يونيو) الماضي. فقد أنتجت السعودية ١٠،٦ ملايين برميل يومياً والعراق حوالى ٤ ملايين برميل يومياً. ومن المتوقع أن يصل إنتاج النفط السعودي إلى ١١ مليون برميل يومياً في السنة المقبلة بينما لن يتمكن العراق من إنتاج أكثر من ٤ ملايين برميل يومياً في ظل الوضع الأمني والسياسي الحالي.
كل هذا الانخفاض في الأسعار في ظل وضع أمني وعسكري متفجر في المنطقة وفي حين لم <ينزل> النفط الإيراني إلى السوق بعد. ماذا يعني كل ذلك؟
هناك عالم جديد من أسعار النفط على الدول الخليجية أن تتعايش معه. ليس فقط من خلال ترشيد الإنفاق أو رفع الدعم الداخلي عن الأسعار كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة ابتداءً من أول الشهر الحالي، بل عن طريق البحث جدياً في تنويع مصادر الدخل واستثمار بعض عائدات الصناديق السيادية في مسارات اقتصادية بديلة عن النفط. المنطقة لن ترى <طفرة> نفطية في المستقبل القريب وهذا يفرض نظرة مختلفة إلى البنية المالية والضرائبية في الدول الخليجية.
بالنسبة إلى لبنان خبر انخفاض أسعار النفط هو حاجة مالية قبل أن يكون خبراً ساراً. العجز المالي في الكهرباء (المقطوعة) انخفض أكثر من ٣٠٠ مليون دولار في النصف الأول من هذه السنة ومتوقع بل يجب أن ينخفض إلى ٨٠٠ مليون دولار مع نهاية ٢٠١٥ في ظل المستوى الحالي لأسعار النفط. ولولا هذا الانخفاض لكان العجز السنوي في الموازنة تصاعد هذا العام الى مستوى يصعب معه على الدولة الحصول على مزيد من القروض.
وبدل أن يضيع الوفر المحقق في رياح الفساد أو في النفقات العشوائية يجب أن يخصص جزء منه لتطوير البنية التحتية للطاقة من خلال وضع خطة خمسية يأتي تمويلها من الخفض في أسعار النفط، بمعنى آخر يمكن للحكومة أن تبني موازنتها على أساس أن سعر النفط سيكون ٧٥ دولار للبرميل وتخصص الوفورات للاستثمار في الطاقة والوصول إلى صفر عجز في الكهرباء خلال خمس سنوات.
لا بد من حصر الوفر في أسعار النفط ضمن صندوق مالي خاص والاستفادة منه بدل أن يضيع كما ضاعت وفورات عديدة أخرى. البداية تكون في تحديد الوفر المالي هذه السنة والإعلان عنه دورياً وطالما أن الإنفاق يجري على أساس القاعدة الإثني عشرية وأن سلسلة الرواتب والأجور لم تقر وأن وزارة المالية تخفض موازنة كل الوزارات، فمن حق اللبنانيين أن يعرفوا كيف يعامل الوفر في أسعار النفط.
الخوف أن يضيع هو أيضاً في غابة الفساد.