بقلم خالد عوض
[caption id="attachment_83718" align="alignleft" width="386"] ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: المنطقة بحاجة إلى تنمية وليس إلى صواريخ .[/caption]أصبح من الواضح أن المفاوضات الأميركية الإيرانية قد بدأت مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب "جو بايدن" حتى قبل أن يتسلم الأخير رسمياً مقاليد الرئاسة في ٢٠ كانون الثاني (يناير) المقبل. ورغم كل ما تقوم به إسرائيل ومن خلفها إدارة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في الربع ساعة الأخير، فقد قررت إيران العض على الجرح لأن الأمل في أن تزال كل العقوبات الإقتصادية عليها خلال أشهر أصبح كبيراً جداً ومن خلال توجهات علنية وواضحة لـ"بايدن" وفريق عمله. ولكن يبدو أن "بايدن" سيفرض شرطاً وحيداً من الصعب جداً على إيران أن ترفضه: الجلوس مع السعودية على طاولة المفاوضات برعاية أميركية لحل المشكلة اليمنية والمشاكل الأخرى العالقة بينهما.
"بايدن": لا لإيران نووية، لا بأس بإيران "باليستية
لا تختلف كثيراً مقاربة "جو بايدن" لأوضاع الشرق الأوسط عن الرئيس السابق "باراك اوباما". هناك ثوابت استراتيجية لا جدال فيها مثل مصالح إسرائيل "العليا" والرقابة الأميركية اللصيقة على مصادر النفط ومسالكه البحرية. ولكن الإعتقاد المشترك بين الرجلين هو أن الشرق الأوسط معقد جداً ومن الصعب أن تقوم الولايات المتحدة فيه بدور الشرطي مهما توفر لها من تفوق عسكري. لذلك من الأفضل لها أن توكل هذه المهمة إلى اللاعبين الإقليميين الكبار. فالإثنيات والأعراق والقوميات والمذاهب والطوائف تتداخل لتجعل من المنطقة برميلاً متفجراً على الدوام وقوده الفقر والبطالة. وكلما حاولت الولايات المتحدة سحب فتيل التفجير تشظت هي نفسها بل زادت كمية البارود في البرميل. الفرق بين "بايدن" و"اوباما" هو أن الأخير كان يريد ترك المنطقة تعالج أمورها بنفسها بعد أن يسحب منها الفتيل النووي على طريقة "فخار يكسر بعضه"... أما "بايدن" فقد رأى بأم العين خلال ولاية "ترامب" أن إيران تمادت في بسط نفوذها العسكري عن طريق تطوير قدراتها الصاروخية الباليستية والدقيقة وتقوية أذرعها الميليشيوية من اليمن إلى لبنان مروراً بسوريا. هذا الواقع لم يكن موجوداً بهذا الشكل عندما وقع "اوباما" الإتفاق النووي عام ٢٠١٥، ولا يمكن لـ"بايدن" أن يتغاضى عنه. ولكن بدل عصا العقوبات سيلجأ "بايدن" إلى جزرة المفاوضات. فاستناداً إلى ما يرشح عن فريقه من تصريحات يبدو أن "بايدن" يريد أن تجمع هذه المفاوضات ليس فقط الدول الخمس الكبرى زائداً ألمانيا كما في السابق، بل يريد ضم السعودية والإمارات إليها ويمهد لتسوية إقليمية تاريخية برعاية أممية تفتح الباب لمرحلة إقتصادية جديدة في الشرق الأوسط. حتى إن "بايدن" يريد تجاوز صفقة القرن، من دون إلغاء مفاعيلها، وإرجاع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات تحت عنوان حل الدولتين.
