ستارة انتخابات العراق تكشف عن المشهد المقبل..
مثلما أدلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بصوته في صندوق الاقتراع الرئاسي وهو على كرسي متحرك، كذلك فعل الرئيس العراقي جلال طالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني وهو يكمل علاجه في المانيا منذ حوالى السنة، قبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية في العراق التي جرت يوم أمس الأربعاء، وسبقتها صندوقة الاقتراع في البلدان الواقعة خارج العراق.
ولم يجتهد أي مراقب في برلين لمعرفة الاسم الذي اختاره الرئيس طالباني لرئاسة الحكومة، وهل هو رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي أم عمار الحكيم، أم رئيس الوزراء السابق اياد علاوي الذي اقترع في العاصمة الأردنية عمان. وساورت المراقبين الشكوك حول سلامة الانتخابات العراقية التي ستأتي الى البرلمان بثلاثمئة وثمانية وعشرين نائباً، أي أكثر من برلمان لبنان بمئتي نائب، خصوصاً وان اليوم الذي سبق موعد الانتخابات شهد سبعة تفجيرات انتحارية داخل مراكز انتخابية وسقط فيها 23 شرطياً وجندياً.
وساوى حق الاقتراع بين المواطنين العاديين، والعسكريين، والمساجين. وفي سجن الرصافة الأولى داخل بغداد، أدلى 2500 سجين بأصواتهم مع توجيهات بأن يقترعوا مقابل منحهم هذه الفرصة لرئيس الحكومة نوري المالكي. وقال موظف في وزارة العدل لوكالة الصحافة الفرنسية مع شرط عدم ذكر اسمه: <أنا مندهش من هؤلاء السجناء الذين يرزحون ظلماً في السجون وينتخبون الشخص الذي ظلمهم>.
ورغم الاجراءات الأمنية المشددة فقد تحولت مراكز الاقتراع الخاصة بقوات الجيش والشرطة الى أهداف لهجمات انتحارية، وقال ضابط برتبة عقيد في الشرطة ومصدر طبي إن انتحارياً فجر نفسه داخل مركز انتخابي في منطقة المنصور غرب بغداد، وأدى ذلك الى مقتل ستة أفراد من الشرطة واصابة 15 شخصاً آخرين بجروح، كما لقي داخل مركز انتخابي في منطقة الأعظمية القرية أربعة من رجال الشرطة حتفهم وأصيب خمسة عشر بجروح في تفجير انتحاري بحزام ناسف.
علاوي على <الفايسبوك>
وفي وصف المشهد الانتخابي قال النائب المستقل في البرلمان العراقي، والقيادي في ائتلاف <أوفياء للوطن> عزت الشهبندر: <ان الاتجاه العام للتصويت الخاص سواء على مستوى العراقيين في الخارج، أو لمنتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية في الداخل يمثل ارباكاً للمشهد الانتخابي سياسياً وأمنياً، وذلك لجهة ما حصل من خروقات واختراقات على صعيد الكثير من المراكز الانتخابية بالاضافة الى عمليات الضغط التي مورست من أجل اجبار منتسبين في بعض الأجهزة على التصويت لجهة معينة وان كان قد تم رصدها>.
ومن تعقيدات المشهد الانتخابي العراقي قول رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور اياد علاوي على صفحته في <الفايسبوك>: <اضطررت للسفر من بغداد الى عمان لممارسة حقنا المكفول دستورياً بالتصويت. واننا على عهدنا مع الشعب العراقي الكريم سنبقى نكافح من أجل عراق كريم. وقد قمت بالادلاء بصوتي جنباً الى جنب مع أبناء شعبنا لعدم امكاني التصويت داخل العراق>.
9 آلاف مرشح ومرشحة
وهذه الانتخابات العراقية التي جرت أمس الأول الأربعاء هي الأولى منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011. ولئن كانت القوات الأميركية قد دخلت العراق عام 2003 وهو خارج الصراع المذهبي، ويتساوى على أرضه في الحقوق شيعة وسنة وأكراد وأشوريون وكلدانيون، تركت العراق وهو منقسم بين شيعي وسني وكردي، ويسأل بحرقة عن مسيحييه الذين هاجروا الى بلدان أخرى>.
تسعة آلاف مرشح ومرشحة تنافسوا على 328 مقعداً، ضمن أجواء مذهبية وعرقية، ولكن باتجاه واحد هو طلب التغيير. فقد عبر اياد علاوي عن هذا الهدف بقوله: <لن نسمح لنوري المالكي بولاية ثالثة>، ولكن المالكي استطاع بكل أسف أن يستنفر العصبية الشيعية بالتحالف مع ايران، من أجل أن يحقق حزبه الدستوري أكثرية من الأصوات.
والقوة الرئيسية الثانية في هذه الانتخابات ودخلت انتخابات عام 2010 تحت اسم <القائمة العراقية> وحصلت يومذاك على 91 مقعداً، وتعذر على رئيسها اياد علاوي استلام رئاسة الحكومة بالنظر لتشرذمها، تتوزع الآن بين ثلاث كتل رئيسة هي <متحدون للاصلاح> بزعامة اسامة النجيفي رئيس البرلمان الذي انتهت ولايته، وكتلة <العربية> بزعامة صالح المطلك، وكتلة <الوطنية> بزعامة اياد علاوي.
أما القوة الثالثة التي يحسب نوري المالكي لها ألف حساب فهي تكتل <التحالف الكردستاني> بين جلال طالباني ومسعود البرازاني رئيس اقليم كردستان. وكان لافتاً مشاركة منتسبات الى الجهاز الأمني الكردي المعروف باسم <البيشماركة> في الاقتراع وتخضيب ابهامهن بالحبر الانتخابي.
حظوظ.. المالكي
وأغلب التوقعات تشير الى ان اخفاق نوري المالكي، رغم فوزه العددي، في العودة الى كرسي رئاسة الحكومة، سيفتح الطريق لكتلة <المواطن> التي يتزعمها عمار الحكيم الى رئاسة الحكومة زائحاً من هذه الطريق أيضاً حزب <الدعوة>. وكشفت نتائج الانتخابات التي جرت خارج العراق، والأوساط الأمنية في الداخل عن مشاركة 850 ألف عنصر أمني، عن ان نوري المالكي لم يحصل على الحصة الأكبر، كما كانت توقعاته. وكان ائتلاف المالكي قد أجرى استطلاعاً للرأي بعد تفجر
أزمة <الأنبار> مع بداية هذا العام، رجح امكانية حصوله على مئة مقعد على الأقل، فيما يتطلب وصوله من جديد الى كرسي رئاسة الحكومة حصوله على أصوات 165 نائباً كحد أدنى.
ولن تكون الشخصيات المستقلة خارج الحسبان عندما تقفل صناديق الاقتراع ويبدأ... العد! لكن ذلك الاستطلاع يصطدم الآن بالواقع المرير الذي لا يمنحه أكثر من 70 صوتاً نيابياً، خصوصاً بعد الفتوى التي أصدرها الشيخ بشير النجفي أحد المراجع الشيعية الأربعة، بتحريم انتخاب المالكي لرئاسة الحكومة، ودعم ائتلاف <المواطن> بزعامة عمار الحكيم. وتشير معطيات سبقت يوم الانتخابات الى أن كتلة عمار الحكيم قد تكون الحصان الرابح في هذا السباق الانتخابي، بحيث تتوزع 32 مقعداً برلمانياً بدل عدد مقاعدها الحالي وهو 16 مقعداً، مقابل احتفاظ كتلة مقتدى الصدر بالمقاعــــد الأربعين التي يحتلها الآن في البرلمان.