بقلم طوني بشارة
إقفال معبر <نصيب> عند الحدود الاردنية السورية، سينعكس للأسف سلباً على الاقتصاد اللبناني بشكل عام وعلى الإنتاج الزراعي بشكل خاص، لكونه يعتمد على هذا المعبر بحوالى 65 بالمئة من صادراته الى الأسواق العربية، مما ينذر بعواقب كبيرة ستطال شريحة كبرى من المجتمع اللبناني. والمتتبع للأمور الاقتصادية يدرك انه لم يكن ينقص اللبناني الا إقفال الشريان البري التجاري الذي يبقى متنفسهم الوحيد لتصدير مواسمهم الزراعية الى الأسواق العربية، فمنذ مطلع نيسان/ ابريل وحركة الشحن البري متوقفة من جراء الاوضاع التي استجدت عند معبر <نصيب> السوري الحدودي مع الاردن، ما يكبد لبنان خسائر بمليوني دولار يومياً في مختلف القطاعات المعنية بالإنتاج والتصدير والتوضيب والنقل .
وما سيضاعف هذه الخسائر هو فقدان لبنان مكانته في أسواقه العربية التقليدية من جراء استمرار توقف حركة التصدير، ما سيدفع هذه الأسواق الى الاستعاضة عن المنتجات اللبنانية بمنتجات من بلدان أخرى، ولذلك يستنفر المعنيون بالقطاعين الزراعي والصناعي والتجاري لابتكار الحلول سريعاً، علماً ان شهر ايار/ مايو هو الموعد التقليدي لبدء إنتاج قسم كبير من المواسم الزراعية اللبنانية.
واللافت ان الوزارات المعنية عرضت سيناريوهات عدة للمعالجة اي لنقل البضائع اللبنانية بحراً الى الأسواق العربية، وجرى البحث في ان تشتري الدولة عبّارات تحمل الشاحنات اللبنانية وتمخر عباب البحر الى ميناء العقبة الاردني او الى قناة السويس ثم ميناء ينبع السعودي، كما ان الدولة عرضت تعويضاً مالياً على التجار والمزارعين والصناعيين على ان يكون مرحلياً حتى زوال الازمة، ولكن هناك سلسلة من الاسئلة المطروحة في هذا الشأن، فهل ستفي الدولة بوعدها؟ وماذا عن الشفافية في التوزيع؟
وعود وتساؤلات عديدة للإجابة عنها قابلت <الافكار> رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك، ورئيس تجمع الصناعيين فادي الجميل، ورئيس غرفة التجارة والصناعة في الشمال توفيق دبوسي .
العبّارات هي الحل
يرى رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك وجوب اعتماد التصدير عن طريق العبّارات البحرية والبواخر الى مصر، ولكن الطروحات الحالية وفقاً للحويك فيها من الفساد ما فيها لذا لا بد من العودة الى الاقتراح الافضل وهو العبّارات، ولا يمكن اعتماد الطريق الجوي لارتفاع كلفته، كما لا يمكن اعتماد الطريق البري لعدم توافره في الوقت الحالي، ويقول:لا يمكننا ان نعتمد على غيرنا من الدول، وينبغي على الدولة اللبنانية ان تشتري عبّارات بكلفة تتراوح بين الـ 4 الى 10 ملايين دولار، ثم تقوم بتكليف إحدى شركات الشحن بمناقصة لإدارة هذا الخط، لتضعهم في مرفأ طرابلس ومن ثم ترسلهم الى <بور سعيد> في مصر والدولة هي التي تدفع كلفة هذا الخط. ويشدد حويك: من واجب الدولة شراء الخط وتلزيم التشغيل فيه. هذا هو الحل الوحيد الذي لا بديل له، طرحناه منذ سنوات وتم تعطيله، وها هو يطرح من جديد لكن بطريقة تنفيذية غير سليمة. ففي المبدأ يقول الجميع ان لا بديل لنقل الصادرات عن طريق البحر، اما البعض، فأشار الى اعتماد الخط التركي وهو خط يمر بالمرافئ الاسرائيلية، ثم ما علاقتنا بتركيا؟
ويستطرد حويك: الازمة الواقعة لبنانية ويجب حلها بطريقة افضل من هذه، لاسيما اننا اليوم في أواخر مواسم زراعية وبداية أخرى، وليس لدينا حالياً سوى الحمضيات كي نصدرها مما أدى الى انخفاض أسعار الحمضيات بشكل كبير، فتجد مثلاً في السوق المحلي كيلو الليمون بـ 500 ليرة وهو ما لم يكن ليحدث ابداً. ويضيف حويك: الذي يتأثر اليوم هو الحمضيات، فالبطاطا العكارية لم تنضج بعد والبقاع لم يبدأ إنتاجه حتى الآن لذا نحتاج حلاً سريعاً لا نجده في البدائل المطروحة، فالحل الوحيد الذي ليس مطروحاً حتى اللحظة بكل أسف هو ان تشتري الدولة اللبنانية هذا الخط وتعمل على تشغيله، فهي ليست تاجراً لتستفيد منه بل مهمتها تكمن في حماية الاقتصاد ورعايته .