الصبر الإيراني.. الـ"تكتيكي"
[caption id="attachment_83720" align="alignleft" width="470"] الرئيس الإيراني "حسن روحاني": إزالة العقوبات أجدى من الرد على الإغتيالات.[/caption]أكثر دولة معرفة بخطط "جو بايدن" للشرق الأوسط هي إسرائيل. فإلى جانب كون معظم الداعمين الكبار لحملة "بايدن" هم من المتمولين اليهود، معظم أعضاء فريق "بايدن" هم أيضاً من اليهود المقربين من إسرائيل والذين يفكرون بالعقل الإسرائيلي. وزير الخارجية "انطوني بلينكن" ربيب أحد الناجين من المحرقة النازية الذي أثر على كل نظرته للشرق الأوسط وحق إسرائيل في الوجود. رئيس الموظفين "رون كلاين" يهودي، وزيرة الخزانة "جانيت يلين" يهودية. حتى وزير الداخلية "أليخاندرو مايوركاس" متحدر من أب كوبي يهودي ومن أم رومانية يهودية، ويبدو أن الحبل على الجرار. ولكن رغم عاطفة "بايدن" وفريقه تجاه إسرائيل هو مؤمنٌ أن مصلحة إسرائيل هي في السلام الحقيقي وليس السلام التجاري، ما يعني اقتناعه بضرورة تخلي إسرائيل عن مشاريعها الاستيطانية. ولذلك يحاول "بنيامين نتنياهو" في الأسابيع الباقية من ولاية "ترامب" إفراغ ما لديه من "زعرنات" وتجاوز كل الخطوط الحمر لاستفزاز إيران وجرها إلى المواجهة لقلب الأفكار السلمية لـ"بايدن" وفريقه. ولولا ما تسميه إيران بـ"الصبر الإستراتيجي" الذي هو في الحقيقة إنتظار تكتيكي لوصول "بايدن" إلى البيت الأبيض لكنا دخلنا في حرب إقليمية طاحنة منذ عدة اسابيع. فاغتيال عالم الفيزياء النووية الإيراني "محسن فخري زاده" كاف لوحده أن يستدعي رداً عسكرياً ايرانياً على إسرائيل خاصة أنه خامس عالم يتم اغتياله منذ ٢٠١٠. كما أن طريقة اغتياله هي بحد ذاتها رسالة مقلقة للإيرانيين، فهم يلمسون منذ حوالي سنة مدى الإختراق الإستخباراتي الذي حققته إسرائيل والولايات المتحدة إن من حيث الإغتيالات أو من جهة التفجيرات المريبة في عدة مواقع.
أين القيصر؟
[caption id="attachment_83717" align="alignleft" width="462"] الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين": ملهي بوباء "كورونا" أو حزين على ذهاب "ترامب" ؟[/caption]الغائب الأكبر عن الساحة الإقليمية هذه الأيام هو الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". ولولا بعض العمليات المحدودة في "إدلب" كدنا ننسى أن جيشه موجود في سوريا وأن طائرات السوخوي والميغ جاثمة في مطار الحميميم العسكري. هو أحد الرؤساء القليلين الذين لم يهنئوا "جو بايدن" حتى الآن و"متعاضد" معنوياً مع "ترامب". لا شك أن روسيا عانت كثيراً من وباء "كورونا" ومن تبعاته الإقتصادية الثقيلة جداً على الداخل الروسي خاصة في ظل الإنخفاض المستمر لأسعار النفط. بتأخره في التهنئة ربما يوجه "بوتين" رسالة "عدم ثقة" إلى "بايدن". فهو مرتاب من قرب الرئيس الأميركي المنتخب من النظام الأوكراني ومن نيته التنسيق مع الأوروبيين لحل الأزمة الأوكرانية على عكس "ترامب" الذي كان يغرد وحيداً في كل شيء. ولكن في مسألة الشرق الأوسط الأرجح أن يؤسس "بايدن" على ما اتفق عليه "أوباما" و"بوتين" في اجتماعهما الشهير في أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦ عندما فوض الرئيس الأميركي السابق نظيره الروسي بالحل السياسي في سوريا واعتبره الأخير بمثابة إطلاق يد سياسية وعسكرية هناك. اسابيع صعبة تفصلنا عن دخول "جو بايدن" إلى البيت الأبيض ودخول المنطقة مرحلة المفاوضات. عسى أن يمر هذا القطوع من دون مخاضات عسكرية أليمة. فالإدارة الأميركية العتيدة جادة جداً في تهدئة الشرق الأوسط وفتح صفحة إقتصادية جديدة وكبيرة فيه.