الجميل مع النقل البري
وفي السياق نفسه، أشار رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل الى ان معبر <نصيب> هو الممر الطبيعي للصادرات اللبنانية الى الخليج العربي بحيث تبلغ نسبة الأسواق العربية منها 45 بالمئة، وركز على كون مشكلة إقفال المعبر تضاف الى جملة مشاكل يعانيها الاقتصاد اللبناني وباتت تطال العديد من المصانع التي لها التزاماتها من حيث تسليم الصادرات في مواعيد محددة. وشدد الجميل على ان خط التصدير عبر العراق مكلف جداً ويتعرض لضغوط، ونوه بضرورة اعتماد النقل البحري حيث يعد أسطول النقل البحري اللبناني من ضمن مكوناته ثالث أكبر شركة لنقل المستوعبات في العالم. وركز الجميل على ضرورة الإفادة من العلاقات الاقتصادية اللبنانية الجيدة مع العديد من دول العالم لتشغيل الخط الاستراتيجي وإحيائه، فالمطلوب تجييش كل الطاقات للحفاظ على الصادرات التي تعتبر أساسية بالنسبة الى الدخل والى فرص العمل للمؤسسات.
وعن تكلفة النقل البحري من خلال الحاويات الى مرفأ جدة، أشار الجميل الى انها مرتفعة قليلاً، مقارنة مع تكلفة النقل البري كما هناك مشكلة في إخراج البضائع من المرفأ إذ يتطلب ذلك فترة تتراوح بين 25 و30 يوماً، ولكن مهما يكن من أمر، فالاتجاه الوحيد الذي ينبغي اتباعه هو النقل البحري في ما خص المنتجات الصناعية.
وفي ما يتعلق بالمنتجات الصناعية والزراعية التي تتلف بسرعة، أوضح الجميل: ان الحل في هذا الاطار يتطلب فتح خط <رو- رو> لنقل الشاحنات مع حمولتها من لبنان الى ميناء <ضبا> في المملكة العربية السعودية، والمطلوب لاستيعاب الكميات المصدرة الى دول الخليج من هذه المنتجات تسيير بين 6 بواخر و 8 بواخر <رو - رو> شهرياً بقدرة استيعابية تتراوح بين 70 و 100 شاحنة لكل باخرة، وكشف ان فارق التكلفة لكل شاحنة هو بحدود 1000 دولار، مما يستدعي ضرورة توفير الدعم للرأسمال التشغيلي للمنتجات الصناعية المعدة للتصدير، خصوصاً ان هذا الموضوع سبق ان وافق عليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واعتبر ان قرار الدعم للتصدير من شأنه زيادة الصادرات اللبنانية الى دول الخليج.
اما رئيس غرفة التجارة والزراعة في الشمال توفيق دبوسي فأعلمنا ان الغرفة تهتم بموضوع الصادرات اللبنانية على أنواعها. اما التركيز على الصادرات الزراعية وخاصة الفواكه والخضار فذلك لكونها قابلة للتلف السريع. وركز دبوسي على ان هناك نقابتين مهمتين تلاحقان الموضوع وهما نقابة أصحاب الشاحنات المبردة، ونقابة شاحنات نقل <الترانزيت>، و<بحكم موقعي وبجلسات عمل مفتوحة استعرضت واقع المعوقات التي تواجه حركة انسياب الصادرات على أنواعها الى بوابات العبور البرية بالحدود المشتركة مع دول الجوار العربي وآخرها معبر <نصيب>.
وعن تحرك الغرفة لايجاد حلول للأزمة اشار دبوسي: هنا لا بد من التنويه بأن المرسوم 36/67 ينظم شؤون الغرف ودورها، ونشاطي كرئيس غرفة مستمد من هذا المرسوم على اعتبار ان الغرفة بالأساس هي عبارة عن مستشار في الظل ومدافع عن المصالح العليا للقطاع الخاص بكل مكوناته الاقتصادية (زراعية وصناعية وتجارية....) على هذا الأساس، قمت بتحرك داخلي وأرسلت كتاباً الى الرئيس تمام سلام طلبت منه الاهتمام والمشاركة بمعدل 2000 دولار لكل سائق شاحنة مستنداً بذلك الى التكلفة المرتفعة للنقل البحري عن طريق <الرو- رو>.
ويتابع دبوسي: كما أرسلت رسالة الى وزير الخارجية جبران باسيل واتصلت بالسيد غازي زعيتر واجتمعت مع وزير الصناعة ووزير الزراعة والاقتصاد والتجارة بحضور أكرم شهيب ورئيس جمعية الصناعيين ورئيس نقابة الصناعات الغذائية، واللافت ان الرئيس تمام سلام قد أخذ مبادرتنا على محمل الجد واقتنع بالمضمون وأهميته وتم الثناء على دور غرفة التجارة في هذا المجال لاسيما لجهة مقدرتها على الإمساك بهذا الملف.
وفي ما يتعلق باللقاء مع السفير المصري وبنود مذكرة دبوسي للجانب المصري أجاب دبوسي: لقد رفعت الى الجانب المصري مذكرة من خلال السفير المصري احتوت على جملة محاور أساسية من شأنها ان تلعب دوراً حيوياً في تعزيز العلاقات بين مصر ولبنان في كل المجالات ومنها:
- إقامة أسبوع لبنان في جمهورية مصر بالتعاون مع غرفة طرابلس ولبنان الشمالي.
- تعزيز التعاون الثنائي في مجالات صناعية وبشكل خاص العمل على تفعيل حركة استيراد الادوية الطبية المصرية خاصة <الجنريك>.
- اقتراح شراء المنتجات الزراعية اللبنانية من تفاح وزيت زيتون لصالح المؤسسة العسكرية المصرية.
- طلب توفير التغطية الممكنة لتكاليف رسوم العبور للصادرات الزراعية اللبنانية في قناة السويس.
- تشجيع الاستثمارات الصناعية وتبادل الخبرات بين البلدين لاسيما في مجال الاقتصاد الأخضر.
ــ وماذا عن الرسالة المرسلة من قبل الغرفة الى أمين عام منظمة مجلس التعاون لدول الخليج؟
- ان غرفة طرابلس عضو في اتحاد الغرف العربية، وبحكم موقعي كأمين سر الغرف اللبنانية التي يحق لها المدافعة عن المصالح العليا للقطاع الخاص، توجهت برسالة الى الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وأعلمته بموجبها ان أغلبية البضائع التي كانت تمر عبر معبر <نصيب> هي منتجات زراعية يصعب تخزينها لمدة طويلة مما يؤدي الى تلفها، ولفت نظره الى انه في الوقت الراهن لا بديل سوى توسل الطرق البحرية لنقل هذه البضائع والمنتجات، وطلبت منه إجراء اتصالات مع الدول الاعضاء بالمنظمة للتفضل برعاية تطلعات المصدرين اللبنانيين لمنتوجاتهم الوطنية وتأمين مشاركة في تحمل رسوم العبور في قناة السويس المتوجبة على البضائع والسلع المنقولة بحراً بواسطة السفن المدحرجة <رو - رو>.